لقاء الغنوشي والطبوبي محاولة لاحتواء غضب قيادة اتحاد الشغلحمل اللقاء الذي جمع الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نورالدين الطبوبي برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي العديد من المؤشرات في ظل تزامنه مع تصاعد التوتر بين بطحاء محمد علي (مقر المركزية النقابية) والإسلاميين خلال الفترة الماضية نتيجة احتدام الخلاف حول جملة من المسائل.العرب وجدي بن مسعود [نُشر في 2017/08/12، العدد: 10720، ص(4)]النهضة مطالبة بتقديم خطاب سياسي بعيدا عن التخوين والتحشيد تونس - جاء اللقاء بين القيادة النقابية والغنوشي ليقطع مع حالة البرود والقطيعة غير المعلنة التي خيمت على العلاقة بين اتحاد الشغل وحركة النهضة نتيجة انتقادات متبادلة بين الجانبين بشأن محاور مرتبطة بالوضع السياسي العام والإضرابات الأخيرة التي شنها الاتحاد في عدد من القطاعات. ويؤكد المراقبون أن زيارة الوفد النقابي إلى دمشق مثلت التطور الأبرز الذي رفع مستويات التوتر إلى درجة الذروة بعد الهجوم الحاد الذي شنته العديد من قيادات الحركة وقواعدها على الاتحاد والذي استحضر ملامح الصراع السابق الذي سيطر على الاتحاد والإسلاميين في فترة ما بين 2011 و2013 إبان حكم الترويكا. وشن الإسلاميون هجوما شديدا على اتحاد الشغل بسبب قرار إرسال الوفد النقابي إلى سوريا حيث حفلت المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي المقربة من النهضة بمقالات وتعليقات شديدة اللهجة مشحونة بالتعبئة الأيديولوجية والتحريض السياسي. وأشار عدد من المراقبين إلى أن حملات التحريض ضد الاتحاد استحضرت ذات المفردات والأساليب التي وظفها الإسلاميون في السابق والتي تعتمد التلويح بمنطق التخوين والشيطنة والتنديد “باليسار الراديكالي والمتطرف ذي النزعة الاقصائية” المتحكم بالمنظمة النقابية. تداعيات الهجمات النهضوية على الاتحاد التي أمعنت في تشويهه وتصويره على شاكلة “المساند للأنظمة الدكتاتورية والقمعية” سرعت بحسب المتابعين للمشهد التونسي من ترتيبات اللقاء الذي جسد حرص قيادة النهضة على احتواء غضب النقابيين. واعتبر المحلل السياسي التونسي فريد العليبي في حديث لـ“العرب” أن اللقاء الذي جاء بطلب من حركة النهضة يعكس حرص قيادتها على تطبيع العلاقات مع اتحاد الشغل عبر تسوية المسائل التي كانت مثار توترات بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة. وأشار العليبي إلى أن الغنوشي بدا مهتما بالتخفيف من آثار الصدام الحاصل بشأن زيارة الوفد النقابي بعد أن أثار التشويه المتعمد الذي مارسته قواعد النهضة والأطراف المرتبطة بها استياء المركزية النقابية.فريد العليبي: زيارة وفد الاتحاد إلى دمشق أثارت مخاوف المحاور الإقليمية الداعمة للإخوان وبين العليبي أن سفر وفد الاتحاد إلى دمشق أثار حالة من الاستنفار داخل الحركة على المستوى الحزبي وكذلك ضمن المنظمات و الهيئات التي تدور في فلك الإخوان وهو ما تجلى عبر مواقف تنظيم نقابي مواز مقرب من الإسلاميين وعدد من الهيئات أو الجمعيات التي انخرطت في حملة التحشيد ضد الزيارة وبموافقة ضمنية من القيادة. ونبه المحلل السياسي التونسي إلى الأبعاد الإقليمية المرتبطة بهذه القضية نظرا لما أثارته زيارة الاتحاد من مخاوف داخل بعض الدوائر الأجنبية الداعمة للإخوان من التحولات داخل الرأي العام التونسي تجاه الملف السوري. وأضاف العليبي “زيارة وفد الاتحاد جاءت بعد مبادرة برلمانية لتمرير قرار لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا إلى جانب سفر عدد من أعضاء مجلس النواب إلى دمشق وهو ما يؤشر على تراجع في المواقف التي كانت مسيطرة على الشارع التونسي من الأزمة في سوريا كما أن الاتحاد يعتبر لاعبا مؤثرا وفاعلا في تشكيل الرأي العام”. وذكر العليبي بأن النهضة بذلت كل المساعي لقطع الطريق أمام محاولات الانفتاح على النظام السوري ومن بينها إسقاط مشروع المبادرة البرلمانية لإعادة العلاقات وبالتالي فإن الهجمة على الاتحاد تندرج ضمن محاولات التقليل من أثر الزيارة على الصعيد السياسي. ويصب لقاء الغنوشي بالطبوبي بحسب بعض القراءات في اتجاه سعي النهضة للتهدئة نتيجة المتغيرات الأخيرة على الصعيد الإقليمي والتي كان لها تأثيرها على الوضع الداخلي للحركة. ولفت المحلل السياسي فريد العليبي إلى أن حصار قطر وانكفاء تركيا على معالجة أوضاعها الداخلية عمقا من عزلة النهضة دوليا وجعلاها في موقع ضعف على المستوى الداخلي وهو ما يفسر مبادرة اللقاء مع الاتحاد والتي تمثل استمرارا لسياسة التنازلات التي ما فتئ يعتمدها الإسلاميون منذ 2014. وألمح العليبي إلى أن النهضة تبحث ضمن سياساتها الجديدة عن مساحة توازن والتقاء مع مختلف الأطراف في الساحة المحلية تفاديا لتكرار السيناريو المصري خاصة بعد أن جددت الإجراءات الخليجية لتجفيف دعم الدوحة للإخوان هواجس إسلاميي تونس. وشدد العليبي على أن قيادة النهضة تدرك أنها لا تستطيع العودة إلى مرحلة المواجهة والصراع الأيديولوجي مع الاتحاد وذلك بالنظر إلى المساحة الهامة التي تحتلها المركزية النقابية على المستوى الوطني ووزنها المؤثر في صياغة القرار داخل حكومة الوحدة الوطنية إلى جانب ضعف حلفاء النهضة الإقليميين وكذلك مشاكلها الداخلية. ويتزامن لقاء رئيس حركة النهضة بقيادة اتحاد الشغل مع بدء العد التنازلي للانتخابات البلدية والمحلية وهو ما يعد بحسب متابعين بمثابة إبداء حسن النوايا من جانب النهضة في طرح مشروعها السياسي القائم على أساس الاستمرار في السلطة من موقع الشراكة والتوافق بعيدا عن منطق الانفراد والتغوّل. وإلى جانب تجاوز الخلافات المتعلقة بالملف السوري فإن اللقاء مثل إطارا بحسب مراقبين لتناول مسائل مشتركة بين اتحاد الشغل والنهضة وخاصة منها مسألة التحوير الحكومي. ويلفت فريد العليبي إلى أن التوافق بين الطرفين بشأن ملامح التحوير داخل حكومة الشاهد يرتبط بفلسفة الاتحاد الذي يطالب بإدخال تغييرات جوهرية في بنية الحكومة ما يضاعف من الضغوط المسلطة على رئيس الحكومة نحو الاعتماد على فريق من التكنوقراط والكفاءات وهو الطرح الذي يحظى بموافقة النهضة.
مشاركة :