وسائل التواصل الاجتماعي.. غياب رهبة الإبداع

  • 8/14/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: نجاة الفارستعد وسائل التواصل الاجتماعي، أحد أكثر المنابر الحديثة التي يطل من خلالها المبدعون في كل المجالات وعلى اختلاف مستوياتهم، مقدمين إنتاجهم للجمهور الذي يستقبل هذه الرسائل ويتفاعل معها مباشرة، ولم يعد أحد قادراً على تجاهل هذه الوسائل أو الاستغناء عنها كونها أصبحت أحد أشكال المعرفة، والاطلاع على عالم اليوم بكل تفاصيله وحيثياته. فكيف إذا أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على عالم الإبداع؟ وما هي مفاصل هذا التأثير سلباً وإيجابا؟ وكيف للمبدع أن يقوم بنشاطه في هذه الوسائل ضمن ممارسات صحيحة تضمن أفضل نتائج؟، أسئلة طرحتها «الخليج» على مجموعة من المبدعين في عالم الرواية والشعر والنقد. الروائية سارة الجروان الكعبي قالت: «لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بنشر النتاج الأدبي من جهة نقل بعض المعلومات حول أخبار الإصدارات الجديدة و ما شابه ذلك، وفي الوقت ذاته أثرت بالسلب من خلال ترويج بعض النتاجات التجريبية التي لا تمت للأدب بصلة البتة ونقلت لنا صورة لكاتب مهمش لا يمت للأديب بصلة قرابة، بيد أنه صنع من نفسه «سوبر كاتب» هلل له بعض القرّاء الذين يتابعونه في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لا لعبقريته فحسب ولكن «حشر مع الناس عيد» كما يقول المثل الخليجي، و لأن لديه عدداً كبيراً من المتابعين، و السبب المهم لمتابعته هو أن القرّاء تابعوه لأجل أن يحظى أحدهم بلقب «المثقف»، و لكي لا نجاوز الإنصاف فهذه الحالة لا تشمل الجميع، و لكنها انتشرت كظاهرة سلبية بما فيه الكفاية. وأضافت هناك تفاعل بين القراء والكتاب منه الإيجابي الذي ينطوي على ذائقة أدبية بحتة، ومنه السطحي ويتمثل لدى الشريحة الأكبر للأسف، مثل تفاعل القرّاء مع صفحات وحسابات لمدعي ومنتسبي الأدب، والذين ينشرون اليوميات والخواطر والشعر الركيك ويشتهرون بسرعة النار في الهشيم و قد تخيروا لأنفسهم ألقاباً مجانية مثال شاعر وأديب وإعلامي وغيره، وكثيراً ما نرى هذا الكاتب المؤقت ولا ريب يتبجح بأنه تخطى المليون متابع، وأنه لمس سقف سماء الأدب بيديه الاثنتين.الدكتور الفارس علي، أستاذ مساعد في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة زايد، أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي صارت متنفساً واسعاً، ونافذة متاحة في أي وقت للكثيرين من أصحاب القلم؛ لبث خواطرهم، وانفعالاتهم، وتجاربهم الإبداعية، سواء أكانت شعراً أو قصصاً قصيرة، أو رواية، ولم يعد الكاتب هنا بحاجة إلى جريدة يومية، أو يخضع لرئيس تحرير متعنت يجيز له نشر ما يريد أو لا يجيز. لقد صار هناك براح للكاتب وساحة خلقها لنفسه، ليقول ما يشاء، وقت ما يشاء، بل ويتلقى تعليقات متابعيه (أو ما يسمى بالتغذية الراجعة ) إطراء أو ذما في التو واللحظة، لم يعد للقلم رهبة أو هيبة كما كان الأمر من قبل، وصارت عملية الكتابة عملا مباحا ومتاحا للجميع؛ فتجرأ الجميع (من يملك الموهبة، ومن عَدِمَها) على الكتابة، ثم تولت طبيعة عمل وسائل التواصل الاجتماعي عملية الفرز والفحص والتمحيص، إنني أعرف بصفة شخصية بعض هؤلاء، هناك مثلاً من كان يسجل يوميات عن رحلته العلمية إلى ألمانيا على مدار عامين كاملين وفي حلقات منفصلة على صفحته على (الفيس بوك)، وقد لقيت كتاباته تشجيعاً وترحاباً وحفاوة كبيرة من أصدقائه وأساتذته وأقرانه، وكافة متابعيه، الأمر