< هي قوانين الله في الوجود حياة وموت، بداية ونهاية، شروق وغروب، شتاء وصيف، حزن وفرح، لا شيء يدوم إلا الله عزّ وجل. هي مرحلة حياة كاملة يقطعها الجميع ويخوضون غمارها، فيها الدروس والعبر، والتجارب والإنجازات، والعطاء والتضحية، والجميع يترك الأثر، هناك من يترك الأثر الطيب الذي يتحدث عنه الناس بكل خير من أعمال أو أفعال أو صفات أخلاقية رائعة تكون كنموذج، وهناك العكس من يجرح ويفرق ويتسلط، وللأسف يذكره الناس بالسوء والغضب. هي مراحل إنسانية عميقة جداً، يكتشف الإنسان فيها المعاني العميقة يوماً بعد يوم، فيتعلم حسن الخلق وقيمة العطاء وتهذيب النفس، يتعلم قيمة العمل وزراعة الأرض، واكتشاف قدرة الإنسان العقلية، التي زوده الله بها ليفكر ويعمر، ورزقه القلب ليشعر ويتعاطف مع غيره من البشر، وروحاً تبحث عن السمو والرفعة، وما بين ذلك يتعلم الإنسان الصح والخطأ، فلا يوجد كمال مطلق، وهذا هو بحث الإنسان الذي يعيش من أجله طوال العمر. يدرك الإنسان خلال وجوده على هذه الأرض معنى الوحدانية والوجودية والكونية، فيتعلم كيف يكون جيداً ومحباً، حتى تصفو نفسه وتتخلص من غرور الأنا وسيطرتها، فتخف حدتها لكي يتعرف على بواطن ذاته الحقيقية، وهذا يأخذ منه عمراً ليس بقليل، هناك المحظوظون الذين عرفوا ذلك، وتلمسوا المعاني الإنسانية التي تهتم وتراعي وتعطي الجميع من زادها المعرفي أو الفكري أو الأدبي أو المادي، بعيداً عن التفرقة والعنصرية أو حتى الانتهازية والاستغلال، وهناك من يحاول جاهداً أن ينزِّه هذه النفس عن سلبياتها فيخلط بين هذا وذاك، وهناك من هو مغيّب تماماً، لا يعرف من هذا الوجود غير نفسه فقط، يعيش في أنانية أو في سخطه أو حقده وغضبه. الجميع يتعلم طوعاً أو قسراً، تجبره الظروف على ذلك، فلا شيء يوجد مصادفة، بل كل شيء على هذه الأرض دقيق جداً، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذا يخضع لقانون السبب والنتيجة، لذا مهم أن ندرك ما تضمره قلوبنا ونيَّاتنا، لأنها تعمل وتجذب كما يوجد فيها، إن كانت هذه القلوب والنيات جيدة ومحبة كان لها ذلك، وإن كانت عكس ذلك فلها الشقاء والوحدة والعزلة. غيّب الموت الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، غفر الله له، الذي عشنا معه منذ طفولتنا في مسرحياته ومسلسلاته مع الفنانة القديرة سعاد العبدالله وهيفاء عادل والكثير من الأساتذة الذين وضعوا عبراً ودروساً خلال طرحهم بعض القضايا، وإن كانت بأسلوب ساخر أحياناً وبأسلوب الدراما أحياناً أخرى، فكم ضحكنا وكم بكينا وكم تعلمنا أيضاً. الفن عندما يكون راقياً وصاحب رسالة فهو أسرع طريق للتعلم، لأنه جاذب وسهل ويدخل كل بيت، لذا خطورته ونجاحه، إيجابياته وسلبياته سريعة، ولها أثر على الأفراد. واليوم نفقد الفنان والأستاذ والإنسان عبدالحسين عبدالرضا بعد مشوار طويل من العطاء، الذي أضحك وأدخل البهجة على الجميع. الإنسان بطبعه واكتشافاته اخترع العديد من الأشياء، ليست فقط الماديات، بل اخترع فن الكلام، وفن الخطابة، وفن الإلقاء، وفن المسرح، وفن القصة والرواية، أدبيات عدة ساعدت في فتح الأفق وتوسيع دائرة الرؤية، وفتحت باباً للبوح عن الألم، والتعبير عن خوفه وحزنه وفرحه وأيضاً جنونه. الحياة تتطلب التنوع في الأخذ والعطاء بكل جوانبها الروحية والعلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية، على أن تكون في حالة من التوازن بينها. يمرّ الإنسان بمراحل عدة بين التعلم والنضج، بين البحث والاكتشاف، بين الداء والدواء، بين الخوف والأمان، بين الفقد والطمأنينة، مشوار طويل فيه الكثير من الحكم والمعاني والعبر، التي تساعده في إرساء قواعد ومبادئ إنسانية تلم وتقرب تلك الفجوة الداخلية، وتغطي ذلك الشعور الغريب، فأكبر عدو له هو الفراغ والخوف، فهما التهديد الحقيقي له، لذا التوازن بين جوانب الحياة يجعله منجزاً ومعطاء له بصمة وأثر طيب. Haifasafouq@
مشاركة :