أن نسمع عن جريمة قتل، فهذا يمكن أن يحدث، مع الاعتراف بأننا في مجتمع شأنه شأن بقية المجتمعات الأخرى، ولكن كان صادما لنا، أن نسمع في حيرة وذهول ليس عن مجرد جريمتي قتل حدثتا في ينبع وطريب، ولكن المثير والغريب، أن تحدثا في أيام شهر رمضان الفضيل، ومن أبنين تجردا من كل المشاعر، وأقدما على ارتكاب هاتين الجريمتين اللتين هزتا المجتمع، بحق أبويهما. بعيدا، عما يقال كالمعتاد، من أن الجريمتين بعيدتان كل البعد عن الدين والعادات، والتقاليد التي تربينا عليها، إلا أن ناقوس الخطر الحقيقي يجرنا جميعا إلى فرط الذهول من أن يقدم شاب ثلاثيني على قتل والدته، بإطلاق الرصاص عليها في محافظة طريب في منطقة عسير. كذلك أن يقوم آخر في ينبع بقتل والده (64 سنة) ومن ثم إشعال النار به؛ لإخفاء الجريمة، بعد ضربه على رأسه بسبب خلاف نشب بينهما على رغبته في الحصول على المال للسفر والدراسة في الخارج. صحيح أن الجريمة كما يقول علماء الاجتماع هي السلوك المخالف للجماعة.. وهي التي «تشمل جميع الأفعال المرفوضة اجتماعيا» كما أنها مشكلة اجتماعية قديمة قدم التاريخ، ومحرمة في كل الأديان، ومجرمة في كل المجتمعات البشرية، لكن أن تصل إلى هذه الدرجة المؤسفة، في مجتمع محافظ تقليديا، ومتدين بشكل كبير، ينبغي أن لا تمر مرور الكرام، أو نتعامل معها كمجرد حدث عابر، ننساه بعد مرور الأيام. ولم يعد مقبولا، مع هذه الوتيرة، أن نظل نلقي باللوم على المخدرات رغم تأثيرها أو نتحدث بكلمات هلامية، تعيدنا لعبارات ومعانٍ غير ذات جدوى، تتنصل من الأسباب الحقيقية، وتعلقها على مشجب العولمة والفضائيات، والوافدين، وكلام آخر عن العقوق، إلى آخر هذه العناوين المحفوظة، دون أن نعتبر ونبحث في أسباب تطور الجرائم إلى هذا الشكل المرعب، الذي أعتقد دون مبالغة أنه يحولنا دون قصد إلى مجرد متساهلين، رغم علمنا بأن العقاب الشرعي سيلحق حتما بالجاني أو القاتل. يبدو أن العبرة من مشهد القصاص، لم تعد كافية، ويبدو أيضا أن كل خطبنا الوعظية، تفقد اعتبارها بمجرد انتهاء الخطيب، أو الخروج من المسجد، لتبقى المشكلة معلقة في رقبة كل علماء الاجتماع، والطب النفسي لتحديد الأزمة، وإعادة صياغة العلاقة الأسرية في بيوتنا، بين الرجل وزوجته، وبين الأم والأب وأولادهما، لنحتوي هذا العنف الذي يتصاعد تحت الرماد، وينتهي بمشهد مأساوي كهذا الذي نسمع أو نقرأ. كفانا اعتقادا بالمثالية، وكفانا ترويجا لشعارات وعناوين، بات من المؤكد أنها خادعة، وكفانا هروبا من لوم الذات وعدم تحمل المسؤولية، بحثا عن أي مشجب آخر، نعلق عليه أخطاءنا. السؤال: هل فينا من رجل شجاع يواجهنا، وينبهنا، وفي نفس الوقت يبتعد بنا عن مثل هذا المصير القاسي والمرعب الذي يلقاه بعض الآباء والأمهات بأيدي بعض فلذات أكبادهم؟
مشاركة :