صفقة نيمار أكثر الانتقالات الرياضية تسييسا في عالم كرة القدم بقلم: محمود القصاص

  • 8/14/2017
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

صفقة نيمار أكثر الانتقالات الرياضية تسييسا في عالم كرة القدمتحاول قطر تجاوز مأزقها الإقليمي والدولي من بوابة القطاع الرياضي، حيث تعمد إلى تخطي تهم الإرهاب وما تعيشه من مقاطعة من البيت الخليجي بالتوجه نحو عقد صفقات رياضية بأموال طائلة لاقتناص نجوم الملاعب الرياضية وتوظيف الاستثمارات في مجال الرياضة للتمويه باستمرارية مشاريعها الخارجية وتحدّيها للعزلة المحيطة بها. لكن وعي العالم اليوم بحجم الدور التخريبي لقطر ومدى رعايتها للحركات المتطرفة وما ألحقه دورها في المنطقة من فوضى ودمار يجعل كل خططها البراغماتية تبوء بالفشل.العرب محمود القصاص [نُشر في 2017/08/14، العدد: 10722، ص(7)]صفقة لكسر الكساد لندن - بشكل متلاحق وسريع تتحطم الأرقام القياسية في صفقات انتقال لاعبي كرة القدم وتتبدل معها الألقاب حول أغلى اللاعبين في العالم، وتتغير معها التوقعات حول الإيرادات والأرباح في عالم الساحرة المستديرة. وكان آخرها صفقة انتقال النجم البرازيلي نيمار من نادي برشلونة الإسباني إلى نادي باريس سان جيرمان الفرنسي بقيمة إجمالية بلغت 500 مليون يورو، من بينها 222 مليون يورو حصل عليها برشلونة مقابل فسخ عقد نيمار، علاوة على مقابل التعاقد مع نيمار نفسه بدخل يبلغ 45 مليون يورو سنويا لمدة خمس سنوات. وبهذه الصفقة أصبح نيمار أغلى لاعب كرة قدم في العالم، وكان هذا اللقب منذ عام واحد فقط من نصيب الفرنسي بول بوجبا الذي انتقل من نادي يوفنتوس الإيطالي إلى مانشستر يونايتد الإنكليزي بقيمة إجمالية بلغت 105 مليون يورو في عام 2016، وهي الصفقة التي أثارت الكثير من الجدل، واعتبر البعض أن بوجبا لا يستحق كل هذه الأموال. وبالإضافة إلى الأموال الطائلة التي تدفعها أندية كرة القدم العملاقة لاقتناص أبرز المواهب تنفق هذه الأندية الكثير للاحتفاظ بمن لديها من نجوم. وعلى سبيل المثال فإن نادي ريال مدريد يدفع لنجمه الأشهر البرتغالي كريستيانو رونالدو نحو 17 مليون يورو سنويا. أما الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي يتقاسم مع رونالدو منذ سنوات لقب أفضل لاعب في العالم فكان يحصل على نحو 20 مليون يورو من نادي برشلونة سنويا منذ عام 2014، وتتحدث تقارير عن قيام النادي بتوقيع عقد جديد معه يضمن استمراره مع النادي حتى عام 2022 براتب قد يصل إلى 30 مليون يورو سنويا. وما يلفت الانتباه حقا عند المقارنة بين هذه الصفقات أن نيمار أقل قيمة رياضية في عالم كرة القدم من رونالدو وميسي، ولم يسبق لنيمار الحصول على لقب أفضل لاعب في العالم، بخلاف رونالدو وميسي، ولم يسبق الحديث عن مقابل مادي هائل لانتقاله من برشلونة إلى أيّ ناد آخر شهير، كما حدث مع الفرنسي بول بوجبا. وفوق كل هذا ينتقل نيمار من أحد أعظم أندية كرة القدم في العالم، وهو نادي برشلونة، إلى ناد أقل كثيرا جماهيريا ورياضيا، وهو نادي باريس سان جيرمان، الأمر الذي يدعو للتساؤل عن أسباب هذه الصفقة، وعن المكاسب التي يمكن أن تحققها. توظيف قطر لصفقة نيمار لا يجب إغفال