هل لبنان في وضع ميؤوس منه، او على الاصح هل على لبنان التوقف عن المقاومة والاستسلام للوصاية الايرانية، مثلما استسلم العام 1992 للوصاية السورية بعد انتخابات نيابية قاطعها المسيحيون في معظمهم؟ بعد تلك الانتخابات، اعتبر قسم من المسيحيين ان لا مجال لمقاومة الوصاية السورية فاستسلم هذا القسم لها. قلّة رفضت الاستسلام، بقيادة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير. بقيت تقاوم وصولا الى قيام «لقاء قرنة شهوان» في 2001 تمهيدا لمتابعة حرب الاستقلال التي يبدو انّ لبنان في حاجة ماسة اليها هذه الايّام، اكثر من أيّ وقت. بعض البراغماتية يبدو اكثر من ضرورة في هذه المرحلة التي يحاول فيها «حزب الله» استخدام الفجور من اجل فرض الوصاية الايرانية على لبنان بصفة كونه لواء في «الحرس الثوري». ليس بالفجور وتمثيلية مثل حرب جرود عرسال يمكن فرض الوصاية الايرانية في وقت تبدو ايران نفسها في حاجة الى من ينقذها من نظام بائس لا افق سياسيا له. قبل كلّ شيء، لم يستسلم لبنان بعد. على العكس من ذلك، انّه يرفض فرض امر واقع عليه عن طريق التهويل. تكمن مشكلة «حزب الله» في انّه يسعى الى تغطية خسائر ايران وخسائره السورية عن طريق الاستقواء على لبنان. هذه احابيل لا تنطبق الّا على البسطاء، بما في ذلك بعض المسيحيين السذّج الذين هللوا لـ «انتصارات» الحزب على «التكفيريين» في جرود عرسال. في نهاية المطاف ما الذي يفرّق بين «جبهة النصرة» و«حزب الله». اتفق الفريقان على صفقة محدّدة تناسب كلّا منهما، فكانت حرب جرود عرسال التي حاول «حزب الله» من خلالها جني مكاسب على الصعيد الداخلي. ليس معروفا من انتصر في حرب جرود عرسال، التي انتهت بصفقة في وقت يحتاج «حزب الله» الى «انتصار» على «جبهة النصرة» كي يثبت انّه يخوض حربا على الارهاب وانّه يحمي المسيحيين في لبنان. من المبكر الإعلان عن استسلام لبنان للوصاية الايرانية رغم التخاذل الذي ظهر من خلال تغطية بعض الفضائيات اللبنانية، من بينها فضائيات محسوبة على المسيحيين، زايدت على قناة «المنار». معروف تماما من «دفع» تلك الفضائيات الى اتخاذ هذا الموقف المعيب الذي لا ينمّ عن جهل وسذاجة فحسب، بل عن رخص أيضا. ليست الفضائيات وحدها التي لم تستوعب لماذا كان يجب رفض كلّ المغريات والابتعاد عن توفير تغطية لتمثيلية تصبّ في غير مصلحة لبنان وسيادته على ارضه ولتورط «حزب الله» في الحرب على الشعب السوري. هناك ايضا سياسيون مسيحيون انغمسوا الى ما فوق رؤوسهم في تمجيد «حزب الله» غير آبهين بالبدهيات. في مقدّم هذه البدهيات انّه لا يمكن لاي لبناني التهليل لميليشيا مذهبية تابعة لدولة اجنبية اخذت على عاتقها القيام بدور الجيش. لا يمكن السماح بان يكون على ارض لبنان غير جيش واحد والّا الفّ سلام على لبنان وعلى السيادة اللبنانية. هذا كلّ ما في الامر بعيدا عن كلّ لفّ ودوران. لم تمض ايّام على تمثيلية جرود عرسال حتّى قرّر «حزب الله» ارسال وزيرين لبنانيين الى دمشق. كان موقف الرئيس سعد الحريري واضحا كلّ الوضوح. رفض ايّ تغطية حكومية ورسمية لزيارة الوزيرين قاطعا الطريق على أي استثمار سياسي لمعركة وهمية خاضها «حزب الله» في الداخل اللبناني وداخل الأراضي السورية. ما الخيار امام الحكومة اللبنانية؟ هل تستسلم؟ الخيار واضح كلّ الوضوح. يتمثّل في رفض الرضوخ لفجور «حزب الله» الذي حاول في الماضي استثمار حرب صيف 2006 من اجل تحقيق انتصار على لبنان واللبنانيين، استكمالا لعملية تدمير البنية التحتية للبلد التي قامت بها إسرائيل، عن سابق تصوّر وتصميم، في اثناء تلك الحرب. ليس صحيحاً ان لبنان دخل مرحلة جديدة بعد تمثيلية جرود عرسال. هناك من يريد ان يوحي بذلك لا اكثر. لم يتغيّر شيء يذكر في لبنان. عفوا، ربّما تغيّر شيء. انكشف سخف قسم لا بأس به من المسيحيين الذين يعتقدون ان في استطاعتهم الحصول على حماية من «حزب الله» بدل ان يكون هدفهم الوحيد الانتقال الى مرحلة بناء مؤسسات الدولة مع ما يعنيه ذلك من رفض لاي سلاح غير سلاح الجيش. حقّق «حزب الله»، من دون ادنى شكّ نجاحاً في اقناع قسم من اللبنانيين بانّه خاض حربا على الارهاب في جرود عرسال. انتقل من نجاحه في جرود عرسال الى محاولة حمل السلطات اللبنانية على التعاطي المباشر والطبيعي مع النظام السوري. يرفض «حزب الله» الاعتراف بان مثل هذا التعاطي لا يقدّم ولا يؤخر. النظام السوري صار في مزبلة التاريخ منذ سنوات عدّة. كلّ ما في الامر ان ايران، التي استبعدت من الاتفاق الذي استهدف إيجاد نوع من التهدئة في الجنوب السوري، تحاول الحصول على جائزة ترضية في مناطق معيّنة ان في سورية او في لبنان. هذا الواقع يفرض على الحكومة اللبنانية التعاطي معه بجدّية وابلاغ ايران في الوقت ذاته ان لبنان ليس بدلا عن ضائع لما خسرته في سورية. لا يمكن الانتصار على لبنان بالفجور والتهويل. لا يزال بعض الحكومة اللبنانية يقاوم. لا يزال اللبنانيون يقاومون رغم وجود جوّ عربي وخليجي يدعو الى نفض اليد من لبنان والاستسلام لواقع انّه ساقط عسكرياً وسياسياً. لا يزال من الباكر القول ان هذا الجوّ حقيقي وذلك رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجه الحكومة اللبنانية والبلد نفسه. هذه الصعوبات عائدة الى طبيعة تشكيل الحكومة والى حال الجمود السائدة على مستوى رئاسة الجمهورية. هل من يريد مساعدة لبنان والاقتناع بأنّ سقوطه تحت الوصاية الايرانية ليس قدرا وانّ هناك من يعمل فعلا على تفادي ذلك؟ لا شكّ ان الوضع اللبناني صعب ومعقّد، إضافة الى ان البلد قد يكون مقبلا على احداث في غاية الخطورة، خصوصا في حال فرض عقوبات أميركية على المصارف بحجة انها تتعاطى مع «حزب الله». لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به في الوقت ذاته ان تهويل «حزب الله» ليس اكثر من تمنيات لا تعكس حقيقة ما يدور على الأرض بمقدار ما تعكس محاولة لتعويم نظام سوري ليس قابلا لأيّ نوع من التعويم رغم كل المليارات التي امدته بها روسيا وايران ورغم كلّ الميليشيات المذهبية التي هبّت لنجدته... ورغم معركة وهمية اسمها معركة جرود عرسال!
مشاركة :