سالم عبدالغفور | كشف تقرير الاستقرار المالي الصادر عن بنك الكويت المركزي عن تحول الائتمان المصرفي نحو القطاعات الأكثر أماناً، وقال: يشير تحليل القروض للقطاعات المختلفة إلى اتجاهات متباينة، حيث تحصل بعض القطاعات على ائتمان أكثر، في حين شهدت قطاعات أخرى تراجعاً في الحصول على الائتمان. وبصفة عامة، يلاحظ زيادة حصة القروض الشخصية من الائتمان المصرفي خلال عام 2016، بينما تراجع الائتمان المصرفي الممنوح لقطاع العقار للمرة الأولى بعد عقد كامل من النمو الإيجابي. ولا شك أن تحول القروض المصرفية من قطاع العقار نحو القروض الشخصية يدل على تغير توجهات البنوك نحو القطاعات القليلة المخاطر في سعي من البنوك نحو الجودة. ويشير الاستقرار النسبي في توزيع الائتمان إلى أن البنوك قد تجنبت التوسع والاندفاع في ممارسات الإقراض، وذلك بسبب تبني البنوك لأسلوب متحفظ لتوزيع الائتمان. ومع ذلك، يظل التركز الائتماني مرتفعاً، حيث تشكل أربعة قطاعات (هي قطاع العقار وقطاع الأفراد وقطاع التجارة وقطاع الخدمات) وحدها حوالي %64.5 من إجمالي المحفظة الائتمانية. وتراجع النمو في القروض المصرفية المقدمة لقطاع العقار، فقد تراجع خلال عام 2016 (%3.4) للمرة الأولى خلال السنوات العشر الأخيرة وسط التباطؤ الملحوظ في سوق العقار. ونتيجة لذلك، انخفضت حصة القروض العقارية من إجمالي محفظة القروض البنكية بشكل طفيف من %21.5 إلى %20.6 خلال عام 2016. وفي نفس السياق، تساوى نصيب البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية بالنسبة إلى القروض الممنوحة لقطاع العقار، رغم أن نصيب البنوك التقليدية يبدو أكثر قليلاً (%50.5) خلال عام 2016. ونظراً لاستخدام معظم القروض الشخصية لترميم وشراء منازل سكن خاص، فإن إجمالي انكشافات البنوك للعقار بكل أنواعه أعلى بكثير من مبلغ 9.1 مليارات دينار كويتي الممنوح مباشرة للعقار، ويمكن التعرف على إجمالي انكشاف البنوك للعقار من حيث القروض لكل من: «أ» قطاع العقار، و«ب» قطاع الإنشاءات، و«ج» القروض المقسطة للأفراد. وبتجميع القروض ضمن هذه الفئات الثلاث نجد أن انكشاف البنوك على قطاع العقار يمثل حوالي نصف محفظة القروض. ومع ذلك يظل حجم المخاطر بالنسبة إلى القروض المقسطة مختلفاً تماماً عن القروض المباشرة لقطاع العقار والإنشاءات، ورغم عدم تنوع الائتمان المصرفي على نحو واضح، فإن معدل القروض غير المنتظمة في قطاعي القروض الشخصية والعقار والإنشاءات بلغ مستويات منخفضة (%2 و%3.2 على التوالي) في عام 2016، أي ان مخاطر عدم استرداد القروض كانت محدودة. ورغم تراجع المبيعات العقارية بشكل ملحوظ، فإن التراجع في أسعار العقارات كان متواضعاً نسبياً، وهو ما يشير إلى وجود طلب حقيقي رغم عنصر المضاربة الذي يرتبط إلى حد ما بأسعار النفط وتظهر البيانات حول حصص مختلف القطاعات في القروض غير المنتظمة ان الانخفاض في القروض غير المنتظمة قد كان على نطاق واسع إلى حد ما، رغم بعض الاستثناءات الملحوظة، فقد سجلت القطاعات الرئيسية انخفاضاً في القروض غير المنتظمة خلال عام 2016 باستثناء قطاع العقار والانشاءات الذي شهد ارتفاعاً في القروض غير المنتظمة بعد