الذي شجعه في النهاية على نشر عمله في كتاب، وقد تولت صفحته عملية الترويج لهذا لعمل، كذلك أعرف من يواظب على كتابة خواطر أدبية تعليقاً على بيت شعر هنا أو قصيدة هناك أو عمل روائي، خواطر جمعت بين رونق الصياغة، وجدة الفكرة، وعمق التناول، ثم جمعها صاحبها في كتاب لاقى رواجا في أوساط المعنيين بهذا النوع من الكتابة، وهناك من كانت تنشر قصائد غاية في الأدب الراقي، وضمت أعمالها فيما بعد في ديوان نشر لاحقاً، والأمر نفسه فيما يخص التويتر، فأعرف كثيراً من الأعمال المنشورة في الآونة الأخيرة خاصة في منطقة الخليج كانت في الأصل محض تغريدات على التويتر، ثم جمعت ونشرت، لقد أحدثت هذه الوسائل بدون شك طفرة كماً ونوعاً في الإنتاج الأدبي لهذا الجيل، وأدخلت من كان يحجم من قبل عن البوح بما يختلج في نفسه في خضم تجربة الكتابة، وعنفوانها.من جانب آخر هناك مشكلتان يمكن تلمسهما في هذه الوسائل: هو تجرؤ كل من هب ودب على الكتابة، لكن كما قلت مثل هذه النوعية تتولى عملية الانتخاب الطبيعي حجبها، «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، والثانية هي شيوع ظاهرة السرقات الأدبية، وانتحال الكاتب ما ليس له.لقد ساهمت وسائل التواصل في زيادة التفاعل بين القراء والكتاب، فصار لكثير من الكتاب المحترفين حسابات على صفحات التواصل الاجتماعي، وصار لهم من يتابعهم وهم يعدون بعشرات الآلاف، وصار الكاتب، كما ذكرت آنفا، يتلقى التعليقات على أعماله من قرائه ومتابعيه أولا بأول، صحيح أن أغلبها مجاملة، لكننا لن نعدم - مع ذلك - فيها تساؤلات جادة، ومناقشات موضوعية، وتعليقات ناقدة، وأحيانا متجاوزة، فباتت الصفحات كأنها منتديات حقيقية، وقد تثري بعض التعليقات المنشور الأصلي عبر رؤى يضعها صاحبه في الحسبان.روح العصرالروائية نادية النجار تقول: «بما أننا نعيش في عصر انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع أصبح لزاما على الكاتب أن يجاري العصر، فهو زمن أصبح فيه الناس يضحكون، يبكون ويخجلون أمام الشاشات، أصبحت الكلمات تنتقل في ثوانٍ بكبسة زر، والرسائل تعبر بين القارات والمحيطات».وأضافت: أستطيع القول إن وسائل التواصل الاجتماعي رائعة إن استخدمت بشكل حكيم، وتخدم الأديب في أن يوصل قلمه وكلماته للقراء، هنالك كُتاب جيدون كانت بداياتهم في ساحة التويتر والفيس بوك، ولم لا؟ كلماتهم لاقت إعجاباً واستحساناً مما شجعهم على طبعها ونشرها، إن ذلك من الجوانب المضيئة لوسائل التواصل الاجتماعي».وأضافت، في روايتي الأولى «منفى الذاكرة» تطرقت إلى التغريدات التي كانت تكتبها الشخصية الرئيسة، أما روايتي الثانية «مدائن اللهفة» فتحدثت عن أثر التواصل الاجتماعي في حياة البطلة بعد انفصالها عن زوجها، على الكاتب أن يجاري متطلبات العصر، فلو أن شاعراً أو أديباً كالمتنبي أو أحمد شوقي عاش في عصرنا الحديث، لكنا حتما تابعناه في وسائل التواصل الاجتماعي.أما الناقد د. أحمد عبد المنعم عقيلي، يقول: «يجد المتتبع لوسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها وإرهاصاتها أنها تتبوأ مكاناً مهماً وتلعب أدوارا كبيرة في الثقافة الإنسانية وفي سلوكيات الأفراد، فقد أعادت تشكيل آليات التواصل بين الأفراد، وغيرت وسائلها وطرائقها إلى حدّ كبير، إذ أتاحت مساحات كبيرة، وواسعة للتعبير والحوار المتبادل، وقد تمثّل ذلك وتبلور من خلال أنماط متنوعة من التواصل الجماهيري، أنماط غيّرت في خريطة التواصل على الساحة الفكرية والأدبية، والإنسانية، فقد تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية ومؤسساتها وتأثيرها وانتشارها، ليتصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي، والوسائط الرقمية، مما لعب دوراً واضحاً وبارزاً في إعادة تشكيل الحركة الإعلامية، حيث فتحت هذه الوسائل الباب على مصراعيه، للحوار المتبادل وطرح الرأي، والرأي الآخر، في إطار واضح ومباشر، وهو ما يمكننا أن نسميه بالتواصل الروحي، فقد أصبح المجال مفتوحا لكل الناس على اختلاف أعراقهم ومستوياتهم الثقافية والفكرية والاقتصادية، ليسهموا في هذه الوسائل التواصلية، وذلك لفئة الشباب خصوصاً، وهم يمثلون الأغلبية والقوة الصاعدة في المجتمع، والتي سيبنى عليها المستقبل».وقد أسهمت هذه الوسائل في خلق فضاء تواصلي اجتماعي افتراضي، يتيح للممارسات الثقافية والفكرية والأدبية أن تطفو على الساحة وأن تكون مادة للحوار والنقاش ولا سيما الشبابي، فكانت بحق بمثابة منابر ثقافية حرة، يطلق من خلالها الشباب إبداعاتهم الأدبية والفكرية والثقافية، موشّاة بأثواب من الصورة الفنية والتخييل.لا بد لنا من التأكيد على أهمية وسائل التواصل ودورها الحضاري الذي يواكب عجلة التطور على الصعيد العربي والعالمي من جهة، ويمدّنا بالمعلومات الثقافية والفكرية والعلمية والإنسانية والاجتماعية من جهة أخرى، إضافة إلى الإشارة إلى أن لهذه الوسائل دوراً مهماً في خلق جو إنساني روحي يذكي الاتجاه العاطفي والرومانسي في الحركة الثقافية والأدبية، ولعل الشعر واحد منها، فما الروابط الشعرية الإلكترونية التي تضم عدداً كبيراً من الشعراء على الصعيد المحلي والعربي وحتى العالمي، إلا أثر مهم من آثار وسائل التواصل الاجتماعي، التي غدت منبراً للشعراء يبدعون من خلالها نتاجاتهم الشعرية الرومانسية والإنسانية والاجتماعية، بأساليب مختلفة، تختلف باختلاف الأساليب والمدارس الشعرية التي تتراوح بين شعرٍ فصيح، وشعر تفعيلة، أو قصيدة نثر، وبين شعر تقليدي مباشر، وآخر أساسه التخييل والصورة الفنية، لتكون هذه الوسائل التواصلية في النهاية نوافذ على العالم تتمازج فيها العقول والأفئدة جاعلة من العالم قرية صغيرة.ذائقة على المحكمن جهتها أكدت الشاعرة همسة يونس أن لكل شيء في هذا الكون إيجابيات وسلبيات، وهكذا هي وسائل التواصل الاجتماعي فيما يخص أثرها على مستوى الإبداع الأدبي، فهي كثيراً ما تكون أداةً فعالة في الارتقاء بأسلوب الكاتب من خلال الاطلاع على تجارب الكتاب الآخرين فتسهم في رفد قاموسه اللغوي وخياله الأدبي وتحفزه على التجديد والتطوير في لغته ومضمون كتاباته. من جهة أخرى تلوح لنا سلبيات هذه الوسائل لتبدو كأشباح بشعة تشوه اللغة وتضع الذائقة الأدبية على المحك، إذ نجد الكثيرين من رواد وسائل التواصل الاجتماعي ممن لا يتقنون اللغة بأبسط تقنياتها ولا يملكون أي بادرة إبداعية، ينشرون هنا وهناك كوارث لغوية وأدبية تدمر الذائقة وتشجع على التهاون في حق اللغة بشكل مخيف، ومما يزيد الطين بلة هو وجود من يصفق لتلك الكوارث ولا يلقي لها بالاً، ليكونوا سبباً في تشجيع المزيد ممن لا تربطهم أي صلة بعالم الكتابة والأدب، كي يقتحموا هذا الفضاء بأقلامهم غير المؤهلة. لذلك أرى أن كل صاحب قلم مبدع يتحمل قدراً من مسؤولية الحفاظ على اللغة وهوية الإبداع الأدبي الحقيقي من خلال عدم الإسهام في تضليل الذائقة الأدبية، بل بتشجيع المواهب الحقيقية ودعمها وتوجيه الأقلام التي تجتهد ليكون لها صوت مسموع في عالم الأدب، وهكذا ربما نسهم في تضاؤل التأثير السلبي للمتطفلين على اللغة والأدب في وسائل التواصل الاجتماعي.

مشاركة :