الأهداف السياسية للقرار الذي اتخذته مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية التي تمتلك نادي باريس سان جيرمان بشراء نيمار بهذا المبلغ الضخم، وهو القرار الذي وصفه المحرر الرياضي لصحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية بول هيوارد بأنه “أكثر الانتقالات تسييسا في كرة القدم”. فقد جاء هذا القرار في وقت تواجه فيه قطر أزمة كبيرة نتيجة مقاطعة أربع دول عربية لها، وهي السعودية والإمارات ومصر والبحرين.يبقى السؤال حول موقف الحكومات من إنفاق مبالغ هائلة على سوق كرة القدم، حتى لو كان مصدر الإنفاق هو مؤسسات تحقق أرباحا ومن ثم تسعى قطر من خلال هذه الصفقة لتوجيه رسالة بإيهام العالم أن المقاطعة لم تؤثر على قدراتها الاستثمارية أو على مشاريعها الخارجية، وأنها قادرة على المضي قدما في استثماراتها في المجال الرياضي دون أن تتراجع. هذا علاوة على سعي مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية لتلميع صورة قطر وربطها في أذهان الجماهير التي تعشق كرة القدم سواء كانت الجماهير العربية أو الأوروبية بالنجاح في اقتناص نجوم اللعبة والنجاح في تحقيق الألقاب المحلية أو الدولية، كما حقق باريس سان جيرمان بطولة الدوري الفرنسي بعد أن اشترته قطر بدلا عما كشفته الأحداث السياسية والمتغيرات الدولية عن قتامة صورة قطر بسبب ارتباطها بالجماعات الإسلامية المتطرفة على اختلاف اتجاهاتها، مثل جبهة النصرة والإخوان المسلمين، والداعمة لها ولمشروعاتها. وبالإضافة إلى كل هذه الأهداف السياسية التي تبحث الدوحة عن تحقيقها، فهناك أهداف أخرى في المدى الطويل تسعى إليها قطر وذلك بالتوجه نحو استثمار المليارات من الدولارات في صناعة كرة القدم ومجموعة أخرى من الرياضات، مثل تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022 وتنظيم بطولة العالم لألعاب القوى عام 2019 وتنظيم بطولات تنس دولية بمكافآت مالية ضخمة بشكل سنوي منذ عام 2014 واستضافة بطولة العالم للسباحة القصيرة عام 2014 علاوة على تنظيم بطولة السباحة للمسافات العادية عام 2023. كما تبحث عن تنظيم مسابقات كبيرة في سباقات الخيول والجولف وغيرهما، والسعي لاستضافة الألعاب الأولمبية عدة مرات وهو ما لم تنجح فيه قطر حتى الآن رغم محاولاتها المستمرة. كل هذه الجهود الهائلة في جذب البطولات الكبرى والاستثمارات الضخمة، التي تضخها مؤسسة قطر للاستثمار الرياضي في عدد كبير من الرياضات وسعي قناة “بي أن سبورت” للاستحواذ على حقوق بث مجموعة من البطولات الأوروبية التي تتمتع بشعبية واسعة، تتمّ في إطار أهداف استراتيجية ترمي إلى ضمان وصول قطر لقطاعات واسعة من الجماهير العربية وتحقيق الشعبية في أوساط هذه الجماهير لارتباطها بالأندية والنجوم الذين يعملون مع مؤسسات قطرية، وكل هذا يعني بحث قطر عن تأسيسها لقوة تأثير في الشارع العربي من خلال قوة تأثيرها في مجال الرياضة. وبالإضافة إلى كلّ هذه الأهداف السياسية هناك مكاسب اقتصادية تحققها الاستثمارات في عالم كرة القدم، وينبغي فهمها لبيان الطريقة التي تعمل بها هذه الصناعة في الوقت الحالي. تجاوزت أغلب أندية كرة القدم في أوروبا المرحلة التي كانت فيها مجرد أندية رياضية أو اجتماعية تعبّر عن المنتمين لبلد معين أو مهنة معينة، وتحولت هذه الأندية إلى شركات ومؤسسات هادفة للربح تعلن في نهاية السنة المالية عن نتائج أعمالها وتقدم حساب الأرباح والخسائر عن إجمالي نشاطها لمن يمتلكون أسهمها، وتتحدّد قيمتها السوقية بناء على ما تحققه من إيرادات وأرباح وما تمتلكه من أصول.