شباب حراقة مفقودين تم عرض صورتهم خلال ندوة للهجرة غير النظامية بمهرجان الفيلم المتوسطي بولاية عنابة في ديسمبر (كانون الأول) 2015.«المجلة» الجزائر: ياسين بودهان* إحباط حرس السواحل أكثر من ألف محاولة هجرة غير شرعية خلال الشهرين الأخيرين. * المهاجرون الجزائريون في المرتبة التاسعة من الجنسيات الـ10 الأكثر تعرضاً للإيقاف في أوروبا. * يجني مهربو البشر عبر البحر الأبيض المتوسط ما يفوق 6 مليارات دولار سنوياً. في قوارب خشبية أو مطاطية، الأمر سيّان، المهم أن الغاية واحدة، وهي الوصول إلى الضفة الأخرى، حيث القارة العجوز، وحيث الحلم يتحقق في رحاب «الجنّة الموعودة»، في هذه القوارب القديمة تبدأ رحلة البحث عن المستقبل الزّاهر، والفرار من واقع لا أفق فيه، ولأن الرياح أحيانا تجري بما لا تشتهي السفن، فإن رحلة الأمل هذه غالبا ما تتحول إلى رحلة عذاب تنتهي بمأساة، في أعالي البحار، معلنة بذلك نهاية فصول رحلة قبل أن تبدأ. هي رحلة «قوارب الموت» التي تحمل سنوياً على متنها آلافاً من شباب الجزائر «الحرّاقة»، وهو المصطلح الذي يطلقه الجزائريون على الشباب الذي «يحرق» الحدود، محاولا اجتياز البحر المتوسط صوب أوروبا، بطرق غير شرعية، وسرّية. وفي مفارقة غريبة، تعاني الجزائر من تدفّق غير مسبوق للمهاجريين غير الشرعيين من 23 جنسية أفريقية، ممن فروا من لهيب الحروب وأزماتها، بحثا عن فرص كريمة للحياة، هي تعاني في الوقت ذاته من هجرة أبنائها بطرق غير شرعية نحو أوروبا، بحثا عن الهدف ذاته، وهو فرص كريمة للحياة. ورغم أن هذه الظاهرة، التي يقال إن الجزائر عرفتها مع نهاية الثمانينات مع بداية الأزمة الاقتصادية آنذاك، كانت بعيدة خلال السنوات الأخيرة عن دائرة الاهتمام الإعلامي، رغم أن تقارير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تقول إن عدد المهاجرين غير الشرعيين (غير النظاميين) بين يناير (كانون الثاني) 2009 ويونيو (حزيران) 2015 وصل إلى نحو 14 ألفاً، فإنها طفت مجددا إلى السطح، مع تواتر تقارير عن إحباط عدة محاولات خاصة على مستوى السواحل الشرقية للبلاد.إحباط نحو 1000محاولة هجرة غير شرعية خلال الشهرين الأخيرين وتشير بيانات حرس السواحل الجزائرية إلى تفاقم الظاهرة خلال النصف الأول من العام الحالي، وتشير الإحصائيات المسجلة في موقع وزارة الدفاع الجزائرية إلى إحباط حرس السواحل لأكثر من ألف محاولة هجرة غير شرعية خلال الشهرين الأخيرين فقط، أي شهري يونيو ويوليو (تموز) الماضيين. وكانت ولاية عنابة شرق الجزائر العاصمة مسرحا لآخر عملية، حيث أفشلت في السادس من أغسطس (آب) الحالي قوات حرس السواحل محاولات هجرة غير شرعية لـ62 شخصا كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع، وقبل يومين فقط من هذه العملية كانت قوات حرس السواحل قد أحبطت محاولة 93 شخصا كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع. وفي يوم 27 يونيو الماضي أحبطت محاولة هجرة غير شرعية لـ233 شخصا بعرض السواحل كانوا على متن قوارب تقليدية متجهين نحو السواحل الإسبانية والإيطالية. وفي تقرير صدر في 22 يوليو الماضي عن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) جاء أن «الهجرة غير الشرعية الجزائرية عبر البحر المتوسط تتواصل بالانتشار كالنّار في الهشيم»، وتقول المنظمة في تقريرها