الشيخة مي بنت محمد آل خليفة: الثقافة هي فعل المقاومة الحقيقي

  • 8/11/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الشيخة مي بنت محمد آل خليفة المنامة: نادية التركي* الثقافة انعكاس لعمل الأفراد والجماعات وليست حكراً على المؤسسات الرسمية. * نسعى لتنمية ثقافية مستدامة مع المنظمات الدولية من أجل مستقبلٍ واحد للعالم. أكدت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، أن الثقافة هي فعل المقاومة الحقيقي الذي تعوّل عليه هيئة البحرين للثقافة والآثار، لأن الثقافة هي الإطار الأمثل الذي يجمع الأضداد. كما قالت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار إنه لا يمكن تحميل المؤسسات الرسمية وحدها هذه المسؤولية، لأن الثقافة تبقى انعكاساً لعمل الأفراد والجماعات وليست حكراً على مؤسسة واحدة أو وزارة معيّنة، و«من هنا التزامنا كأشخاص بوعي كامل لأهمية دورنا في النهوض بالثقافة المحليّة، وسعينا المتواصل من أجل تنمية ثقافية مستدامة تقترحها اليوم المنظمات الدولية من أجل مستقبلٍ واحد للعالم». وأضافت الشيخة مي في حوار خصت به «المجلة» أن مملكة البحرين قد تميزت منذ القديم بتعدد الثقافات والإثنيات والمذاهب والأديان على أرض مساحتها الجغرافية صغيرة، وهذا ما حولها إلى مركز اختبار للتعايش والتسامح والانفتاح. وإلى نص الحوار… * ما دور هيئة البحرين للثقافة والآثار في خدمة الثقافة في مملكة البحرين، وحماية آثارها؟ – إن الدور المؤتمنة عليه هيئة البحرين للثقافة والآثار يحمل في مضمونه عمق تاريخ الأرض التي تعاقبت عليها الحضارات على مدى آلاف السنين، كما يأخذ بعين الاعتبار القيم الإنسانيّة التي عُرفت بها البحرين منذ القديم حيث تعددت الثقافات والإثنيات والمذاهب والأديان على أرض رغم مساحتها الجغرافية الصغيرة تحوّلت إلى مركز اختبار للتعايش والتسامح والانفتاح وهذا ما ميّز هويتها الفريدة. وتلعب هيئة البحرين للثقافة والآثار دوراً كبيراً في حماية هذه الهوية الثقافية الوطنية وتعزيزها والتعريف بها، كما تقوم الهيئة بجعل الثقافة ركنا من أركان التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتعزيز شهرة البحرين كدولة تتمتع بالاحترام على الساحة الدولية وتحفيز الإبداع والابتكار في مجالات الثقافة والفنون. ومن هذا المنطلق، تعمل هيئة الثقافة على تعزيز الهوية الثقافيّة الوطنيّة وزرع روح المواطنة الصادقة في فئة الشباب، كما تدعم الهيئة البرامج والمؤسسات الثقافيّة والفنيّة، وتحافظ على بيئة ثقافيّة متطوّرة يساهم فيها الإعلام من جهة، والصناعات الثقافيّة الحديثة من جهة أخرى مع تحديث الأنظمة واللوائح الخاصة بالجمعيات الثقافية والفنيّة، دون أن ننسى مشاركة القطاع الخاص الملتزم بالمساهمة في تطوير البنية التحتية الثقافيّة والالتزام بمبادئ الاستدامة من أجل التنمية. * في رأيكم، ما الدور الذي يمكن أن تقوم به الثقافة اليوم وسط كل ما تشهده المنطقة من أحداث وتغيرات أمنية وآيديولوجية؟ – الثقافة هي فعل المقاومة الحقيقي الذي نعوّل عليه، فهي التي تجمع الأضداد وتجعل لقاءها غني بذاته. الثقافة تبقى السلاح الوحيد في وجه كل المتغيرات، لأنها ثابتة بعراقتها وجامعة بشموليتها، بالثقافة نعمل على ترسيخ القيم الإنسانية إذ تتجسّد مبادئ السلام، والجمال والفرح في المجتمعات بتلقائية وعفويّة لأن الثقافة لا تعرف العنف ولا الحروب ولا الظلم. إن الثقافة هي القوة الناعمة التي كالمحبة، وكما قالها جبران خليل جبران «تضمكم إلى بيادرها كأغمار حنطة، تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء…». هي التي تعمل على توحيد المجتمعات بغنى تعدديتها وفرادة مكوّناتها وهي ما يبقى من الشعوب وما يحمله التاريخ لأبنائنا. ومن هنا أتوجّه لكل المسؤولين متمنية منهم الاهتمام أكثر بالثقافة المحليّة وإعطاءها مكانتها وأهميتها كي نتصدى معاً لكل التحديات ومن أي جهة أتت، فبالثقافة نقاوم المتغيرات وننتصر. * ما هي ملامح سياسة هيئة الثقافة البحرينية في التوعية بخطورة الانقسامات الآيديولوجية، وتأثيراتها على كل المجالات دون استثناء؟ – التعددية في المجتمعات شكل من أشكال الديمقراطية ولسنا ضد التعدد، بل نجد فيه مصدر غنى يثري المشهد الثقافي والمجتمعي لمحيطنا، ولكننا بطبيعة الحال ضد كل نغمة لا تتوافق بهرمونية مع معزوفة السلام لدينا، وضد تفكيك النسيج الاجتماعي المحلي المتعايش والمتجانس منذ زمن. منذ سنواتٍ، مرّت المنطقة بمجموعة من التحديات والتداعيات، كانت الثقافة حينها القلب النابض الذي عكس وحدة المجتمع البحريني، وجاء حينها عنوان مهرجان صيف البحرين «انتصاراً للفرح» عاكساً لهذه المقاومة الفعّالة التي عشناها بفرح المنتصر على من يريد هدم قيم المجتمع، كما كان لقاء الشباب البحريني المنتمي إلى مختلف المذاهب والأديان الموجودة في البحرين مثلاً في تجسيد دور الثقافة وتوعية جيل الشباب بقيم المواطنة الصالحة والانتماء للهوية الوطنية الجامعة وذلك عبر مهرجان «تاء الشباب» الذي ما زال ينبض بنسخته التاسعة اليوم بقلب الشباب الملتفّ حول مملكته الغالية. وهذه بعض الأمثلة للدور المحوري الذي تلعبه الثقافة في ظل الانقسامات التي تعيشها بعض المجتمعات العربية. * منذ توليكم مسؤولية وزارة الثقافة، فتحتم الأبواب على مصراعيها لنخبة من المثقفين والفنانين من كل أنحاء العالم، ما الهدف الرئيسي… هل هو تعريف الآخرين بالمملكة أم تعريف البحرينيين بثقافات الآخر؟ – لا حدود ولا لغة ولا دين للثقافة، هي العابرة للجغرافيا وللمفاهيم الأحاديّة، هي فعل اللقاء بالآخر المختلف بغناه، وما البحرين في تاريخها القديم والحديث إلا انعكاس لمفهوم هذا الانفتاح. إذا عدنا لتاريخ البحرين نرى كم كانت عبر شخصياتها ومجتمعاتها مصدراً للإشعاع والتنوير، وهذا ما ميّزها منذ القدم، واليوم نجد إحياء هذا التاريخ عبر لقاء الثقافات على أرض المملكة، وما لقاء المثقفين والفنانين من كل أنحاء العالم إلا استمرارية للروح التي طالما تحلّت بها أرضنا. وفي هذا التلاقح الفكري واللقاء الثقافي والتواصل المعرفي تعريف متبادل يأتي نتيجة تلقائية للحراك الثقافي الإقليمي والعالمي الذي تعيشه البحرين في مؤتمرات ونشاطات عالمية تنظمها وتستقبلها في مواقعها التي تشكّل بنية تحتية ثقافية مستدامة. التعريف بالخصوصيات ليس هدفاً بذاته ولكنه ثمرة رؤية واستراتيجية تجعل من قيم الانفتاح والتسامح أرضا خصبة يكون فيها لقاء الآخر الغني بفرادته مصدر معرفة وتثقيف وتنوير بطريقة حضارية وطبيعية. * كيف تقيّمون الدور الذي يقدمه المثقفون العرب حالياً في دولهم ومجتمعاتهم؟ هل هناك نقائص؟ وكيف يمكن النهوض بالثقافة في دول الخليج والعالم العربي عموماً لأداء الدور الموكل إليهم؟ – المثقّف ابن المجتمع وعليه واجباتٌ وحقوق ككل فردٍ في مجتمعاتنا العربية، الدور المنوط بالإنسان العربي، مهما يكن مستواه الثقافي، مهمٌ بقدر ما للحكومات والمؤسسات الرسمية من أدوار، لا بل أكثر. المسؤولية الواقعة على عاتق المثقّف كبيرةٌ بقدر معرفته وثقافته واطلاعه، فإذا ما قام كلٌ منا بدوره في سبيل الارتقاء بالحراك الثقافي في محيطه، وإذا ما قامت المؤسسات الأهلية والرسمية الثقافيّة بما أوتيت من قدرة وسلطة وإمكانيات، ننهض كلنا بالثقافة في دولنا العربية. كل فرد منا مسؤول عن هذه النهضة، ولا يمكن تحميل المؤسسات الرسمية وحدها هذه المسؤولية لأن الثقافة تبقى انعكاساً لعمل الأفراد والجماعات وليس حكراً على مؤسسة واحدة أو وزارة معيّنة، ومن هنا التزامنا كأشخاص بوعي كامل لأهمية دورنا في النهوض بالثقافة المحليّة، وسعينا المتواصل من أجل تنمية ثقافية مستدامة تقترحها اليوم المنظمات الدولية من أجل مستقبلٍ واحد للعالم. * هل هناك تنسيق بين وزراء الثقافة في المنطقة العربية للعمل معا أو بالتوازي يجعل الأمور تسير وتصب في مصلحة النهوض بالثقافة وتطويرها لمواكبة التطورات فائقة السرعة التي يشهدها العالم؟ – العمل الثقافي الجماعي، محلياً، وإقليمياً، ودولياً، هو الذي نعوّل عليه في سياساتنا العامّة، ومن هنا أهمية المنظمات الرسمية التي تحافظ على تفعيل وتعزيز استراتيجيات ثقافية تعلي من الشأن الثقافي في كافة مجتمعاتنا. اللقاء بين المؤتمنين على الثقافة يصبح بديهياً عندما تأخذ هذه المنظمات زمام الأمور في وضع رؤيتها وأهدافها من أجل تنمية ثقافية مستدامة. وعلى سبيل المثال نشهد قرار المسؤولين عن الثقافة في العالم الإسلامي باختيار المحرّق عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2018م، والذي أتى عبر مشاركة ولقاء وزراء الثقافة للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، كما نعمل كمسؤولين عن الثقافة الخليجية على تقديم جناحٍ مشترك تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي ضمن «إكسبو دبي» لعام 2020، وذلك لتعريف ملايين الزوار بالإرث الثقافي الحضاري لخليجنا العربي. * هل وسائل التواصل الاجتماعي خدمت الثقافة في المنطقة أم أثرت عليها سلبا؟ – لعالم الإعلام الحديث، كالإعلام السمعي البصري التقليدي، مساوئ ومحاسن، ورغم ذلك لا يمكن أن نكون بمنأى عن هذه الطرقات الدولية في «القرية الكونية» التي طالما تحدّث عنها خبراء الإعلام. نحن نؤمن بدور الإعلام في إيصال الصورة الأجمل والحقيقية عن ثقافاتنا، ومن هنا نوجد في هذا العالم الافتراضي ونعطيه الأهمية التي يستحق، كي نخبر عن غنى أرضنا وثقافاتنا وإرثنا التاريخي، وهذا من واجب المؤسسات الثقافية، لأن وجودها أمرٌ ضروري على الشبكة العالمية. في هيئة البحرين للثقافة والآثار، لدينا حضورٌ في مختلف برامج التواصل الاجتماعي إذ نستخدمها للحديث عن الحراك الثقافي المحلي وعن مشاركاتنا الإقليمية والعالمية كما نخبر عبرها عن مضمون نشاطنا وتنوّعه، وهكذا باستعمال هذه الوسائل نتخطى الحدود كي نصل إلى كل فرد وبأكثر من لغة. من جهة أخرى نجد أن الشعبية التي باتت تتمتع بها هذه الوسائل قد تُغني البعض عن متعة الوجود الحقيقي لعناصر الثقافة، فها هو الكتاب لم تعد صفحاته الورقية تجذب القرّاء كما كانت في السابق. * مشاركات الدول الخليجية عموماً والبحرين بشكل خاص في المحافل الدولية، هل نجحت في تحسين الصورة السائدة حالياً خاصة في الغرب حول العرب والمسلمين في ظل ما يشهده العالم من أعمال إرهابية؟ – عندما ننقل الصورة الحقيقية عن مجتمعاتنا ونشاطنا، يضمحل الخلل الموجود في هذه الصورة النمطية التي يمكن أن تروّجها أعمال لا تمت للدين بصلة. نحن مثلاً في عام 2018 سنقوم باحتفالية «المحرّق عاصمة الثقافة الإسلامية» عبر تكريس عناوين السلام والجمال والفرح والفنون، كي ننقل صورة الإسلام الحقة للعالم. وهكذا نعكس الصورة الأدق والصحيحة لمجتمعنا عندما نوجد في المحافل الدولية، وبالأخص عندما نتميز عن غيرنا بجوائز تظهر للعالم مدى احترافية ومهنية وجودة العمل في عالمنا العربي، وهذا ما عملنا عليه عبر حضورنا الدولي. نذكر على سبيل المثال حضورنا في «إكسبو ميلانو» عام 2015 والذي من خلاله حصد جناح مملكة البحرين وبكل جدارة الجائزة الفضية في فئة الجوائز المخصصة للهندسة المعمارية، وحضورنا في بينالي البندقية عام 2010 كأول دولة عربية تفوز بجائزة الأسد الذهبي. * هل ترون حلولاً لما تشهده البلدان التي تعرضت لدمار من جرائم متعلقة بتهريب الآثار، وكيف يمكن حماية وإنقاذ ما يمكن انقاذه؟ ومن تقع عليه هذه المسؤولية؟ – مع الأسف، غالباً أثناء الحروب نرى سرقة وتهريباً للآثار، وهذا يعاقب عليه القانون الدولي، ومن هنا علينا جميعاً تفعيل الاتفاقات الدولية لحماية التراث الثقافي للشعوب والتي ترعاها مؤسسات عالمية؛ مثل: منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، والمركز الدولي لدراسة وحفظ وترميم التراث الثقافي، والمجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية، وغيرها. والجدير بالذكر أن مملكة البحرين تحتضن المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وهو مركز الفئة الثانية لليونيسكو غرضه تنفيذ اتفاقية التراث العالمي في منطقة الدول العربية من خلال تعزيز المعرفة والمبادئ التوجيهية التشغيلية والتعاون بين الدول الأطراف في منطقة الدول العربية وبالطبع الحرص على المحافظة على الإرث الموجود في عالمنا العربي. وفي النهاية فإننا بالتوجه نحو الثقافة والوعي والمعرفة نجفف منابع الحروب والدمار، فالأرض مهما بلغت صلابتها، لا تقاوم زهرةً أرادت الحياة.

مشاركة :