استثمار بطعم السياسة ومن ثم، أصبحت كرة القدم صناعة مثل أي صناعة أخرى، يقوم من يعمل في إطارها، وهي أساسا أندية كرة القدم، بالاستثمار فيما لديها من أصول، سواء الأصول المادية، مثل الملاعب وصالات التدريب وغيرها، أو الأصول البشرية مثل اللاعبين والمدربين، وذلك بهدف تحقيق أعلى إيرادات ممكنة، وبالتالي زيادة الأرباح، وهي الفارق بين إجمالي الإيرادات وإجمالي النفقات. وعلى سبيل المثال يتصدر نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي كافة أندية كرة القدم من حيث القيمة السوقية، إذ تبلغ قيمته 3.69 مليار دولار، يليه ريال مدريد الإسباني بقيمة سوقية تبلغ 3.63 مليار دولار ثم نادي برشلونة الإسباني بقيمة 3.58 مليار دولار ويأتي نادي بايرن ميونيخ الألماني في المرتبة السوقية الرابعة بقيمة 2.71 مليار دولار، وذلك حسب قائمة نشرتها مجلة “فوربس”الأميركية الشهيرة. ويبلغ متوسط القيمة السوقية لأكبر 20 ناديا لكرة القدم في العالم مبلغ 1.48 مليار دولار. أما بالنسبة إلى الإيرادات فقد حقق نادي مانشستر يونايتد إيرادات بلغت 765 مليون دولار في عام 2016-2015 يليه كل من برشلونة وريال مدريد بنحو 688 مليون دولار، ونادي بايرن ميونيخ بمبلغ 657 مليون دولار، وذلك حسب أرقام مجلة “فوربس”. وإذا نظرنا إلى أهمّ مصادر إيرادات هذه الأندية العملاقة فسنجد أنها ثلاثة مصادر أساسية: أولا: حقوق بث المباريات عبر شاشات التلفزيون أو عبر موجات الراديو أو عبر مواقع الإنترنت. ثانيا: إيرادات الدعاية والإعلان لمختلف العلامات التجارية والشركات الكبرى. ثالثا: مكاسب بيع المنتجات التي يقدمها نادي كرة القدم مباشرة للجماهير مثل حصيلة بيع تذاكر المباريات والقمصان التي تحمل اسم نجوم النادي والبرامج السياحية التي يشارك من خلالها النادي في استضافة زواره ومشجعيه من دول أخرى، وما إلى ذلك. وكل هذه الإيرادات ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالنجوم الذي يلعبون في صفوف النادي. وعلى سبيل المثال، يبيع نادي ريال مدريد الآلاف من القمصان سنويا التي تحمل صورة نجمه كريستيانو رونالدو، وهو ما سيقوم به أيضا فريق باريس سان جيرمان بعد ضم نيمار إلى صفوفه. ويحرص الآلاف من المشجعين على شراء التذاكر لكي يشاهدوا نجومهم المفضلين على أرض الملعب مثل ميسي ورونالدو ونيمار. وحقق نادي برشلونة 233 مليون دولار من إيرادات الدعاية والإعلان في عام 2016-2015 فيما حقق ريال مدريد في نفس العام مبلغ 216 مليون دولار، وذلك لأن في صفوف الفريقين مجموعة كبيرة من اللاعبين الموهوبين الذين تسعى الشركات الكبرى، خاصة التي تعمل في مجال الرياضة، إلى الاستفادة من شعبيتهم، ولهذا تتسابق على رعاية الأندية التي يلعبون لها بحيث ترتبط العلامات التجارية لمنتجات هذه الشركات في أذهان الجماهير بهؤلاء