تحمل القاهرة الفاطمية عبقا خاصا طوال العام يميزها عن بقية مناطق العاصمة القديمة. فتلك المنطقة التي تضم أشهر معالم الآثار الإسلامية في العالم، تمتاز بعبق خاص يحمل طابعا رمضانيا تراثيا مستمرا، يتركز عبقه في الشهر الفضيل، ليصبح حالة فريدة في العالم، يأتيها السياح من كل مكان خاصة في هذا الشهر، للاستمتاع بالتجوال في أرجائها التي شهدت كافة العصور الإسلامية والإنسانية العتيقة. ومؤخرا افتتحت هيئة الآثار المصرية شارع المعز لدين الله بعد الانتهاء من تطويره، والذي يعد أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم. ويقع الشارع في منطقة الأزهر بالقاهرة الفاطمية، ويشمل الشارع العديد من الآثار والعمارة الإسلامية الفريدة من بين مساجد وبوابات وسبيل وغيرها من المواقع الأثرية التي نجحت هيئة الآثار المصرية في الانتهاء من ترميمه وافتتاحه، ويتضمن المشروع رصف الشارع بالأحجار القديمة، ليصبح أول شارع مخصص للمشاة وحدهم، واستعادت المدينة القديمة جمالها ورونقها بعد ترميها. وكانت المدينة قد فقدت أكثر من 40٪ من نسقها المعماري وملامحها الأثرية، وهذا المشروع ليس وليد اليوم بل منذ تسجيل القاهرة على قائمة التراث العالمي باليونسكو عام 1979 والقاهرة التاريخية هدف استراتيجى للتطوير والارتقاء. وانطلق المشروع عام 1998 وحتى اليوم في محاولة لإنقاذ 210 آثار تضررت في زلزال 1992 وذلك على أربع مراحل، وشملت المرحلة الأولى منه والتي تمت في 600 مترا منه بدأ من باب الفتوح وانتهاءً بمجموعة قلاوون النزول بمنسوب الشارع الي المنسوب الأصلي حوالى 80 سم وإعادة رصفه بالجرانيت والبازلت وتم تغيير شبكة المرافق بالكامل بما فيها شبكات الصرف الصحى والكهرباء والهاتف وحتى مواسير الغاز الطبيعي رغم عدم دخوله المنطقة حتى الآن، ولكن لمنع أي عمليات حفر أخرى. كما تقرر الحد من حركة الآليات وجعلها في اضيق الحدود وتخصيص الشارع للمشاة وربطه بالشوارع الجانبية. وقد تم بالتعاون مع أصحاب المحلات بتوحيد اللافتات الخاصة بهم ومنع البروز واليافطات المشوهة للمكان. اما المرحلة الثانية والتي تتم الآن من مجموعة قلاوون إلى باب زويلة مرورًا بالغورية ومن باب النصر وحتى المشهد الحسينى ولعل من أجمل ما نرى في الشارع مشروع الاضاءة الفنية التي تمت على آثار بالشارع باستخدام احدث التكنولوجيات في فن الإضاءة والتي جعلت المكان بحق فخر لكل مصري وكل عربي ومسلم. حيث تم ترميم 33 أثرًا بالشارع أهمها مجموعة قلاوون بالنحاسين ومجموعة السلطان الغورى وقصر الأمير بشتاك وباب النصر والفتوح وسور القاهرة بينهما والمدرسة الكاملية وجامع ابن طولون وقصر الأمير طاز وجامع المؤيد شيخ. ونجحت هيئة الآثار بمعاونة شرطة السياحة مؤخرا في افتتاح الشارع للجمهور بعد حظر دخول السيارات وإزالة التعديات العشوائية التي أحاطت بها ، ويعد أهمها باب زويلة أو بوابة المتولي هو أحد أبواب القاهرة القديمة، يشتهر هذا الباب أو البوابة بكونه الذي تم تعليق رؤوس رسل هولاكو قائد التتار عليه حينما أتوا مهددين للمصريين والذين انتصروا عليهم في موقعة حطين وخلصوا العالم من سطوتهم. ومن أشهر المساجد يقع مسجد المدرسة الناصرية بشارع المعز لدين الله في موقع ما بين قبة الملك المنصور قلاوون ومسجد برقوق وكذلك المسجد الملك العادل كتبغا المنصوري سنة 1295، والذي أكمل الناصر محمد بن قلاوون بناءه. ويعد مسجد قلاوون من أكبر مساجد القاهرة وشيد هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد ، والواجهة مبنية بالحجر وما زالت تحتفظ بالكثير من معالمها القديمة، والفناء عبارة عن صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات لم يبق منها الآن غير اثنين. شارع خان الخليلي خان الخليلي واحد من أعرق أسواق الشرق، يزيد عمره قليلًا على 600 عام، وما زال معماره الأصيل باقيًا على حاله منذ عصر المماليك وحتى الآن. هاجر اليه عدد كبير من تجار مدينة الخليل الفلسطينية وسكنوه والآن توجد به جالية من اهل الخليل تسكن به وتعمل بالتجارة واليهم ينسب خان الخليلي بالقاهرة وقد سمي بهذا الاسم نسبة لمؤسسه وهو أحد الأمراء المماليك وكان يدعى جركس الخليلي وهو من مدينة الخليل. ولوعدنا بالزمان إلى الوراء كثيرًا فسوف يطالعنا المؤرخ العربي الأشهر (المقريزي) الذي يقول إن الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة، تشمل الطبقة السفلي منه الحوانيت، وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى منشئه الشريف (الخليلي) الذي كان كبير التجار في عصر السلطان برقوق عام 1400م. مقهى الفيشاوي يعتبر من أقدم مقاهي القاهرة، ويرجع تاريخ تأسيسه عام 1769م ، وكان الكاتب الكبير نجيب محفوظ من أشهر رواده في فترة الستينيات من القرن العشرين. وترجع عبقرية المكان في مقهى الفيشاوي الذي يتصدر الخان ، قبل أن تبدأ الجولة في الحي العتيق وليس هناك ماهو أمتع من التجوال سيرًا على الأقدام داخل أزقة وحواري تحتاج إلى عبقرية في فك ألغازها، وإلى حاسة سادسة لمعرفة طلاسمها، فالأزقة متراصة كحبات عقد، متداخلة كقوس قزح متعدد الألوان، ولا يعرف أحد حتى الآن الفلسفة المعمارية التي بني على أساسها خان الخليلي، فالأرض مبلطة بحجر بازلتي أسود لامع، والسوق مسقوف بخشب تحدى الزمن وعوامل التعرية، والشمس تتسلل حوانيت عديدة تشكل مع بعضها سراديب مليئة بالكنوز والتحف النادرة، والمصنوعة بمهارة.
مشاركة :