بدتْ بيروت أمس وكأنّها في «استراحة مُحارِب» تَفْصِلُ عن المعركة التي يُنتظر أن يشنّها الجيش اللبناني «بين ساعةٍ وأخرى» ضدّ تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع بعدما أُنجزتْ عملية انسحابِ عناصر «سرايا أهل الشام» (بقايا الجيش السوري الحر) من جرود عرسال (أول من أمس) التي سبق أن غادرها قبل أسبوعين مسلّحو «جبهة النصرة» وقيادتهم (في الجرود) (مع آلاف النازحين الى إدلب) لتصبح هذه البقعة خالية بالكامل من أي وجود لتنظيماتٍ غير لبنانية تمركزتْ فيها واحتلّتها بعيد اندلاع الأزمة السورية. وفيما واصل الجيش اللبناني أمس التقدّم في المنطقة التي كانت تتواجد فيها «سرايا أهل الشام» (انسحبت الى الرحيبة السورية في القلمون الشرقي) في جرود عرسال ونقاطٍ أخرى كانت تتمركز فيها «النصرة» في إطار استكمال إحكام الطوق وتضييق الخناق على مجموعات «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، بقي الدعم السياسي الكامل للمؤسسة العسكرية في معركتها المرتقبة لدحْر التنظيم الإرهابي مشوباً بمخاوف تسود في الكواليس وتتعزّز يومياً حيال المنزلقات التي تظهّرها مجموعة إشاراتٍ من «حزب الله» الذي يتولى مع قريبين منه دور «كاسحة الألغام» في سياق الدفع لتطبيع العلاقات بين لبنان والنظام السوري من بوابتيْن موازيتين: التعاون العسكري الذي يُروّج له كـ «أمر واقع» في المواجهة على مقلبيْ الحدود ضدّ «داعش»، واستنئاف التواصل المباشر على شكل زياراتٍ لوزراء تبدأ اليوم مع انتقال وزيرين من الحزب ومن فريق رئيس البرلمان نبيه بري للعاصمة السورية للمشاركة في معرض دمشق ومناقشة ملفاتٍ مشتركة. وفي حين يحاول خصوم «حزب الله» والنظام السوري في لبنان وقف هذه «الاندفاعة» بمواقف رافِضة أي تطبيعٍ مع نظام الرئيس بشار الأسد والمؤكدة على دور الجيش لوحده في طرْد «داعش» من الأراضي اللبنانية ومن دون الحاجة الى تعاون مع الجيش السوري و«حزب الله»، إلا أنّ هذا الاعتراض الذي تُرجم في أحد جوانبه بعدم منْح حكومة الرئيس سعد الحريري الغطاء لزيارات الوزراء لدمشق «التي تحصل بصفة شخصية وليست رسمية» لم يُسقِط مغازي المحاولات الممنْهجة لمعاودة ربْط الواقع اللبناني بالمسار السوري ميدانياً وسياسياً في غمرة ترويجِ «حزب الله» لكون هذا الأمر ترجمةً لموازين قوى في سورية وغيرها تصبّ في مصلحة محوره، وكما لم يُسقِط دلالات مجاهرة الحزب بمعاني «انتصاره» على «النصرة» وإصراره على حجْز «شراكة» له في «النصر» على «داعش» مع تظهيرٍ علني غير مسبوق لنفسه كـ «كيان» قائمٍ في ذاته وجب نسج العلاقات معه في الداخل اللبناني. وفي هذا السياق، توقفت دوائر سياسية عبر «الراي» عند 3 تطورات تعكس «المسرح» السياسي والميداني المعقّد الذي ستجري عليه المعركة ضدّ «داعش» والتي لم يعد ممكناً فصْلها عن السعي الى توظيف الوقائع اللبنانية في خانة إظهار سقوط «عناصر التوازن» في المشهد الداخلي ومحاولة اقتناص المزيد من المكاسب في غمرة بلوغ عملية «ترسيم النفوذ» على أنقاض «سورية القديمة» و«ساحات مشتعلة» أخرى مرحلةً متقدّمة. وهذه التطورات هي: أولاً: إعلان نائب «حزب الله» نواف الموسوي ان «ما من عاقل يقرأ التطورات الميدانية والوقائع السياسية إلا ويدرك أن المسار السياسي الذي أخذه البعض في لبنان منتظراً سقوط النظام في سورية وصل إلى خاتمته المخيبة للذين ساروا فيه»، موجهاً دعوة للخصوم السياسيين في الداخل لـ «نسْج علاقات صحيحة مع المقاومة في لبنان ومع الأشقاء والأصدقاء في الاقليم والعالم». والثاني: اعتبار رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان ان «مقتضى المصلحة الوطنية العليا للبنان يحتّم أن تكون العلاقات مع سورية متينة تقوم