في المسألة العراقية - محمد محفوظ

  • 7/22/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة نمطان من التفكير السياسي في المشهد العراقي, وهذان النمطان يتوزعان على كل القوى السياسية والاجتماعية الموجودة في العراق.. النمط الأول لا يتصور أن يحكم العراق إلا هو, وبالتالي أي طرف سياسي واجتماعي يحكم العراق, يتعامل معه بوصفه مغتصب لموقع الحكم. وهكذا تصور موجود لدى بعض أطراف السنة في العراق, كما هو موجود لدى بعض أطراف الشيعة, كما أن الأكراد يتعاملون مع فكرة العراق الموحد بما ينسجم والمصالح الكردية.. فجميع هذه الأطراف, لا يتصور العراق إلا على شاكلته ومنواله, وسيبذل كل الجهود حتى لو أدت هذه الجهود إلى تخريب العملية السياسية أو دق أسفين بين مكونات الشعب العراقي, من اجل الدفاع عن العراق الذي يريده هو دون النظر للاعتبارات والأطراف الأخرى. فعراق هذه الأطراف, لا يتحمل الشراكة والتعدد, ويستخدم في رفضه الجوهري لخيار الشراكة والتعدد تعبيرات ويافطات تتعلق بحقوق الطوائف والمذاهب. وهو حين يحكم أول من ينتهك حقوق هذه الجماعات المادية والمعنوية. ولعلنا لا نضيف شيئا إلى المشهد العراقي, إن هذا النمط الآحادي من التفكير السياسي في المسألة العراقية, هو الذي ينتج الديكتاتوريات, وهو الذي يؤبد الاستبداد, ويقمع أي مبادرة لتطوير نظام الشراكة بين تعبيرات الشعب العراقي. وبالتالي فإن تحرر العراق بكل نخبه وأطرافه من هذا المنطق والنمط من التفكير هو أحد الشروط الأساسية لانعتاق العراق من كل محنه المزمنة. فالعراق يسع كل العراقيين, ولا يمكن أن يحكم العراق بلون واحد وتوجه سياسي واحد, بعيدا عن لعبة الأكثرية والأقلية في العراق.. أمن العراق واستقراره مرهون على قدرة نخبه على بناء نظام تشاركي, تعددي. ودون ذلك يعني استمرار العراق في أزماته ومآزقه. وفي مقابل هذا النمط هناك نمط منطقي, يؤمن بالتعددية والمشاركة, إلا أن طبيعة الظروف السياسية والأمنية, لا تسمح له لتظهير هذا الإيمان على نحو عملي. تراثه الأيدلوجي والسياسي, ينم عن هذا الإيمان, ولكن سلوكه السياسي وتحالفاته السياسية والاجتماعية لا تعكس هذا الإيمان. فهو لا يبحث عن شريك قوي من الأطراف والتعبيرات الأخرى. هو يبحث عن شريك على مقاسه ومنواله, لذلك يتكدس لديه مثل هؤلاء, ولكن القواعد الاجتماعية والشعبية لا تشعر بأنها ممثلة في المشهد السياسي العراقي. وتبدأ من جراء هذا لعبة المونولوغ فالجميع يعلن وينادي بإيمانه بالتعددية والشراكة والمواطنة المتساوية, وفي ذات الوقت الجميع يشتكي من شريكه في الوطن والسياسة, مع إغفال تام لبيان حقائق الموضوع من جميع جوانبه وأبعاده. هل وجدتم شخصية أو جهة عراقية اليوم, تقف قولا وتصريحا ضد التعددية والشراكة. ولكن على الصعيد العملي الغالبية تقف ضد تأسيس نظام قوي قائم على التعددية والشراكة.. فمشكلة بعض أطراف الشيعة اليوم, هو أنهم نفسيا وسياسيا لم يخرجوا من موقع المعارضة, لذلك هو يدير وزاراته وموقعه السياسي وهو أول الباكين على عدم قدرته على إحداث الفارق النوعي في مسيرة هذه الوزارة