موقف ترامب من إدانة التطرف والعنصرية يثير جدلا سياسيا حادامازال تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أحداث تشارلوتسفيل بفرجينيا مثار تداعيات سياسية داخلية ودولية عديدة، والتي أجمعت على توجيه انتقادات حادة لمواقف ترامب نتيجة انحيازه لصالح الجماعات العنصرية واليمينية، وهو ما يزيد من مخاوف أن تغذي سياسات الرئيس الأميركي النزعات المتطرفة.العرب [نُشر في 2017/08/18، العدد: 10726، ص(5)]سياسة ترامب تذكي الممارسات المتطرفة واشنطن - لم يكن تعليق الرئيس الأميركي حول المواجهات التي شهدتها ولاية فرجينيا بين تيارات عنصرية متطرفة وناشطين يساريين، سوى محاولة فاشلة لتجنب إدانة الجماعات اليمينية الشعبوية بإلقاء اللائمة على كل الأطراف التي شاركت في المواجهات على حد السواء. ووجه ترامب اتهامات إلى الجماعات اليسارية التي حاولت التصدي لاعتداءات اليمين المتطرف وحملها مسؤولية الأحداث التي أدت إلى مقتل امرأة دهسا على يد أحد المؤيدين للجماعات المتطرفة بالقول “وماذا عن اليسار البديل الذي هاجم اليمين البديل مثلما تسمونه؟ ألا يتحمل جزءا من المسؤولية؟ ثمّة روايتان لكل قصة”. دبلوماسية ترامب التي حاولت إدانة العنف بأسلوب فضفاض ومعوم قوبلت بردود فعل سياسية شديدة داخل الأوساط السياسية والمدنية الأميركية، التي انتقدت دفاعه المبطن عن الأفكار والأيديولوجيات التي تروج لتفوق العرق الأبيض والنازية الجديدة ومعاداة الملونين والتي تناقض قانون الحقوق المدنية الذي حارب كل أشكال الميز والعنصرية على أساس العرق أو اللون. وعبر عدد من نشطاء المجتمع المدني والكوادر الأكاديمية عن استنكارهم لتصريحات ترامب والتي اعتبرت مؤشرا على “العودة إلى الوراء”، في ظل مخاوف من تصاعد مد دعوات الكراهية والتمييز، وهو ما دفع عددا من أعضاء الكونغرس إلى التحذير من أن تصريحات الرئيس “ستؤدي إلى تقسيم الأميركيين”. ويفسر الخبراء بالشأن الأميركي هذا الجدل الشديد بعودة نشاط الجماعات العنصرية واليمينية المتطرفة داخل الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، خاصة منها تنظيم كوكلاس كلان المتهم بارتكاب المئات من الجرائم العرقية والعنصرية ضد السود خلال حقبة الأربعينات والخمسينات، إلى جانب تنظيمات النازية الجديدة والتيارات المروجة لفكرة تفوق العرق الأبيض. ويشير الخبراء إلى أن ترشح ترامب للانتخابات الرئاسية حظي بدعم كبير من هذه الجماعات ذات النزعات اليمينية المتطرفة، نتيجة خطابه الشعبوي ومواقفه المتصلبة تجاه جملة من القضايا التي تندرج ضمن مشاريع هذه الجماعات.عادت الجماعات المتطرفة ودعوات الكراهية للانتشار بقوة داخل الأوساط المحافظة في أميركا نتيجة خطابات ترامب وتشير تقارير منظمات أميركية إلى أن الدعايات العنصرية والشعبوية التي تتداخل عبرها الشعارات القومية والأفكار المتطرفة تلقى رواجا داخل قطاعات كبيرة من الجمهوريين والجماعات المحافظة، ما يفسر تناميها بشكل ملحوظ. وكان عمدة مدينة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا الأميركية، مايك سيغنر، قد اتهم ترامب بالتسبب بارتفاع نشاط حملة الفكر اليميني المتطرف وأنصاره في البلاد. وقال سيغنر في تصريح لقناة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية “انظروا إلى الحملة الانتخابية التي خاضها ترامب، وانتبهوا إلى مغازلته المتعمدة لجميع مؤيدي فكرة تفوق العرق الأبيض والجماعات العنصرية البيضاء والجماعات المعادية للسامية”. اتساع نطاق الجدل داخل الولايات المتحدة بشأن مواقف ترامب التي اعتبرها البعض بمثابة غطاء سياسي للفكر المتطرف، دفع رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال جو دنفورد إلى إدانة العنف العنصري الدامي ليضم بذلك صوته إلى عدد من القيادات العسكرية التي شجبت الظاهرة. وصرح الجنرال دانفورد “يمكنني أن أقول لكم بشكل مطلق ولا لبس فيه إن لا مكان للعنصرية والتعصب الأعمى في الجيش الأميركي أو الولايات المتحدة ككل”. وأضاف أن القادة العسكريين “تحدثوا مباشرة إلى القوات وإلى الشعب الأميركي لتوضيح أن أي نوع من العنصرية والتعصب لن يكون له مكان، ولتذكير أفراد شعبنا بالقيم التي ندافع عنها في جيش الولايات المتحدة”. وتفرض التقاليد السائدة بالمؤسسة العسكرية ضرورة النأي والحياد في القضايا السياسية، إذ نادرا ما يبدي القادة العسكريون مواقف أو تصريحات تتعلق بالسجالات السياسية، وهو ما يؤشر بحسب المراقبين على عمق الجدل الداخلي الذي تشهده الساحة الأميركية بشأن قضايا التمييز والعنصرية والتي تعد مثار حساسية سياسية وحقوقية وقانونية واسعة. ويأتي تصريح الجنرال دانفورد في محاولة لحسم موقف الجيش الأميركي من تظاهرات الجماعات اليمينية والتي ارتدوا خلالها أزياء عسكرية أميركية. تداعي ردود الأفعال الغاضبة دفعت أبرز مسؤولي الإدارة الأميركية إلى النأي عن تصريحات الرئيس، حيث شدد كل من وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون على “أنه لا يوجد في أميركا مكان للكراهية والعنف”. ردود الأفعال لم تقتصر على الساحة الداخلية بعد أن تواترت تصريحات عدد من المسؤولين الأوروبيين والعواصم الغربية والتي عبرت عن صدمتها تجاه موقف الرئيس الأميركي، ما ينذر بأن انعكاسات الأزمة ستلقي بظلالها على العلاقات بين واشنطن وأبرز حلفائها. وعبرت القيادات السياسية في ألمانيا، التي تطبق قوانين صارمة ضد خطاب الكراهية وأي رمز مرتبط بالنازية، عن صدمتها من صور المتظاهرين وهم يحملون الصلبان المعقوفة ويرددون شعارات عنصرية. وندد وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال “بالخطأ الجسيم” الذي ارتكبه ترامب إذ “لم يميز نفسه بوضوح عن النازيين الجدد والعنصريين”. فيما شجبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل “العنف العنصري من اليمين المتطرف”. ووجهت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الأربعاء خطابا شديد اللهجة للرئيس الأميركي، مؤكدة أنها “لا ترى تساويا بين من يتبنون وجهات النظر الفاشية ومن يعارضونهم”، معتبرة ان على “الموجودين في مواقع المسؤولية التنديد بآراء اليمين المتطرف” وهو ما اعتبره الملاحظون مؤشرا على تحول في العلاقات بين الحليفين.
مشاركة :