الشارقة:«الخليج»على الرغم من تنحّيه وتواريه عن المشهد الحكومي في قطر، بعد تنازل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، عن الحكم لابنه الشيخ تميم في 2013، إلا أن رئيس الوزراء، وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ما زال نافذ التأثير في سياسات الدولة الخليجية الصغيرة، بشكل أو بآخر، مباشر أو غير مباشر، في الداخل أو الخارج.كانت العرب تُكثر من التسميات لما تحب وما تكره، وما من سياسي عربي كثرت التسميات والألقاب والتشنيعات عليه، مثل عراب «نظام الحمدين» السابق في قطر، حمد بن جاسم، الذي درجت الصحافة الغربية على تسميته اختصاراً ب HBJ، ووصفته صحيفة «إندبندنت» البريطانية بأنه «بلوتوقراطي متنفّذ بسبب ثروته»، و«الرجل الذي اشترى لندن». وقريباً من هذا أطلقت عليه «فاينانشل تايمز»، لقب «ملك العقارات في لندن»، وأشارت إليه مجلة «فوربس» بأنه «واحد من 140 سياسياً حول العالم، وردت أسماؤهم في فضيحة أوراق بنما»، ووصفه الصحفي الكويتي فؤاد الهاشم، بأنه «مدمن على حيل السياسة، متناقض في السلوك». ووصفه موقع إخباري غربي بأنه «يجمع الدهاء السياسي والنفوذ الاقتصادي». وقال مسؤول قطري لموقع أمريكي طلب حجب اسمه، إنه «المالك الاقتصادي لقطر». ووصفه موقع «ويكيبيديا» بأنه «رجل أعمال مهم»، و«وجه ليبرالي منفتح».وHBJ أحد الأعضاء الأجانب القلائل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، المؤثرين في صناعة القرار وتوجيه السياسيين في الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض.وتعود كثرة الألقاب إلى الطابع الجدلي في شخصية الرجل، والأدوار المتعددة والمتناقضة والغامضة أحياناً، التي لعبها في بلده قبل تنحّيه وبعد ذلك.حمد بن جاسم رجل زاده الله بسطة في الجسم واكتسب المال، «على علم منه» كما قال قارون، وهو لا يقدّم نفسه على أنه مجرد مواطن قطري، أو مسؤول في حكومة قطر أياً كان منصبه، فهو يطرح نفسه مواطناً عالمياً، وله اهتمامات وشواغل تتجاوز حدود بلده الصغير، ويمتلك قدرة على الانتقال والتجول في العالم بطائرته الخاصة، الرابعة من نوعها في الفخامة، فضلاً عن الإبحار والرسوّ في الموانئ والمنتجعات بيخته الفاخر؛ ثامن أكبر يخت من نوعه في العالم.كما أن الرجل ليس مجرد مواطن قطري أو مسؤول عربي سابق، فهو كما يصوّر نفسه مواطن عالمي مطّلع على الشؤون الإقليمية والدولية، ويتوهم أنه يمتلك رؤية استشرافية للمستقبل، ويجيد قراءة الواقع والأحداث؛ بل والتأثير فيها، كما يتوهم أنه يمتلك الأدوات التحليلية التي تمكّنه من تفكيك الأزمات ونزع فتيلها وتهدئتها وتبريدها، حتى لو لم يصل إلى مرحلة الحلّ وإنهاء الصراع أو النزاع.وهذا الإيجاز ليس مدحاً في الشخص المذكور، ولكن استخلاصاً للصورة الذهنية التي يحاول أن يرسمها ويرسّخها في أذهان متابعيه حول العالم .يقدّم علم النفس السياسي إضاءة مهمة حول شخصية حمد بن جاسم، ولا يمكن فهم شخصيته إلا بها. يقال إن عقدة قصر القامة هي التي كانت تحرّك الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، وتترجم كل خطواته المرتجلة والمدروسة، فالضابط من أصل كورسيكي ينحدر من جزيرة صغيرة مغمورة في البحر الأبيض المتوسط، ولم تكن هذه الجزيرة تلبّي طموحاته في التميّز و«التعملق»، ومساعدته في تجاوز عقدة قصر القامة، فانخرط في النشاط العسكري بعد الثورة الفرنسية حتى وجد ما كان يبحث عنه، غير أن المنصة التي توفّرت له لم تكن تسع طموحاته وشخصيته التي كان يرى أنها تتجاوز فرنسا، وتتطلع إلى إمبراطورية أوسع، تشمل أوروبا، وروسيا معاً.وقد أغرقت هذه العقدة وهذا الطموح أوروبا في حروب مأساوية، استنزفت القوة الفرنسية العسكرية والاقتصادية، وانتهت بأن توحّد الجميع ضد الإمبراطور القصير وانتهى به المطاف سجيناً منفياً ووحيداً في جزيرة سانت هيلانة، يذوق صنوف المهانة والإذلال على يد سجّانيه الإنجليز.ليس هناك ثمة شبَه بين نابليون وحمد بن جاسم، ولكن الأخير الذي قلنا إن الله زاده بسطة في الجسم (قامته مديدة تتجاوز 183 سنتيمتراً)، واكتسب المال (حسب التقارير البريطانية تتجاوز ثروته 20 مليار جنيه استرليني)، يرى أنه أكبر من أن يكون قطرياً عادياً، أو رئيساً للجهاز التنفيذي في شبه الجزيرة الخليجية، التي لا تتجاوز مساحتها 12 ألف كيلومتر مربع، أو مجرد مسؤول عربي، فهو بهذا الطول وهذا الحجم، وهذا الثقل المادي، يريد أن يترجم نفسه إلى تأثير ونفوذ عالمي.وقد تكون هذه العقدة هي التي قادت «نظام الحمدين» السابق إلى التورّط في سياسات وأنشطة ودعم وتمويل منظمات وجماعات، والدخول في وساطات عديدة في نزاعات وصراعات في إفريقيا، والعالم العربي، وآسيا، ومحاولة شراء النفوذ في منظمات إقليمية ودولية في المجالات السياسية والاقتصادية، والمالية والبيئية والعسكرية، فضلاً عن استخدام شبكة قنوات الجزيرة في التعبير عن سياسات قطر، وتحيّزاتها، وفتحها كمنابر إعلامية ودعائية تتماهى مع السياسة الخارجية القطرية، بمعنى أن القناة الفضائية لم تعد وسيلة إعلامية مهنية مستقلة؛ بل إدارة من إدارات وزارة الخارجية القطرية.الهالة الإعلامية التي يعيش فيها حمد بن جاسم في الحكومة وخارجها، تماثل الهالة الإعلامية الضخمة التي تحيط بقطر الصغيرة، وتمنحها حجماً زائفاً أكبر من ثقلها الجيوسياسي والعسكري. وربما يكون حمد بن جاسم الذي تبنّى سياسة التضخيم الإعلامي الزائف لقطر، خلال توليه منصبي وزير الخارجية، ورئيس الوزراء، خلال الفترة الممتدة من 1992 حتى 2013، قد نجح في أن يسوق نفسه في الأوساط السياسية الغربية، ومجتمع مراكز الأبحاث والدراسات المؤثرة في صناعة القرار في أمريكا، وأوروبا، على أنه سياسي ومفكّر وصاحب رؤية وقدرة على التأثير في المنطقتين الخليجية والعربية، سواء كان هذا التأثير سلبياً أو إيجابياً، مباشراً أو غير مباشر. ولذلك فهو متوفّر دائماً لإجراء الحوارات التلفزيونية والصحفية، والمشاركة في السمنارات والندوات وتقديم المحاضرات، بل وشراء واستضافة كبار الصحفيين والإعلاميين والباحثين، على غداء أو عشاء في واحد من الفنادق الفخمة الكثيرة، التي يملكها في الولايات المتحدة أو بريطانيا. