وأنا أتأمل قبل إعدادي لكتابة هذا المقال ما حدث ويحدث حولنا من أحداث في البلدان المحيطة بنا، تذكرت احتلال العراق للكويت والحشود العسكرية العراقية على حدودنا، ثم القيادة الحكيمة للملك فهد -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- إبان الغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة، في استعانته بالقوات الأجنبية تلك الخطوة التي اتخذت بفضل الله ثم بفضل حنكته قد جنبت البلاد والعباد ويلات الحرب، حافظت على اقتصاد وممتلكات وثروات المملكة النفطية والكيميائية والمجمعات الصناعية وغيرها، وقاد من خلالها "الفهد" البلاد إلى بر الأمان في ظروف صعبة. كان يولي الأمن والأمان اهتماما خاصا متحدثا أن من أعظم النعم التي ينعم بها علينا ربنا سبحانه وتعالى نعمة الأمن والأمان في الوطن، هذه النعمة التي يغفل عنها وعن شكرها كثير من الناس، وهي النعمة التي افتقدتها كثير من البلدان من حولنا، وإذا ما أمعنّا النظر في جوهر هذه النعمة وجدناها تأتي في مقدمة النعم بعد نعمة الإسلام، وهذا ما يؤكد عليه قول حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". وبتحقق هذه النعمة يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم، ويعبدون الله، ويقيمون شريعته، وتؤدى كل الواجبات باطمئنان من غير خوف، وهذا المعنى ما تؤكد عليه كذلك الآية الكريمة من دعاء إبراهيم عليه السلام لهذا البلد المبارك: "رب اجعل هذا البلد آمنًا" وغيرها من الآيات. ولنا أن نتأمل في فقدان هذه النعمة، وهو ما يحصل اليوم لبعض جيراننا من الأمم والشعوب التي سُلبت منهم هذه النعمة، وما أحدثه ربيع عربي مزعوم خلّف معه الحروب والدمار والتشريد والخوف؛ فدكت المنازل بالمدافع والقنابل والصواريخ، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويُتّم الأطفال، ورمّلت النساء، يصبح الواحد من تلك الشعوب على أزيز الطائرات وأصوات المدفعيات، لا يدري هل يمسي في يومه هذا حيا أو لا! يخرج الشخص منهم في الصباح يلتمس الرزق وعندما يعود يجد المنزل قد تحوّل إلى كومة من التراب على رؤوس الصغار وساكنيه، ولنا أن ننظر في أعداد النازحين من الإخوة السوريين، الذين نسأل الله أن يعينهم وييسر أمورهم، ويعيدهم سالمين إلى أوطانهم، وأن يعيد إليهم نعمة الأمن والأمان. أعود الآن إلى تلك الخطوة الجريئة التي اتخذها الملك فهد -رحمه الله- والتي سيظل اسمه معها مسجلا بحروف من ذهب في سجل التاريخ. إنه رجل دولة منذ الحرب العراقية الإيرانية، وصاحب اتفاق الطائف، ومبادرة السلام في فاس، إلى تحرير الكويت في أغسطس من عام 1990م، ولولا الله ثم تلك النظرة الثاقبة للملك فهد -رحمه الله- لحدث ما لا تحمد عقباه بعد احتلال الكويت؛ من زعزعة الأوضاع القائمة في السعودية، لقد استاء الفهد من الاحتلال، ورفض العدوان، واستعمل كل الحلول السليمة في ذلك الوقت ليثني الرئيس العراقي -آنذاك- عن قراره العدواني، واحتلاله الغاشم؛ لكن دون جدوى! كان الملك فهد -رحمه الله- يدرك تماما أن القوات العربية والإسلامية لا تملك القدرات والمعدات، ولم تكن مهيأة أصلا للدخول في حرب، الأمر الذي أدى إلى الاستعانة بالقوات الأمريكية والبريطانية والصديقة على الرغم من تبعات مثل هذه القرارات عربيا وإسلاميا، ناهيك عن نشوب أزمة داخلية مع التيارات المتشددة في ظروف صعبة تغلّب عليها الملك بحنكته وسياسته المعهودة. والأمر الذي لم يفت عليه هو النظرة المستقبلية لبقاء تلك الجيوش بعد انتهائها من مهمتها ليأخذ عليها التعهدات اللازمة بمغادرة البلاد بعد التحرير، وهو ما حدث فعلا. تحررت الكويت ولله الحمد والمنة، وعاد إليها أهلها وأمنها وأمانها، وحافظت السعودية على ممتلكاتها ومنشآتها النفطية والبتروكيميائية ومجمعاتها الصناعية وبناها التحتية بفضل الله، وقادها الفهد -رحمه الله- إلى بر الأمان والحمد لله. لذا كان لزاما علينا أن نعي دروس التاريخ، بخاصة في مثل هذا الوقت العصيب الذي تمر به منطقتنا وأمتنا، وأن نستلهم من كل ذلك العبر والعظات، وما أحوجنا اليوم إلى الالتفاف حول قيادتنا ووحدتنا الوطنية، وأن ننبذ خلافاتنا وصراعاتنا الطائفية والمذهبية والقبلية، تلك الممارسات التي لا تخلف سوى المزيد من الصراع، والمزيد من الخراب والدمار وتفريق وحدة الصف، ووحدة المصير. Hussain1373@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (38) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :