رؤى تشكيلية فلسفية ترى الحمرة في الجسد والروح بقلم: ميموزا العراوي

  • 8/18/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

التشكيلي اللبناني شوقي يوسف في منتصف عام 2018 القادم، حيث أعلن عودته للعرض بعد ست سنوات من الغياب، غياب سترافقه دون شك تحولات فنية محتملة تعمق تبلور نظرته إلى الإنسان والإنسانية، والتي لم تخرج عما اقتنع به سابقا، ولكنها تبدي ميلا إلى التجريد أكثر فأكثر، إلى جانب إدخال الأشياء والجماد ضمن مادة التعبير عن الإنسان بشكل عام والآخر/الفرد بشكل خاص. ولد شوقي يوسف ثلاث سنوات قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في بيروت سنة 1973، ليدمغ عيشه في هذه المدينة النار والدخان ومبدأ التقوقع على الذات ليس هربا أو خوفا، بقدر ما هو تشكيلا لنواة فلسفية ترى الحمرة في الجسد والروح، كما تراها في الحياة واللذة، والموت والفناء ضمن عجينة عضوية واحدة غذت نصه الفني ولا تزال حتى الآن. وتخرج الفنان من الجامعة اللبنانية في بيروت عام 1994، ليظهر ميله الشديد في عدد من المعارض الفردية والمشتركة داخل لبنان وخارجه إلى استخدام وسائل مختلفة بينها المواد التلوينية المختلفة لا سيما المائية والرسم، والفيديو، والأعمال التركيبية/شبه النحتية وغيرها. أما معرضه الجديد فمن المتوقع أنه لن يكون بعيدا عن هذه الخلطة الشغوفة بالإلحاح على أفكار واحدة ريثما تخرج، أو تولد منها حالات وأحوال مغايرة. وقد يعتبر البعض الجنون حاضرا بقوة في قول إن نص الفنان هو ضرب من ضروب النص الصوفي، لكن الحقيقة تكمن في أن تعامل يوسف مع الجسد كمادة أولية مُتحدة مع الروح التي تحركها، يبدو في أغلب لوحاته كشعلات شبه محترقة بنار غامضة تمكنها من البقاء حية بالرغم من كل الموت الذي يحيط بها.كائنات شوقي يوسف البشرية تشبه الكائنات الناجية من ضغط أو صراع ما، كما تفعل عيدان الكبريت حين لا تقوم مادة الكبريت بواجب الاشتعال فالإحراق أو الاحتراق وما الغرابة في ذلك عندما نتذكر أن اتصالنا وتفاعلنا الأول مع العالم المحيط، يتمّان عبر أجسادنا التي يمكن اعتبارها الرئة التي نتنفس بها العالم، فالكون، فذاتنا التي تختصر في دقائقها عجائب تكوين العالم بأسره؟ يستطيع المرء أن يرى المراحل الزمنية والحركية/العصبية والمُشكّلة للأفكار التي دارت فيها “أجساد” الفنان المتحولة، إن صحّ التعبير، دورات كاملة غير متجانسة حول ذاتها قبل أن تتفكك وتتحلل وتتلوى أو تتمدد لتتمسك بالفراغ المحيط. ومعظم أعمال لوحاته ورسوماته هي أشبه بإعادة إنتاج متقطع لترقق شرايين ظاهرة وطواف نتف من أشلاء متفجرة تغلب عليها ثلاثة ألوان، الأسود والأحمر والأصفر. أسئلة عدة لا تبارح كل من نظر إلى أعمال الفنان، أهمها: بأي نار تشتعل تلك الأجساد؟ ولماذا تبدو في أحيان كثيرة مشتعلة من ذاتها وليس بسبب أي عامل خارجي؟ وما هي تلك النار التي تلذع ولا تستهلك كليا الأجساد، بل تنحتها في أشكال حيّة جديدة شاهدة على آمر ما؟ وما سر نصف الاحتراق هذا الذي يستعرض سهولة احتراقه من جهة وعدم قابليته للاحتراق كليا، فالترمّد كما كل الموجودات العضوية؟ لذلك، تماما، تشبه لوحات الفنان السابقة، وتلك التي تتحضّر في مرسمه الجوال دائما، عيدان الكبريت الخشبية وهي تشتعل وتتلوى وترقّق من طرف واحد لتأخذ كل تدرجات ألوان الاحتراق لا سيما الألوان الثلاثة التي ذكرناها آنفا، ليس هذا فحسب ما يحيلنا إلى تشبيه أعماله بعيدان الكبريت، هناك أيضا دقة العيدان وقابليتها للتكسر كما أجساده النحيلة التي تتكسر حينا لتخرج منها نثرات حادة، أو تظهر فيها تشققات وإن كانت رقيقة قبل أن تقترب منها فكرة أي لهيب. وتشبه كائنات شوقي يوسف البشرية الكائنات الناجية من ضغط أو صراع ما، كما تفعل عيدان الكبريت حين لا تقوم مادة الكبريت بواجب الاشتعال فالإحراق أو الاحتراق، كما يشبه رأس عود الكبريت الرأس البشري المتقد أفكارا على طرف الجسد، الجسد البشري الذي لم يملّ الفنان من رسمه في أحوال لا تُعد ولا تحصى، أما فعل شحط عود الثقاب الذي يترك أحيانا كثيرة خطوطا حمراء أو سوداء فحاضر كل الحضور في أعماله، وغالبا ما يكون مرتجا وله مسارات عدة في فضاء لوحاته ورسوماته على حد السواء.إذا كانت أعمال الفنان السابقة تنضح بالجراح والتهشم حتى التشويه، فأعماله الجديدة التي يشتغل عليها منذ فترة غير قصيرة لا تخرج من فلك الجسد البشري المتحول إذا كانت أعمال الفنان السابقة تنضح بالجراح والتهشم حتى التشويه، فأعماله الجديدة التي يشتغل عليها منذ فترة غير قصيرة لا تخرج من فلك الجسد البشري المتحول وفق ما يعتمل داخله وما يحدث من حوله، ولكن دخل إليها الترميز والإشارة أكثر من ذي قبل. وإذا تميز أسلوبه الفني في معارضه السابقة بما جرت العادة على تسميته بشبه التجريدي الإنسي، فإن الفنان في رسوماته الجديدة ينحى أكثر فأكثر إلى التجريدية الكاملة، حيث بات الجسد وكل ما يختلجه من تمزقات وأفراح على حد السواء لا تقل عنفا عن الجراح، هي أحوال عامة وتشمل كل عناصر الوجود. لا جدوى من إنكار التراجيدية التي ما زالت تسكن أعماله، كما لا يجب إغفال ما تستحضره من جديد، ليس بهذه القسوة، فالناظر إلى أعماله سيجده قد اعتمد مفردات من لغة الفوتوغرافيا، حيث لخاصية الغشاوة والتكبير الدور الرئيسي في فتح الباب على تأويل الأعمال بعيدا عن شبه الوضوح السابق الذي عُرف به إنجازه الفني، كما تميزت رسوماته الجديدة بإدخال غنائية خاصة تحيل من نظر إليها إلى عالم مجهري للأنسجة البشرية الحيّة التي يخترقها إيقاع الحياة ونبضها كقدر مُشع، خجول ومتردد ولكن يجدر الاحتفال به.

مشاركة :