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أجرت صحف ومجلات غربية مرموقة مثل «فاينانشل تايمز»، و«فوربس»، و«لوسيل»، و«الجارديان»، و«ميدل ايست كوارترلي»، حوارات مطولة معه حول شؤون السياسة والاقتصاد في بلاده، والمنطقة والعالم، واستضافته «هيئة الإذاعة البريطانية» في عدد من برامجها، وشبكتي «بي بي أس»، و«سي إن إن» الأمريكيتين، كما أنه حاضر وشارك في ندوات نظّمها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، ومعهد الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة مكجيل، ومعهد الدراسات بجامعة ترينتي، وقدّم محاضرة في جامعة أكسفورد بعنوان: «الوضع العربي حالياً.. وآفاق المستقبل بعد الربيع العربي»، طبعت في كُتيّب. كما أنه قدّم محاضرة حاشدة الحضور في جامعة قطر بعنوان: «مجلس التعاون الخليجي.. التحديات الإقليمية ومستقبل العلاقات مع دول الجوار»، وقدم محاضرة في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الاستراتيجية (تشاتام هاوس)، حول الأوضاع الخليجية والإقليمية. الملاحظ أن غالب النشاط الفكري لحمد بن جاسم، يتم في مراكز غربية وأمريكية، وقلما يخصص وقتاً أو يُلقي بالاً للحوار مع أجهزة ووسائل الإعلام القطرية، أو العربية، فهي أهون شأناً من أن يهتم بها.توفر الحوارات والمحاضرات والندوات التي كان طرفها حمد بن جاسم، «أدباً ثرياً» لنمط تفكيره وأفكاره نفسها، والكشف عن جوانب من شخصيته. وبالطبع الأفكار في حدّ ذاتها لا قيمة لها، ولكن تنبع أهميتها من أنها تصدر من شخص كان مسؤولاً كبيراً في دولة قطر، ويعتبر نفسه عراب انقلاب 1995، ومهندس العلاقات الخارجية القطرية طوال 21 عاماً، وشيطان المؤامرات التي أضرت بمنظمة التعاون الخليجي، والدول العربية.مصيبة حمد بن جاسم في الحكم وخارجه أنه يُظهر غير ما يُخفي، ويقول غير ما يبطن، ويكشف عن أفكار ولكنّه يعمل بضدها، والتجلّي الأكبر لهذا الوجه هو العلاقات القطرية حيال السعودية، وعقدة «نظام الحمدين»، هي الأخ الأكبر السعودية، التي يعتقد أنها تقف حجر عثرة أمام طموحات قطر الإقليمية والعالمية.في حواره مع «ميدل ايست كوارترلي»، (ديسمبر 1996 بعد عام من الانقلاب القطري)، قال حمد بن جاسم، إن السعودية هي قائدة دول الخليج. وأضاف: «من الجيد أن يكون لديك قائد». وقال: «انظر إلى السعودية كقوة إقليمية كبيرة. وتاريخياً لدينا أفضل العلاقات مع السعودية، وهم يعاملوننا كأنداد»، لكنه في حوار مع «فاينانشل تايمز»، بعد عشرين سنة (أبريل 2016)، قال: «قادت السعودية إقليم الخليج لثلاثين عاماً، وظلت تتحكم في أسعار النفط لصالح الغرب، فماذا كسبنا في المقابل؟». ويعتقد أن هناك توازناً جديداً في العلاقات الأمريكية الخليجية، ولم يعد الأمريكيون ينظرون إلى الدول الخليجية التقليدية كحليف يمكن الاعتماد عليه.وزعم شيطان المؤامرات أن القطريين تدخلوا في سوريا؛ لأن السعوديين لم يكونوا راغبين في ذلك، وفجأة تغيّر الأمر وتدخّل السعوديون في سوريا من غير إخطار القطريين، مما تسبب في «التنافس غير الصحي»، والتعبير له!!!