أو تلك. وكلنا يعلم أن اللياقة السياسية المطلوبة لإدارة دولة بحجم ومكانة العراق, تختلف عن لياقات ومتطلبات المعارضة السياسية. وإدارة الدولة بعقلية المعارضة, يعني المزيد من الانشغال بالتصريحات الإعلامية والسياسية على حساب المنجزات الملموسة. لذلك فإن غالبية الشعب العراقي اليوم, لا تشعر بأن الحكومات التي حكمت العراق بعد 2003 م تركت بصمات نوعية في واقع وحياة أبناء الشعب العراقي بكل فئاتهم وشرائحهم. أما مشكلة بعض الأطراف السنية, فهي غير مقتنعة أيدلوجيا وسياسيا من حكم الشيعة للعراق. لذلك مهما عمل الشيعة في إدارة الحكم والسياسة ومشروعات الأمن والتنمية, تبقى المشكلة الجوهرية كيف يحكم بغداد من نشك في أصوله الثقافية والاجتماعية, وكان خارج معادلة تأسيس الدولة في العراق الحديث. ومشكلة بعض الأطراف الكردية أن عواطفهم مع بناء دولة كردستان المستقلة, ولكن عقولهم ومصالحهم السياسية مع عراق موحد, تعددي, اتحادي. ودائما بين العاطفة والمصلحة ثمة خيارات سياسية واجتماعية متعددة ومتنوعة إلا أنها تتمحور في كل الحالات على نهج تعظيم المكاسب الكردية حتى لو كان ذلك على حساب وحدة العراق وتطوير تجربته التعددية. وأمام هذه العيوب الجوهرية, تتشكل ما نسميه بالمسألة العراقية, التي ما زالت تنزف ألما ودما من جميع الأطراف والأطياف. ويبدو أنه لا خلاص من هذه المعضلة المزمنة, التي يعاني منها المشهد العراقي إلا بالأفكار التالية: 1 ضرورة إحياء الوطنية العراقية, بعيدا عن النزعات الشوفينية والنرجسية. فثمة وطنية عراقية عميقة موجودة لدى جميع تعبيرات الشعب العراقي, وإن إنهاء الأزمة المزمنة في العراق, يتطلب العمل وبشكل حثيث على أحياء الوطنية العراقية, التي لا تفرق بين عراقي وآخر, وتعمل على تطوير نظام الاندماج بين مكونات الشعب العراقي. فالعراق الموحد لا يحكم بذهنية الطوائف والمذاهب, وإنما بذهنية الوطنية العراقية الجامعة والحاضنة لجميع الحساسيات والخصوصيات. 2 في العراق الراهن انتهى زمن قدرة أي طرف على تحقيق انتصار كاسح على بقية الأطراف في الواقع العراقي. ومن يبحث عن انتصارات كاسحة في المعادلة العراقية, هو يؤسس بشكل دائم للحروب الأهلية والداخلية التي تدمر ما تبقى من العراق. فجميع الأطراف والأطياف في العراق, محكومة بالشراكة, ومن يبحث عن نظام سياسي بعيدا عن قيمة الشراكة المتساوية بين جميع الأطراف فهو يساهم بطريقة أو أخرى في تمزيق العراق شعبا وجغرافيا. 3 إن تأسيس نظام سياسي تعددي, تشاركي في العراق, يتطلب من جميع الأطراف تدوير الزوايا والبحث عن حلول سريعة وجادة لأهم المشكلات التي تعترض الحياة السياسية في العراق.. فلا يكفي أن يعلن جميع الساسة في العراق, عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية أو إنقاذ وطني, وإنما المطلوب ومن جميع الأطياف إسناد هذه الأقوال بأعمال ومبادرات تحمي العراق من المخاطر المحدقة براهنه ومستقبله. فالعراق التاريخ والحضارة يستحق من الجميع تقديم التنازلات النوعية, ودون ذلك سيضيع العراق في متاهة الفوضى التي تجتاح المنطقة.

مشاركة :