السبسي يقدم على ما أحجم عنه بورقيبة بقلم: أمين بن مسعود

  • 8/15/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

استحقاق التوافق الذي صنع الربيع التونسي لا بدّ أن ينسحب على كافة المشاريع الأخرى دون مغالبة سواء باسم الحداثة أو تحت عنوان الدفاع عن الدين.العرب أمين بن مسعود [نُشر في 2017/08/15، العدد: 10723، ص(9)] تجاوز الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي كافة التوقعات السياسية والانتظارات الشعبية من خطاب عيد المرأة، حيث لامس لأوّل مرّة قضية المساواة في الميراث بين المرأة والرجل من زاوية التناصف، وهي بادرة تكاد تكون الأولى من مسؤول سياسي عربي. لم يكن حديث السبسي عن التناصف في الميراث بين المرأة والرجل مساجلة فكرية أو مناظرة فقهية، ولا مخاتلة رمزية لوجدان مليون ناخبة، ذلك أن الأخير أعلن عن موقف الدولة التونسية من مسألة التناصف في الميراث، وجعلها هدفا لعمل اللجنة المكلفة بدراسة الحقوق الفردية والمساواة. الأمر الذي يشير إلى أن السبسي وضع خططا تنفيذية وتنظيمية لتحقيق ما يعتبره الفاعل السياسي التونسي هدفا استراتيجيا محوره إقرار حقوق المرأة في الميراث. كما تقاطعت هذه الدعوة مع مبادرة من السبسي لتغيير نظام الحكم في تونس من شبه برلماني شبه رئاسي إلى رئاسي صرف، ما يثبت مقاصدية الباجي لتركيز الصلاحيات والسياسات والاستراتيجيات والمبادرات في قرطاج، وبالتالي احتواء المشهد في جزء كبير منه في يده نظرا لمعرفته التامة بأن مجمل القوانين والمشاريع تتعطل في المجلس التشريعي أو على الأقل يضيع مضمونها وتفقد جوهرها بين أعضاء اللجان. لا يريد السبسي أن تلقى مبادرته للمساواة في الميراث ذات المصير الذي وجدته مشاريع المصالحة المالية والإدارية بعد أن فقدت هويّتها تحت ضربات الشارع تارة وتحفظات المجلس النيابي تارة أخرى. صحيح أن السبسي هو في المضمون السياسي والمدرسة الفكرية والمسلكية الدبلوماسية والمقاربة الاتصالية سليل الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وصحيح أيضا أن جزءا من الرأسمال الاعتباري والرمزي الذي يحظى به السبسي لدى شرائح واسعة من التونسيين والتونسيات يعود إلى المرجعية البورقيبة التي يتمثّلها كإطار عمل ومعيارية في التعاطي مع القضايا والمسائل. ولكن الأصح في هذا الصدد أن السبسي تجاوز بورقيبة في مستوى الدفع بـ“الإصلاحات” إلى أقصاها، فلئن قنن بورقيبة المباح شرعيا ونظم حقوق المرأة المتزوجة في مستوى الطلاق والنفقة وجرّم التعدد بين الزوجات، فإن السبسي ينخرط اليوم صلب المنصوص عليه من القرآن الكريم ويجول ضمن منظومة الأوامر الشرعية التي توقف عندها بورقيبة. أمران شرعيان توقفت عند تخومهما المنظومة الإصلاحية البورقيبة، الأول كامن في الصيام حيث عجزت كافة المبررات الشرعية التي قدمت لتقنين جواز الإفطار في رمضان. الثاني متمثل في الميراث، إذ تتحدث المدونة الفقهية التونسية عن مساجلات كبيرة بين علماء الزيتونة في الخمسينات من القرن الماضي وبين بورقيبة، وكلّها أفضت إلى استعصاء فقهي سياسي حال دون مواصلة بورقيبة لنهجه التغييري. وفي الحالتين، كان بورقيبة يتلمّس الغطاء الشرعي ويتوسع في الاجتهادات صلب النص الديني وليس من خارجه ويبحث عن المرجعية الدينية التي تسوّغ منطقه ومنطوقه وذلك لاقتناع دفين بأن الإصلاح يمر حتما عبر إرادة من الفعل السياسي وإفتاء قوي واجتهاد مؤصل من الفاعل الديني المعتبر، وإلا فإن كافة المشاريع ستسقط إما في الاجتهاد الديني الأجوف بسبب النأي السياسي وإما في الخطوات السياسية الارتجالية التي تبقى رهينة بقاء الزعيم السياسي في السلطة وتمحى بمجرد رحيله وإما بترحيله. سؤال التواؤم بين الثلاثية الإصلاحية لأي مشروع اجتماعي تغييري والكامنة في إرادة الفاعل السياسي وحركية المجتمع المدني والاجتهاد الديني من داخل المنظومة النصية التأسيسية يطرح بقوّة على مبادرة السبسي. ذلك أن غياب الأطراف الفقهية والعمامة الزيتونية عن لجنة الحقوق الفردية والمساواة التامة واقتصارها على عناصر حقوقيّة ومدنية وإعلامية وثقافية وجامعية، يجعل من عملها قاصرا وأثرها محدودا لا سيما وأنها ستعالج قضية شرعية وتشريعية في الصميم. نجاح المشاريع المجتمعية مرهون بـ“تبيئتها” ضمن الإرادة السياسية والفعل الجمعياتي والمقبول الشرعي والقيمة الإصلاحية المراد تحقيقها، ذلك أن راهنية الإصلاح في التقدم ضمن الوفاق الاجتماعي كما أن فشل الإصلاح عائد بالضرورة إلى خلقه لحروب هوياتية ومفارقات فكريّة ومعرفية. القضية شائكة، واستحقاق التوافق الذي صنع الربيع التونسي لا بدّ أن ينسحب على كافة المشاريع الأخرى دون مغالبة سواء باسم الحداثة أو تحت عنوان الدفاع عن الدين. كاتب ومحلل سياسي تونسيأمين بن مسعود

مشاركة :