الذي تحوز «المجلة» نسخة منه إن «المئات لا يزالون يغامرون بحياتهم وحياة أطفالهم ومستقبلهم، أملا في حياة أفضل». وأشارت إلى أن «هذه الظاهرة تؤرق الحكومة الجزائرية، وهو الأمر الذي يتجلى من خلال رفع عدد الزوارق نصف الصلبة التي تستعمل في ملاحقة قوارب الحراقة في عرض البحر، ويتجلى أيضاً في استعمال طائرات مروحية لمراقبة السواحل بشكل أفضل، حيث تخضع السواحل الممتدة على طول 1200 كلم لمراقبة بحرية وجوية». وتشدّد الرابطة على أن حجم الظاهرة أكبر من المعلن عنه، ويشير محمود جنان الأمين الوطني المكلف بالجالية والعلاقات الخارجية للرابطة إلى أن «الإحصائيات الدقيقة تقول إن العدد الحقيقي يتجاوز ألف مهاجر غير شرعي خلال الفترة التي تم ذكرها، فيما كشف بأن عدد الموقوفين في عام 2016 قدر بنحو 1520 مهاجراً عبر المناطق الشرقية فقط من البلاد».يقف فرد أمن ليبي على متن قارب أثناء إنقاذ 147 من المهاجرين غير الشرعيين من بينهم جزائريين في محاولة فاشلة للوصول إلى أوروبا قبالة بلدة الزاوية الساحلية على بعد 45 كيلومترا غرب العاصمة طرابلس في 27 يونيو 2017. (غيتي) وبشأن تقديراتها لعدد المهاجرين الذين نجحوا في الوصول إلى الضفة الأخرى، تقول الرابطة إن «العدد يفوق سنويا 16500 شخص يصلون إلى السواحل الإسبانية والإيطالية، وينتشرون بعد ذلك في دول أوروبية كثيرة». وفي الوقت الذي قالت فيه الرابطة إنها لا تمتلك أرقاما دقيقة بشأن الذين ماتوا غرقا في عرض البحر، فإنها ذكرت أن نحو 6500 مهاجر غير شرعي يقبعون في سجون مراكز تجميع المهاجرين في كل من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا، مقابل وجود نحو 600 مفقود. وكشفت الأرقام الرسمية لوكالة مراقبة الحدود الأوروبية (فروتنكس) في تقرير حصيلة نشاطها لعام 2016، بأن هناك تزايداً لعدد «الحراقة» الجزائريين الذين تم توقيفهم في القارة الأوروبية خلال العام 2016 بنسبة 16 في المائة مقارنة مع العام 2015. وسجل التقرير نحو 17 ألفا و272 مهاجراً غير شرعي تم توقيفه عبر مختلف المنافذ الحدودية للدول الأوروبية في 2016، بينما كان العدد نحو 14 ألفا و498 حالة توقيف عام 2015. وحلّ المهاجرون الجزائريون في المرتبة التاسعة من حيث الجنسيات الـ10 الأكثر توقيفا في أوروبا بعد كل من أفغانستان والعراق وسوريا والمغرب وأوكرانيا وإريتريا وألبانيا وباكستان. وأشار التقرير إلى أن الوكالة أصدرت قرارات بالطرد والإبعاد في حق قرابة 10 آلاف مهاجر سري جزائري، في حين تشير بعض التقارير إلى أن الدول الأوروبية ترحّل سنويا أزيد من 5 آلاف مهاجر غير شرعي. وكان مجلس النواب الألماني قد وافق بالأغلبية على قانون مشروع يدرج الجزائر وتونس والمغرب على لائحة الدول الآمنة، وهي الخطوة التي تساعد السلطات الألمانية على ترحيل 26 ألف لاجئ من الدول المغاربية دخلوا إلى ألمانيا ضمن 1.1 مليون لاجئ عام 2016، كما يقيد حالات اللجوء مستقبلا من تلك الدول. ونقلت مجموعة صحف «فونكة» الألمانية نقلا عن مصادر وصفتها بالرسمية يوم الأربعاء 2 أغسطس الحالي أن السلطات الألمانية قامت بترحيل 166 مواطنا من الدول المغاربية الثلاث أي الجزائر تونس والمغرب، وأشارت إلى أن العدد تضاعف لثلاث مرات مقارنة بنفس الفترة من عام 2016 حيث لم تمس قرارات الترحيل أكثر من 398 شخصا خلال العام كله.المهربون وتفشي الفساد الإحصاءات السابقة مؤشر على تنامي عدد المهاجرين غير الشرعيين من الجزائر ومن دول المغرب العربي عموما تجاه أوروبا، وفي السياق حذّرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان من «تنامي تجارة البشر في البحر الأبيض المتوسط التي أصبح امتدادها يشكل خطراً على الدول النامية والفقيرة، وذلك بالانتقال إلى المهربين، والذين يجدون من تهريب البشر والاتجار بهم مكسبا ماليا يضاهي التجارة بالمخدرات». وحسب الرابطة «يجني المهربون، نحو 6 مليارات و800 مليون دولار سنويا، ونحو 60 ألف دولار أسبوعيا عبر البحر الأبيض المتوسط». وكشفت أن «تذكرة الهجرة غير الشرعية يقدر سعرها بين ألف إلى 10 آلاف دولار أميركي، وتختلف الأرقام حسب الدولة المصدرة للمهاجرين». ويكشف الأكاديمي الجزائري فؤاد بوقطة أن الهجرة غير النظامية في حوض المتوسط سجلت 270 ألف مهاجر عام 2014 مقابل مائة ألف مهاجر عام 2013. وانتقدت الرابطة السياسات الحكومية المتبعة لمعالجة هذه الأسباب اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وخصوصا في ظل ما قالت إنه «انتشار الفساد مع احتكار الثروة في يد فئة لا تتجاوز 10 في المائة من الأشخاص، الأمر إلى جعل البطالة تتجاوز 35 في المائة بين أوساط الشباب ما يدفعهم إلى الهجرة وركوب قوارب الموت». وتشير إحصاءات رسمية صادرة عن الديوان الوطني للإحصاء إلى أن نسبة البطالة لدى الشباب ما بين 16 و24 سنة تتجاوز 30 في المائة، فيما أفاد تقرير صدر حديثا عن مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية وهو مركز حكومي إلى أن ثلث الشباب (3,5 مليون شاب من مجموع 11 مليوناً بين 15 و29 عاما) لا يزاولون أي نشاط في سوق العمل بعد أن تركوا مقاعد الدراسة. وفي حديثه لـ«المجلة»، أبرز المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي والقيادي السابق في حزب جبهة القوى الاشتراكية أن «الحديث عن هجرة غير شرعية لمواطني دولة بترولية هو (أمر غير مقبول)، لأننا نتحدث هنا عن محاولة وصول هؤلاء إلى أوروبا بطريقة انتحارية». وفي الوقت الذي أكد فيه أن «الظروف الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الفساد والرشوة بشكل واسع وخطير أمور تدفع الشباب نحو ركوب قوارب الموت»، فإنه شدد على «ضرورة عدم حصر الظاهرة في هذه الأسباب فقط»، واعتبر أن «المعطى السياسي هو الأهم». ويعتقد أن «الفساد السياسي، والنظام غير الديمقراطي، الذي يقمع الحريات، ولا يسمح بالتغيير من خلال انتخابات نزيهة، ويسمح ببروز مجتمع مدني قوي، وأحزاب سياسية تقدم برامج تساهم في بناء مؤسسات دولة قوية، كلّها أسباب تشعر الشباب بعدم الحرية، وبعدم الشعور بالأمن في بلدهم، لذلك هم يفضلون قوارب الموت على البقاء في ظل أفق مسدود». واعتبر أن محاولة السلطات مكافحة الظاهرة من خلال تجريم الفعل، بإصدار قانون عام 2008 يعاقب المتورط في الهجرة غير الشرعية بالسجن لمدة ستة أشهر، هي خطوة لا تقدم ولا تؤخر في شيء، فلا يمكن برأيه لأي «تشريع قمعي أن يردع الشباب الحراق، لأنهم حينما يركبون الزوارق هم يعرضون أنفسهم للموت، وإذا كانت أخطار البحار لا تردعهم، فكيف لتشريع أن يصدهم عن المغامرة؟».