النجوم. وبالإضافة إلى هذه المكاسب المالية المباشرة من وجود نجوم لامعة في صفوف أندية كرة القدم العملاقة هناك مكاسب مالية غير مباشرة وهي مشاركة هؤلاء اللاعبين الموهوبين في الحصول على بطولات محلية ودولية تحقق بدورها إيرادات كبيرة للأندية، ومن أبرزها دوري أبطال أوروبا الذي أصبح البطولة الدولية الأولى في العالم من حيث حجم الإيرادات المالية. فقد حقق نادي يوفنتوس الايطالي 85 مليون دولار من مشاركته في دوري أبطال أوروبا في موسم 2016 بينما حقق ريال مدريد 89 مليون دولار في نفس الموسم. أما الجزء الأكبر من إيرادات أندية كرة القدم العملاقة فيأتي من حقوق بث المباريات. الاستثمار في نجوم كرة القدم لا يزال مربحا، حتى لو اعتبره البعض ضربا من الجنون، حيث يحقق أهدافا ومكاسب سياسية وتبلغ حقوق بث مباريات الدوري الإنكليزي في الفترة من 2017 إلى 2019 مبلغ 4.55 مليار دولار، بما في ذلك حقوق بث المباريات داخل بريطانيا وخارجها، بينما تبلغ حقوق بث الدوري الإسباني 1.26 مليار دولار، ويقل الرقم بالنسبة إلى الدوري الفرنسي ليبلغ 903 مليون دولار خلال الفترة من 2017 إلى 2020. ولعل ضعف الإيرادات نسبيا في أندية الدوري الفرنسي، مقارنة بالدوري الإنكليزي والإسباني والألماني، مع وجود فرص لزيادة هذه الإيرادات هو أحد المكاسب المالية المحتملة لضم نيمار إلى صفوف باريس سان جيرمان، إذ يطمح النادي إلى أن يؤدي وجود نيمار (الذي يبلغ 25 عاما من العمر) إلى زيادة الإيرادات المالية المباشرة من بيع قمصان الفريق وبيع تذاكر مبارياته، وتشجيع الشركات الكبرى على رعاية الفريق، علاوة على السعي للفوز بدوري أبطال أوروبا الذي يعني بدوره مكاسب هائلة، خاصة من حقوق بث المباريات. موقف الحكومات يمكن القول إن ما تنفقه أندية كرة القدم العملاقة على نيمار ورونالدو وميسي وبوجبا هو ببساطة استثمار مربح، إذ أن هذا الاستثمار يؤدي إلى زيادة الإيرادات المالية لهذه الأندية، هذا علاوة على المكاسب السياسية التي يمكن أن تحققها صفقات انتقال اللاعبين، كما هو الحال بالنسبة إلى صفقة نيمار. ولكن يبقى سؤال آخر حول موقف الحكومات من إنفاق مبالغ هائلة على سوق كرة القدم، حتى لو كان مصدر الإنفاق هو مؤسسات خاصة تحقق أرباحا، إذ أن هذه الأموال في النهاية هي أموال المجتمع كله، ما جعل البعض يطالب بتدخل الحكومات أو الاتحاد الأوروبي لوضع حدّ لهذا “الجنون” حسب وصف رئيس نادي بايرن ميونيخ الألماني أولي هونيس. وربما الأهم هو ما يعتبره البعض من أن قيمة صفقة واحدة في عالم كرة القدم تكفي لإطعام الملايين في أفريقيا وآسيا. وربما يكون كل هذا صحيحا، لكن الأمر الواضح من حسابات السوق الرياضي أن الاستثمار في نجوم كرة القدم لا يزال مربحا، حتى لو اعتبره البعض ضربا من الجنون، وأنه يحقق أهدافا سياسية عبر بوابة المؤسسات التي تستثمر في أندية كرة القدم. ونستطيع أن نلخص بذلك إلى أن كرة القدم ابتعدت كثيرا عن كونها مجرد رياضة ذات غاية ترفيهية وأصبحت ساحة لتحقيق أهداف مالية وسياسية، وهو وضع يرى كثيرون أنه لا يمكن أن يستمر بهذه الصورة البراغماتية التي تجسدها قطر من خلال توظيفها السياسي لقطاع الرياضة. كاتب مصري مقيم في لندن

مشاركة :