تمر فنزويلا بأسوأ أزمة سياسية منذ عقود تخللها نقص في المواد الغذائية واحتجاجات في الشوارع، لكن الوضع قد يتفاقم في ظل تعاظم أخطار عجز الدولة عن تسديد ديونها. وفي حال تحقق هذه الفرضية، لن تتمكن هذه الدولة النفطية التي تفتقر الى السيولة من الاقتراض من الأسواق المالية. وقد يصادر الدائنون أصول شركة النفطة الحكومية «بي دي في اس ايه»، من ناقلات ومصانع تكرير وحسابات مصرفية، ما سيفاقم الأمور على الصعيد الإنساني. لكن ما هي احتمالات تخلفها عن تسديد ديونها المقدرة بأكثر من 100 بليون دولار؟ لم تدخر حكومة الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو جهداً لتجنب هذه الفرضية، مفضلة تسديد مستحقاتها المالية على استيراد الأغذية والأدوية. لكن الإيرادات النفطية تتراجع، كما احتياط العملات الذي لا يتجاوز 10 بلايين دولار غالبيتها محفوظة على شكل سبائك ذهب في كراكاس. والاستحقاق المصيري سيكون في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) عندما سيتوجب على فنزويلا وشركة النفط الوطنية تسديد 3,8 بليون دولار. كتب خبير الشؤون الاقتصادية في أميركا اللاتينية في مجموعة «بانثيون ماكروإيكونوميكس» أندريس أباديا في مقال نشر أخيراً إن الامر يمثل «تحدياً فعلياً لكن الحكومة ستدفع ديونها على الأرجح». غير أنه لفت إلى النقص الحاد في السيولة، مضيفاً: «نتوقع أن يزداد الوضع سوءاً». وأضاف «تزداد أخطار أن يؤدي تدهور الوضع الاقتصادي في ظل الكساد وتضخم شبه جامح يتزامن مع تفاقم الأزمة السياسية إلى تغيير الحكومة». وباتت صدقية فنزويلا في ما يخص تسديد ديونها على المحك إثر انتخاب الجمعية التأسيسية الواسعة الصلاحيات. فعقود المديونية تمت بموجب القانون الأميركي وواشنطن لا تعترف بهذه الجمعية باعتبارها أداة «غير شرعية» في «ديكتاتورية» مادورو. وتعتبر الصين وروسيا من اكبر الدائنين لفنزويلا مع قروض تبلغ نحو 50 بليون دولار. وقد أقرضت الصين فنزويلا نحو 60 بليوناً بين 2007 و2014، على أن تسدد هذا المبلغ بموارد نفطية بسعر مئة دولار للبرميل في تلك الفترة. غير أن سعر النفط الخام تراجع منذ ذلك الحين إلى ما دون 50 دولاراً منذ 2015 وبات من الصعب على فنزويلا تأمين الإنتاج اللازم، لذا توقفت بكين عن الاقراض بصمت. وقد استعادت بكين جزءاً من الأموال التي أقرضتها لكن لا يزال على فنزويلا رد «جزء كبير» من القروض، وفقاً لفرنشيسكو مونالدي من «جامعة رايس» الاميركية في تكساس ومعهد الدراسات العليا لعلوم الإدرة في كراكاس. وكشف الأخير لوكالة «فرانس برس» أن فنزويلا «ترسل 400 مليون برميل من الخام سنوياً إلى الصين لتسديد ديونها، وهذا أقل مما يجب أن تدفعه لأن الصينيين منحوها فترة سماح بسبب انخفاض سعر النفط». أما روسيا، فهي تقرض المال لكراكاس منذ العام 2011 ومنحتها بداية 2,8 بليون دولار لتشتري أسلحة مضادة للطائرات وغيرها من الأسلحة قبل أن تقرضها 6 بلايين دولار من خلال شركة «روسنفت» النفطية على ما يبدو منذ العام 2014. وكما الحال مع الصين، على فنزويلا رد جزء من الديون بموارد نفطية. لكن الإنتاج الفنزويلي ما انفك يتراجع منذ سنتين وقد انخفض عدد المنصات النفطية قيد التشغيل من 75 إلى 49 بحسب «بانثيون ماكروإيكونوميكس». و40 في المئة من هذا الإنتاج يُصدَّر مباشرة إلى الولايات المتحدة أكبر مشتر للنفط من فنزويلا. وكضمانة في مقابل القرض الروسي، قدمت فنزويلا 49,9 في المئة من شبكة «سيتغو» التي تضم مصنع تكرير ومحطات وقود في الولايات المتحدة وهي تابعة لشركة النفط الوطنية. وبحسب مونالدي، تقدر قيمة الشركة بثمانية بلايين دولار، كما انها مديونة أيضاً. وفي حال تخلفت فنزويلا عن الدفع، قد تصادر «روسنفت» شركة «سيتغو»، غير أن هذه الفرضية تتعارض مع العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا. ولفت مسؤول أميركا اللاتينية في مصرف «ناتيكسيس» الاستثماري في نيويورك خوان كارلوس رودادو، إلى أن «الحكومة الأميركية لن تحبذ على الأرجح فكرة سيطرة «روسنفت» على مصفاة تكرير وشبكة محطات وقود في الولايات المتحدة». نسبة التضخم قد تتخطى 700 في المئة هذه السنة - كانت فنزويلا في ما مضى أغنى بلدان أميركا الجنوبية نظراً إلى ضخامة احتياطها النفطي. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، يوازي إجمالي الناتج المحلي في فنزويلا 333 بليون دولار. غير أن هذا المعدل محتسب وفقاً لسعر الصرف الرسمي. لكن، في حال اعتُمد سعر الصرف في السوق السوداء، فإن هذا الرقم ينخفض في شكل كبير إلى أكثر من النصف تقريباً، وفق محللين فنزويليين. أما الحكومة، فإنها لا تقدم أرقاماً رسمية. ويشهد الاقتصاد تراجعاً شديد الوقع منذ عام 2014. وقد انخفض إجمالي الناتج المحلي العام الماضي بنسبة 10 في المئة. ومن المرتقب أن ينخفض هذه السنة أيضاً بنسبة 7.4، وفق صندوق النقد الدولي الذي توقع تراجعاً بنسبة 4.1 في المئة العام المقبل. كما أن أكبر عقبة يواجهها الفنزويليون في معيشتهم هي الارتفاع الصاروخي في الأسعار مقرون بنقص في الأغذية والأدوية. ومن المتوقع أن تتخطى نسبة التضخم 700 في المئة هذه السنة، وتواصل ارتفاعها عام 2018. ومنذ 2003، تفرض السلطات رقابة مشددة على أسعار الصرف تُقيّد التداولات بالدولار وتعزز رواجه في السوق السوداء. وتحتاج فنزويلا إلى استدانة 25 إلى 35 بليون دولار في السنة، وفق تقديرات البنك الدولي. وتملك فنزويلا أكبر احتياط نفط مؤكد في العالم، وتعتمد كثيراً على هذه المادة الأولية التي تشكل 96 في المئة من صادراتها ونصف إيرادات الدولة. وتنتج شركة النفط الوطنية «بي دي في أس أي» 1.9 مليون برميل نفط يومياً.
مشاركة :