بيت السرد وجدلية الرواية والتاريخ

  • 8/18/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تنظيم بيت السرد بجمعية الثقافة والفنون بالدمام للقراءة الجماعية لكتاب «التخيل التاريخي، السرد والامبراطورية والتجربة الاستعمارية» هو تنظيم له أهميته الخاصة لتغطية تفاصيل وجزئيات هذا الكتاب الحائز على جائزة الشيخ زايد عام 2013، فالجدلية لا تزال قائمة بين الفن الروائي والوقائع التاريخية، ولا يزال الجدل قائما حول توظيف تلك الوقائع للسرد الروائي بما فيه من أخيلة قد تبتعد عن الواقع. المحاور التي جاءت ضمن البحث في تفاصيل الكتاب تطرح عملا نقديا تمكن بيت السرد من إلقاء الضوء عليه من عدة زوايا حيوية وسلط عليها الأضواء لتبيانها ومراجعتها بطريقة عملية وصائبة لا سيما تلك المتعلقة بتوظيف الحدث التاريخي للسرد الروائي، وهو توظيف قد يميل إليه بعض القراء وقد يستهجنه البعض، غير أن ذلك لا يمنع من القول: إن توظيف الوقائع التاريخية الصرفة للفن الروائي قد يكون مجديا ونافعا. وأهمية الكتاب تتمحور أساسا من حقيقة انتشار كتابة الرواية التاريخية في الآونة الأخيرة، وتعلق كتاب هذا الفن بهذا النمط الكتابي الجديد، وهذا يعني أن بالإمكان العودة إلى الرواية بكل تفاصيلها للوقوف على الأحداث التاريخية الكبرى من خلالها، رغم الجدلية القائمة بانغماسها في الصور المتخيلة التي قد تبعدها عن الواقع أو تبعد الواقع عنها، غير أن هذه الجدلية لا تحمل صورا سلبية بدليل انتشار الرواية التاريخية بنمطها المعروف حاليا. ويبدو واضحا لقارئ الكتاب أن مؤلفه الناقد العراقي الدكتورعبدالله إبراهيم تمكن إلى حد بعيد من دمج الأحداث التاريخية بالفن الروائي، رغم أن الرواية في واقعها قد تناقض الرؤى التاريخية المتميزة عادة بالتسجيل والأخبار، فالرواية لا يمكن اتخاذها كمصدر تاريخي، إلا أن ذلك لا يحول دون استخدام الحدث التاريخي كخلفية لفن الرواية، وهي خلفية يمكن التركيز عليها لتصوير الحدث التاريخي بشكل أعمق. صحيح أن القارئ وهو يتنقل بين فصول الرواية يهيئ نفسه لدخول عالم غير واقعي إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة فشل الروائي في نقل الوقائع التاريخية بأشكال واقعية وملموسة، ولعل من يرجع إلى قراءة الروايات التاريخية -إن صح هذا التعبير- يدرك لأول وهلة أن الروائي عادة يرسم تفاصيل الأحداث بصدق فني خالص، رغم أنه قد يركن أحيانا إلى التخيل وهو أمر طبيعي تمارسه الرواية في مختلف المجالات بما فيها المجال التاريخي تحديدا. والتخيل في واقع الأمر لا يعتبر عيبا من عيوب الدخول إلى تفاصيل الوقائع التاريخية، فهو «أي التخيل» قد يكون مادة تشوق القارئ لمتابعة أحداث الوقائع التاريخية بطريقة سلسلة دون أن تقوده للخروج عن الحقائق المرتبطة جذريا بتلك الوقائع، فالتخيل يمثل عنصرا سليما ومتعافيا من عناصر الرواية، وقد لا يقود هذا إلى عبث الروائي بأي حدث تاريخي وإنما يمثل سردا محببا إلى النفس إن جاز القول. والجدلية هنا قد تبرز عند ما يميل الروائي كل الميل إلى التخيل بطريقة يشطح بها عن الواقع وهو عيب لا يمكن التسليم به، فالواقعة التاريخية لا يمكن ربطها «بخيال غير حقيقي» إن جاز التشبيه، فالتخيل مشروط بعدم الجنوح إلى سرد غير عقلاني من شأنه أن يضر بالوقائع التاريخية كما حدثت على الأرض، إلا أن التخيل من جانب آخر يمثل عنصرا من عناصر التشويق لقراءة التاريخ بطريقة أفضل وأسلس.

مشاركة :