لا أعرف تحديدا متى قرأت أول مرة عن «خطر الفتنة الطائفية»، وهل كان كتابا، وهل كنت في الطائرة عائدا من معسكر في الثمانينات، وخوفا من مصادرة الكتاب بالمطار في ذاك الوقت قرأته على عجل بالطائرة. كذلك لا أعرف حجم الكتب والبحوث والمقالات التي شاهدتها بالمكتبات والصحف، وكان كل ما قرأته أو تصفحته بالمكتبة، يتحدث عن مجرمي الخارج الذين ينفخون الرماد لإشعال الطائفية، أو يحاولون إيقاظ وحش الطائفية النائم منذ زمن بعيد، وكانت التهم موجهة للخارج، منذ «الفرس المستهدفين تفكيك الدولة الأموية والعباسية، وبريطانيا العظمى إلى شرطي العالم أمريكا»، وهناك من أصل للطائفية بسذاجة، فأعادها إلى خلاف علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، مع أنه لم يكن على العقيدة أو «المذهب». لكني منذ زمن بعيد وأنا مؤمن بأن كل ما كتب عن «وحش الطائفية النائم» من كتب وبحوث ومقالات وخطب، ما هي إلا حيلة نمارسها لتبرئة الذات، ورمي التهمة على الخارج. زاد إيماني بهذا حين قرأت «لرئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية» الشيخ الدكتور «طه جابر العلواني» تأصيله لحديث «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، الذي عززته جميع الفرق الإسلامية، وأنه حينما نظر في سنده ومتنه، ودرس العشرين طريقا التي أوردها المحدثون، لم يصمد هذا الحديث للنقد، وأنه حديث موضوع. ويبقى السؤال الأهم متى يكف الباحثون عن هذه الحيلة أو سؤال «من أيقظ وحش الطائفية؟»، ليصبح السؤال: من يقتل وحش الطائفية؟ ويخيل لي وأكاد أجزم أن الأمر سهل جدا ولا يحتاج لكتب وبحوث بحجم «من أيقظ وحش الطائفية»، فكل ما يحتاجه المسلمون تعزيز فكرة «أن الإسلام دين يسر» في مدارسهم، وقانون يجرم كل من يهاجم المذاهب. إذ ذاك لن يستطيع الخارج مهما تغير هذا الخارج النفخ برماد الطائفية، أو إيقاظ وحش الطائفية، لأنه لا أحد يحيي الموتى إلا خالقهم.
مشاركة :