قبل أربع سنوات، وقعت -ما يعتبرها بعض المصريين- «أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث»، خلال فض قوات من الجيش والشرطة اعتصامي ميداني «رابعة العدوية» و»نهضة مصر»، يوم 14 أغسطس 2013. ووفق منظمات حقوقية محلية ودولية، أفادت بمقتل أكثر من 1000 من المعتصمين، الذين كانوا يحتجون على إطاحة الجيش -حين كان الرئيس عبدالفتاح السيسي وزيراً للدفاع، في 3 يوليو 2013- بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً. الإطاحة بمرسي -بعد مرور عام واحد من ولايته الرئاسية- يعتبرها قطاع من المصريين انقلاباً عسكرياً، بينما يراها قطاع آخر ثورة شعبية انحاز إليها الجيش. قتل وسجن ومطاردة سناء عبدالجواد -زوجة القيادي في جماعة الإخوان محمد البلتاجي- قالت لوكالة «الأناضول» للأنباء: «يعز عليّ ترك بلادي، التي ضحّت من أجلها ابنتي أسماء، (قُتلت في فض اعتصام رابعة).. زوجي محمد لا يزال في سجون العسكر، وكذلك، ابني أنس». وأوضحت الأم المصرية سبب مغادرة بلدها، بالقول: «بعد أن اعتقلوا أنس صدر حكم قضائي بحقي، وتمت مطاردتي، ثم اعتقلوا ابني خالد (17 عاماً) مرتين، تعرض خلالهما لتعذيب جسدي ونفسي، وتم إخفاؤه قسرياً، قبل أن يعتقلوه مجدداً، لأنه ابن البلتاجي، وحتى حسام، هذا الطفل الوديع (13 عاماً) لم يتركوه.. طاردوه، وسألوا عنه في كل مكان، فاضطررت إلي مغادرة بلدي الحبيب». والبلتاجي طبيب مصري، وأحد رموز ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. وبعد الإطاحة بمرسي، اعتقلت السلطات البلتاجي -القيادي في الإخوان- عام 2013، وصدرت بحقه قرابة ستة أحكام، بينها إعدام ومؤبد (السجن 25 عاماً). تقييد حرية الرأي أما أيمن نور -وهو نائب برلماني سابق- قال: «غادرت مصر بسبب رفضي الانقلاب العسكري، وما أفرزه من تقييد لحرية الرأي». وعما حدث خلال فض الاعتصامين، أضاف نور، في تصريحات لـ «الأناضول»: «أرفض الصمت إزاء ما ارتكبته (قوات الجيش والشرطة) من جرائم بحق الإنسانية». ويتابع بقوله: «لأول مرة أغادر مصر مكرهاً، حتى أكون قادراً على ممارسة حقي في التعبير عن آرائي ومواقفي، والذي حرمني منه الانقلاب». وبعبارات تعكس تفاؤلاً، يختم نور بقوله: «أثق في أن كابوس الانقلاب لن يستمر، خاصة في بلد مر بكثير من أحداث إراقة الدماء والاضطهاد، حتى حصل على حريته في ثورة يناير 2011». صحافيون أبرياء الصحافي المصري في قناة «الجزيرة» القطرية باهر محمد، قضى 438 يوماً في السجون المصرية. وقال محمد لـ «الأناضول»: «جرمي الوحيد هو أنني أديت عملي بنزاهة وأخلاق.. لم أرتكب أي عمل غير مشروع.. حكم عليّ بالسجن 10 سنوات، دون أي أدلة إثبات، وبعد الاستئناف، حكم علىّ بالسجن 3 سنوات». وأدين محمد باتهامات نفى صحتها، منها: المساعدة على ارتكاب متهمين لجرائم، عبر إمدادهم بمواد إعلامية ونشرها، وتكدير السلم العام. وعن تجربته في السجن، قال: «وجدت عدداً كبيراً من الصحافيين الأبرياء، وهو ما يؤكد خشية الأنظمة الاستبدادية من الصحافة الحرة». ومن هذه التجربة، خرج محمد بوعد يوضحه بقوله: «نذرت نفسي للكفاح من أجل حرية الصحافة، خاصة في بلدي الحبيب مصر». ويتابع: «اضطررت إلى ترك عائلتي وبلدي، حتى أتمكن من الوفاء بهذا الوعد، والبحث عن لقمة العيش.. كنت متأكداً أن الشرطة لن تسمح لي بمتابعة عملي كصحافي، فهم من يوافقون على تصاريح العمل بالصحافة». وأضاف محمد: «أثناء مغادرتي مصر، أوقفني أحد ضباط الشرطة في (إدارة) مراقبة الجوازات، أخبرني بمنعي من السفر، وبعد ساعات، قال: بإمكانك السفر الآن، لكن، إن عدت سنضعك في السجن إلى الأبد». وبحنين يتابع: «أفتقد والدتي، ووالدي، وإخوتي، أفتقد بيتي وشوارع القاهرة المزدحمة.. أفتقد أطباق الفول المدمس.. سأعود يوماً ما مع جميع المشردين والهاربين، فبلدي مصر ليست مملوكة لأحد». صانع الأنشودة «كنت معروفاً باسم صانع الأنشودة، لمشاركتي في إلقاء هتافات في اعتصام ميدان رابعة، وبعد الفض العنيف للاعتصام، شاركت في تجمعات أخرى»، بهذه العبارات، بدأ خالد المصري (24 عاماً) حديثه لـ «الأناضول». وتابع المصري: «غادرت بلدي هرباً من عقوبة السجن المؤبد (25 عاماً)، بسبب مشاركتي في فعاليات ثورة 25 يناير، كانت كل آمالي هي أن أقدم شيئاً لبلدي». ويستطرد قائلاً: «عندما التحقت بالجامعة، كنت أقود احتجاجات طلابية، واتهمت بالتحريض على العنف، ورُفعت دعوى قضائية ضدي، وأوقفوا دراستي، إلى أن صدر حكم غيابي بسجني 25 عاماً قبل أن أكمل الـ (21) من عمري، رفضت في البداية فكرة مغادرة مصر، لكني اضطررت فيما بعد إلى الهرب». وتتوالى القصص المأساوية والإنسانية التي وقعت خلال فض اعتصام رابعة وبعده، وتبقى دماء من سقطوا في هذا الاعتصام لم تجف، فهي لا تزال تلوث ثوب الانقلاب، وجرائم فض الاعتصام لن تنسى، وستلاحق الجناة أينما كانوا.;
مشاركة :