خيري منصور رغم أن اللغة العربية هي الأغنى بالمترادفات والمجازات، باعتراف غير الناطقين بها أمثال جاك بيرك وميشيل بوتور وأندريه مايكل وغيرهم، فإن هذا الامتياز تراجع أمام اختزالها إلى أقصى مفرداتها، خصوصاً في الإعلام حين يمر بمراحل احتقان وتوتر.وبعد خمسة أو ستة عقود من ذلك المعجم الإعلامي الهجائي الذي ساد وهيمن على لغة الحوار، تبدو اللغة الآن في ذروة توترها، وما يتم اختياره من مفرداتها هو الأقصى برغم وفرة المفردات البديلة التي تحمل الدلالات ذاتها، لكن بشيء من الرفق، ومن المعروف أن اللغات تتأثر سلباً وإيجاباً بالظروف الاجتماعية والسياسية السائدة في مرحلة ما، فهي تصبح رقيقة في المجتمعات المتمدنة والمتعايشة، لكنها تصبح خشنة وقاسية في ظروف أكثر تعقيداً، وهذا ما توصل إليه نقاد ومؤرخون حين درسوا ما أفرزته الحقبة الأندلسية من آداب وفنون.ومن الناحية السايكولوجية أصبح من المؤكد أن من يغضب سريعاً وتتوتر لغته هو من يستعيض بذلك عن المحتوى، وكأن الضجيج والصخب يقترنان دائماً بالسطحية وفقر المضمون.وذات يوم حين يقيض للإعلام العربي، خصوصاً بعد الانفجار الفضائي، من يدرسه ويرصد كل ما نتج عنه، فإن نتائج مثل هذا الاستقصاء قد تكون مفاجئة للجيل القادم. فليس هناك حد أدنى من التناسب بين الموضوع وأساليب التعبير عنه.كما أن الاختلاف يغني الحوار وينوعه قبل أن يصبح خلافاً يختزل فيه قوس قزح كله إلى لونين فقط، هما الأبيض والأسود وما من ظلال بينهما!لغتنا من الغنى والاتساع، بما يتيح لنا اختيار ما هو أقل توتراً واحتقاناً، لكن القول المأثور وهو لكل مقام مقال ممنوع من الصرف في أيامنا، فالمقامات مختلطة، وكذلك المقالات التي تعبر عنها.وأحياناً هناك من يحييك بخشونة وتجهم كما لو أنه يشتمك، مقابل آخر يصدك برشاقة. ولغتنا الآن متوترة، ويرشح من مفرداتها الغضب، ربما لأننا نعيش واقعاً بلغ الاحتدام فيه الذروة، وصدق من قال إن الأسلوب هو الإنسان.
مشاركة :