على التنسيق والتعاون في مختلف المجالات»، مؤكداً ان «تحرير جرود عرسال حصل بفضل تعاون وتنسيق المقاومة والجيشين اللبناني والسوري، ومن هنا فإن تحرير جرود القاع ورأس بعلبك من رجس (داعش) يستدعي اقصى درجات التعاون والتنسيق بين الجيشين السوري واللبناني، وحلّ قضية النازحين السوريين يقتضي التعاون بين الحكومتين اللبنانية والسورية». والتطوّر الثالث يتمثّل في ما كشفتْه وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» عن مسارٍ للمعركة ضدّ «داعش» من المقلب السوري يدْفع إلى تنسيق «اضطراري» بين الجيشين اللبناني والسوري وهو ما أوحتْ به تقارير عن أنّه فور بدء المعركة سيكون هناك زخم عسكري كبير من الجيش السوري وحلفائه لتطهير الجرود السورية من «داعش» بما يدفع الإرهابيين نحو الغرب «وبالتالي، سيكون هناك صعوبة في متابعة قتال الجيشين من الجانبين، ما لم يكن هناك تنسيق عسكري فعلي لضبط النيران وتقدّم القوات». وفي موازاة هذه التطورات، برزت علامات استفهامٍ بشأن ما إذا كانت المعركة مع «داعش» ستنتهي على طريقة العملية ضدّ «النصرة» التي بدأتْ عسكرية ثم خلصتْ الى صفقة تبادُل شملت جثامين وإطلاق أسرى وموقوفين مقابل توفير «ممر آمن» الى إدلب. وفي حين كان أي مسار تفاوُض مع «داعش» محصوراً علناً بالعسكريين اللبنانيين التسعة الأسرى لديه منذ اغسطس 2014، لفت تظهير إحدى الصحف القريبة من «حزب الله» أن أي خروج للتنظيم نحو البادية السورية يمرّ بتسليمه «أسيراً للحزب أسره التنظيم في البادية السورية، إضافة إلى جثامين شهداء». فنيش وزوجته الحامل والبلي... ضحايا الهجوم الإرهابي «لعنة إسطنبول» تُلاحق لبنان في بوركينا فاسو | بيروت - «الراي» | وكأنّها مأساةٌ مكرَّرة مع فارقٍ رسمتْه الجغرافيا... من اسطنبول التركية ليلة رأس السنة الى مطعم «اسطنبول» في واغادوغو (بوركينا فاسو)، لبنانيون أصابهم الإرهاب بمقتلٍ، فوقع ثلاثة في ملهى «لا رينا» ضحايا حبّهم للحياة والفرح، ليقبض الموت على ثلاثة آخرين ليل الأحد - الاثنين في دنيا الاغتراب التي جذبتْ على مرّ العقود ملايين من أبناء «بلاد الأرز» هاجروا بحثاً عن لقمة العيش وفرص حياة أفضل. محسن فنيش وزوجته تامي شن (كندية الأصل) وأحمد البلي، لم يوفّرهم الهجوم الإرهابي الذي استهدف مطعماً تركياً في واغادوغو سقط فيه 18 شخصاً (بينهم 8 أجانب) بنيران مسلّحيْن قتلتهما بعد ساعات قوات الأمن. وبدا لبنان أمس مفجوعاً وكأنّه على «موجة حزن» واحدة مع دول أخرى خسرتْ مواطنين من أبنائها في العملية الإجرامية وبينها الكويت، وسط متابعة رسمية للمأساة على أعلى المستويات. في معروب (قضاء صور) ساد الغضب والصدمة حيال الرحيل المفجع لمحسن (34 عاماً) وزوجته التي كانت حاملاً في شهرها السادس. الأقرباء لم يصدّقوا ان مُحسن الذي كان يتلهّف للقاء مولوده الأوّل غدر به الإرهاب بينما كان يتناول العشاء مع زوجته التي ارتبط بها قبل نحو عام ونصف العام. في البلدة التي لم ينقطع محسن عن زيارتها رغم انه غادرها مع عائلته قبل نحو 3 عقود، ذكريات عن ذاك الطفل الذي ملأ الدنيا فرحاً وصار رجلاً «يرفع الرأس» بعدما «درس في بلاد الاغتراب، وتوظّف مديراً لشركة أوركا للمفروشات، وتعرّف على تامي، طالبة الدكتوراه في جامعة كامبريدج، والباحثة الميدانية السابقة في منظمة الغذاء والزراعة في الامم المتحدة، كما عملت مدرسة فترة من الزمن في مدرسة تورنتو» (كما نقل موقع «النهار» الالكتروني عن أحد أقربائه)». وكما في معروب، كذلك في الضنية التي صعقها مقتل أحمد البلي الذي كان انتقل الى بوركينا فاسو سعياً وراء فرص عيش أفضل، وترك وراءه عائلة في لبنان لم تصدّق أن الموت«قبض عليه» وأخذه في رحلة... لا عودة منها.
مشاركة :