وفي الشأن اليمني قال حمد بن جاسم في محاضرته بالمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا (نوفمبر 2015)، إن التدخل السعودي في اليمن كان مبرراً وضرورياً لضرب الانقلابيين الحوثيين، و«لأن السعودية نفسها باتت مهدّدة من قبل التدخل الإيراني، فكان لابد لها من أن تكشّر عن أنيابها». وقال في محاضرته بجامعة قطر (أبريل 2017)، إن إيران وظفت اليمن لصالحها واستفادت من تناقضات الشأن اليمني، للعمل بقوة بهدف تحقيق أهدافها الاستراتيجية وإحداث تغيير جذري في توازن القوى.كل هذا في الظاهر تعبير عن أفكار لا غبار عليها، ولكن تسريبات التسجيلات بين حمد بن جاسم، ومعمر القذافي، والأدلة والأسانيد الموثقة التي لدى السعودية، تؤكد أن المسؤول القطري السابق الذي مازال نافذاً، كان يتآمر على الدوام على السعودية. ففي محادثاته مع القذافي يؤكد أن السعودية أكبر من أن تظل دولة واحدة، وأن تقسيمها أمر حتمي، وهذا القطع لا يأتي إلا ممن كان طرفاً في المؤامرة بالتفكير أو التنفيذ، أو تمويل التنفيذ، كما أن مؤامرة محاولة اغتيال العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز، كان طرفاها من المسؤولين في ليبيا وقطر.اليخت «المرقاب».. الثامن في العالم في الفخامةيمتلك حمد بن جاسم يختاً بطول 133 متراً، أطلق عليه اسم «المرقاب»، وهو ثامن أكبر يخت في العالم، ويقدّر ثمنه بما بين 250 و350 مليون دولار، وقد استغرق بناء اليخت الفخم أربع سنوات كاملة.من أقواله المأثورة«نحن العرب لا نُظهر أننا حليف يمكن الاعتماد عليه».«يجب أن نعتمد على أنفسنا قبل الاعتماد على روسيا وأمريكا».«عندما نفعل هذا (الاستثمارات في الخارج) نخلق الكثير من الغيرة والأعداء».«أحمد الله أننا من وقت لآخر نضرب في أسعار النفط؛ لأننا فسدنا تماماً»«إذا طلبت من أي أحد في قطر ألاَّ يمارس البيزنس عندما يعمل في الحكومة، فلن تجد أحداً يقبل بهذه الوظيفة». «الأمير (حمد بن خليفة) دائماً يحب أن يُطلق النكات عليّ». «لست متأكداً (من أنني أغنى الأغنياء في قطر والعالم).. ربما هناك ضجة، لكن الشرق الأوسط مملوء بالمؤامرات.. والناس يحبون أحياناً المبالغة».الشقة الفاخرة الأغلى في العالمتقدر الأوساط المالية الغربية ثروة الشيخ حمد بن جاسم، بما يزيد على 20 مليار دولار أمريكي، عندما استقال من منصبه كرئيس لوزراء قطر، ووزير خارجيتها، في يونيو 2013.يمتلك بعض العقارات المميزة في لندن، ولديه مقر إقامة دائم في عاصمة الضباب، ويقيم في أغلى منزل في بريطانيا، وربما في العالم، وقيمة المنزل في منطقة نايتسبريدج الراقية حوالي 250 مليون جنيه استرليني، ويقع المنزل في الطوابق 11 و12 و13 في برج سي هايدبارك وان.قالوا عنه:«أنا أدير البلد وحمد بن جاسم يملكه» حمد بن خليفة آل ثاني.«يراجع أفكاره ويتراجع ويتأرجح في المواقف من غير خجل أو حياء» فاينانشل تايمز.«ساهم بشكل مؤثر في زيادة نفوذ قطر في الساحة العالمية» رجب طيب أردوغان
مشاركة :