ثلاث سنوات متتالية من التراجع، أما من حيث الحجم، فقد كانت الزيادة في القروض غير المنتظمة لقطاع العقار والانشاءات هي الأعلى منذ عام 2012. وفي السياق ذاته، كان لقطاع العقار والانشاءات تأثير ملموس على المستوى العام لنسبة عدم الانتظام التي شهدت تراجعاً، حيث سجل معدل القروض غير المنتظمة في القطاع زيادة ملحوظة من %2.4 في عام 2015 إلى %3.2 في عام 2016، كما كان للهدوء الذي ساد سوق العقار خلال العامين المنصرمين أثر في التوقعات بشأن بعض التراجع في جودة الأصول. كما يعود جزء من الزيادة في صافي معدل القروض غير المنتظمة إلى انخفاض مبلغ الائتمان المطلق الممنوح لهذا القطاع، وهي المرة الأولى في السنوات الثماني الأخيرة التي يتراجع فيها الائتمان الممنوح لقطاع العقار والانشاءات (بنحو %1.7 في عام 2016). ويبدو ان البنوك عمدت إلى تخفيض انكشافها في ضوء التراجع الذي شهده سوق العقار، ومن جانب آخر، فان التطبيق الاستباقي لعمليات سياسات التحوط الكلي الصادرة عن بنك الكويت المركزي في نوفمبر 2013 كان لها عظيم الأثر في حماية النظام المصرفي من الانكشاف المفرط للعقار، وذلك عن طريق وضع حد أقصى للتمويل الذي يمكن منحه كنسبة من قيمة العقار بحسب الغرض من التمويل. وبسبب زيادة حصة المحافظ الائتمانية من إجمالي قاعدة الأصول، يبدو ان البنوك أكثر تعرضاً لتراجع جودة محفظة القروض/التمويل، خصوصاً في قطاعات محددة مثل قطاع العقار، ورغم ذلك، تكشف مقارنة نتائج اختبارات الضغط على مر السنين ان البنوك قد عززت من قدرتها على مواجهة الصدمات حتى في تلك القطاعات، وذلك بضخ رؤوس أموال إضافية وبناء المزيد من المخصصات. وبعد التراجع الواضح في سوق العقار سواء من حيث عدد الصفقات أو قيمة المبيعات، لم يكن القطاع المصرفي بمنأى عن المخاطر في حال هبوط أسعار العقار (وهو ما لا يتوقع حدوثه)، وذلك لما للبنوك من انكشاف كبير على سوق العقار وارتباطه بحجم القروض، سواء بصورة مباشرة من خلال تمويل قطاع العقار والانشاءات أو بصورة غير مباشرة من خلال القروض المقسطة، وبدا واضحاً ان هذا الانكشاف في تزايد منذ عام 2012، حيث وصل إلى 21.1 مليار دينار كويتي في عام 2016. وفضلاً عن الانكشافات المباشرة أو غير المباشرة من خلال التسهيلات الائتمانية، تشكل العقارات معظم محفظة الضمانات لدى البنوك، وقد زاد استخدام العقارات كضمانات مع مرور الوقت لتشكل %66.6 من إجمالي الضمانات لدى البنوك في عام 2016، وأخيراً لدى البنوك انكشافات بالنسبة لاستثماراتها العقارية، وعلى وجه الخصوص البنوك الإسلامية، ويدل ذلك اجمالاً على الانكشاف ثلاثي الأبعاد للبنوك على سوق العقار، من خلال القروض والاستثمارات والضمانات. ان انخفاض أسعار العقار لا يزال حتى الآن طفيفاً رغم التراجع الواضح في عدد الصفقات وقيم المبيعات، بيد ان أي تراجع آخر في الأوضاع الاقتصادية سيؤثر حتماً على ثقة المستثمرين، وقد يكون له تداعيات وخيمة على سوق العقار، وفي حال حدوث ذلك، وهو أمر غير محتمل، فسيكون الخطر المزدوج الناجم عن استرداد القروض وانخفاض قيمة الضمانات بمنزلة اختبار حقيقي لقدرة القطاع المصرفي على مواجهة هذه الصدمات.
مشاركة :