القاهرة/تونس – اتسع نطاق الجدل في تونس وخارجها حول مبادرة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي التي أطلقها مؤخرا بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة والمتعلقة بالمساواة في الميراث بين المرأة والرجل. ودافعت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش والتي يعتقد أنها دفعت بقوة نحو اطلاق هذه المبادرة ربما لحسابات سياسية وانتخابية، عن المبادرة واتهمت بعض الأطراف السياسية بمحاولة تقزيم مبادرة الرئيس. والسجالات حول المبادرة بمحاملها المتناقضة في توقيتها ومضامين طرحها ومرجعيتها الفكرية في دولة ينص الدستور على مدنيتها، تجاوزت الحدود المحلية للطرح إلى نقاش في مصر وغيرها. ودخل الأزهر على خط الجدل الدائر في تونس، حيث انتقد وكيل الأزهر عباس شومان الثلاثاء دعوة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إلى المساواة بين النساء والرجال في الميراث، معتبرا أنها "تتصادم مع أحكام شريعة الإسلام". وقال شومان في بيان نشرته الصفحة الرسمية لمكتب وكيل الأزهر على موقع فيسبوك إن "دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام الشريعة". وأوضح أن "المواريث مُقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة وكلها في سورة النساء". وقال السبسي "لا بد من أن نقول إننا نتجه نحو المساواة بين الرجال والنساء في جميع الميادين، والمسألة كلها في الارث". واعتبر شومان حسب البيان أن "هناك العديد من المسائل التي تساوي فيها المرأة الرجل أو تزيد عليه وكلها راعى فيها الشرع بحكمة بالغة واقع الحال والحاجة للوارث أو الوارثة للمال لما يتحمله من أعباء ولقربه وبعده من الميت وليس لاختلاف النوع بين الذكورة والأنوثة كما يتخيل البعض". وكان السبسي أشار إلى أنه طلب من الحكومة التراجع عن منشور يعود إلى العام 1973 ويمنع زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين. وجاء رد شومان ليتضمن هذه النقطة أيضا، قائلا إن "الدعوات المطالبة بإباحة زواج المسلمة من غير المسلم ليس كما يظن أصحابها في مصلحة المرأة". وأفاد بأن هذا الزواج "الغالب فيه فقد المودة والسكن المقصود من الزواج" إذ لا يؤمن غير المسلم بدين المسلمة وبالتالي "لا يعتقد تمكين زوجته من أداء شعائر دينها فتبغضه ولا تستقر الزوجية بينهما". لذلك يسمح للمسلم بأن يتزوج "بالكتابية" (المسيحية أو اليهودية) ولا يسمح له بالتزوج ممن لا يعترف الإسلام بديانتهن. وأثار موقف الأزهر جدلا في تونس، حيث عبرت أوساط عن استغرابها من أن تتم مناقشة مثل هذا الشأن الذي يعتبر محليا على الأقل في حدود طرحه. وتساءل البعض أين المرجعيات الفكرية والدينية التونسية من مثل هذه المسألة ولماذا ننتظر حتى يدلي فيها الأزهر برأيه. وفيما طالب نقيب الأئمة التونسيين الفاضل عاشور وزارة الشؤون الدينية بتقديم خطبة موحدة الجمعة القادم لتوضيح موضوع الميراث، اعتبر وزير الشؤون الدينية التونسي أحمد عظوم الثلاثاء أن من حق رئيس الدولة دستوريا اقتراح ما يريد. وأوضح في سياق تعليقه على مبادرة قايد السبسي أن وزارة الشؤون الدينية ليست مؤهلة لإصدار الأحكام الشرعية أو الفتاوى في أي موضوع، في اشارة إلى أنها جهاز تنظيمي وليس ديني. ودعا الوزير التونسي مفتي الديار التونسية عثمان بطيخ إلى تقديم الجانب الشرعي حول مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل وزواج المسلمة بغير المسلم. كما حثّ على الابتعاد عن التوظيف الحزبي والسياسي للمسألة في أعقاب نشر بيان على الصفحة الرسمية لديوان الافتاء يتعلق بتوضيح خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد المرأة و مبادرته حول الميراث وزواج المسلمة بغير المسلم. وكان ديوان الإفتاء (حكومي) قد أعلن الاثنين، مساندته مبادرة قايد السبسي. وقال في بيان نشره على صفحته الرسمية على فيسبوك، إن "مقترحاته (السبسي) بمنزلة دعم لمكانة المرأة وتفعيل لمبدأ المساواة مع الرجل الذي نص عليه ديننا الحنيف". وأضاف "إنها مقترحات تدعم المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية لإزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين". وتابع: "كانت بلادنا رائدة في مجال التقدم والحداثة ومواكبة العصر والمرأة التونسية نموذج المرأة العصرية التي تعتز بمكانتها وإنجازاتها". والعام الماضي تقدم 27 نائبا من كتل برلمانية مختلفة بمبادرة تشريعية تتعلق بتحديد نظام المنابات (نصيب الورثة) في الميراث. وتتضمن المبادرة 3 بنود، تقر المساواة في الميراث بين المرأة والرجل. ولاقت معارضة شديدة داخل البرلمان وتوقفت النقاشات حولها منذ أشهر دون تقديم مبررات لذلك. ومن المتوقع أن يتصاعد الجدل حول مبادرة الرئيس التونسي حتى خارج تونس مع اعلان الأزهر الشريف موقفه من هذه المسألة من منظور ديني. ويجادل قسم من المعارضين لمبادرة قايد السبسي بأن الموضوع لا يفترض أن يطرح أصلا كونه مفصل شرعا ولأن القضاء يستمد أحكامه في مثل هذه القضية من الشريعة. ويرى قسم آخر أن المشكلة ليست في المبادرة بقدر ما هي في التوقيت، مشيرا إلى أن الأزمات التي تثقل كاهل تونس أولى بالنقاش وأن الساحة التونسية المزدحمة بالمشاكل من فقر وبطالة وتنمية في غنى عن مثل هذه المبادرات التي تزيد من الانقسامات والتشويش على المشهد التونسي. وتذهب بعض القراءات الأخرى إلى أن المبادرة ليست أمرا مستجدا طرأ فجأة على الساحة التونسية لأن القوى الديمقراطية والمدنية طالما ناضلت من أجل المساواة بين المرأة والرجل في مختلف المجالات وطالما دافعت حفاظا على مكاسب المرأة التونسية.
مشاركة :