وقود للحملات الانتخابية وفي الضفة الأخرى حيث حلم «الجنّة الموعودة» تبدأ فصول معاناة جديدة للمهاجرين غير الشرعيين، فبعيدا عن تعقيدات الحياة في ظل عدم امتلاك هؤلاء لوثائق إقامة تمكنهم من تحقيق الحلم الموعود، تحوّل ملف المهاجرين واللاجئين إلى وقود لمختلف الحملات الانتخابية لأحزاب اليمين المتطرف، ومن خلال خطابات ترفض الآخر، وتتدثر بالكراهية، وتجانب قيم التسامح الديني، والتعدد الثقافي واللغوي، حاولت الأحزاب اليمينية المتطرفة خاصة في هولندا وفرنسا استغلال ملف اللاجئين والمهاجرين لكسب أصوات الناخبين، من خلال استغلال الظروف الاقتصادية التي تمر بها تلك الدول وغيرها في القارة العجوز، ومحاولة إيهام الناخبين بأن اللاجئين والمهاجرين خاصة المسلمين يزاحمون الشعوب الأوروبية في أرزاقها في سيناريو مشابه تماما مع ما حدث خلال انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، والتي استعمل فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب فزاعة «خطر المهاجرين الأجانب» وبشكل خاص المسلمين العرب على الأمن القومي الأميركي. وتتهم الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي بعدم امتلاكه استراتيجية واضحة للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، مما يجعله يغلّب المقاربة الأمنية في التعامل مع المهاجرين، وقد ساهمت هذه المقاربة في «تأجيج مشاعر العنصرية وكراهية الأجانب، وتحول موضوع المهاجرين غير الشرعيين إلى وسيلة لجلب الأصوات في الانتخابات». وفي الواقع فإن قوة اليمين المتطرف لم تبرز وتطفو إلى السطح فقط في الدول المذكورة سابقا، ممثلة في زعيم حزب الحرية المتطرف في هولندا غيرت فيلدرز منتج الفيلم المسيء «فتنة»، الذي وصف المهاجرين المغاربة خلال حملته الانتخابية بـ«الحثالة» و«الرعاع»، بل ظهرت أيضاً في زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من ولوج قصر الإليزيه، بعد أن وصلت إلى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية، بل على العكس فقد تصدر موضوع المهاجرين واللاجئين اهتمامات الكثير من الأحزاب في دول أخرى مثل: ألمانيا وبريطانيا والنمسا والدنمارك والمجر والسويد واليونان وإيطاليا، وهي الأحزاب التي عقدت في يناير (كانون الثاني) الماضي مؤتمرا في ألمانيا لإقامة جبهة موحدة من أجل العمل على الدعوة لإقامة الدولة القومية، ووضع حد لسياسة استقبال اللاجئين. ففي ألمانيا حثّت رئيسة حزب البديل فراوكا بيتري قوات حرس الحدود الألمانية على توجيه أسلحتهم تجاه من يعبرون الحدود بطرق غير شرعية، كما طالبت بنقل المهاجرين الموجودين داخل الأراضي الألمانية إلى جزر خارج القارة الأوروبية. وفي السويد دعا الحزب الديمقراطي اليميني إلى فرض قيود كبيرة على الهجرة، وفي بلجيكا طالب الرئيس السابق لحزب المصلحة الفلمنكية المتطرف فيليب دي وينتر إلى طرد المهاجرين أو سجنهم، وفي إيطاليا قال ماثيو سالفيني زعيم حزب رابطة الشمال «لو كنت وزيرا للداخلية أو رئيسا للوزراء لوجهت إنذارا للمهاجرين بالمغادرة خلال ستة أشهر، وبعد ذلك أسوي الأرض بمخيمات الغجر».ظاهرة تاريخية وعالمية في حديثه لـ«المجلة» أكد الخبير في علم الاجتماع الدكتور يوسف حنطابلي أن ظاهرة «الحراقة» أو الهجرة غير الشرعية هي ظاهرة تاريخية كانت موجودة عبر أزمنة مختلفة، وأنها «ظاهرة لا تتحدد بجغرافيا معينة، رغم أن الغالب في الظاهرة أنها تحصل من الجنوب نحو الشمال، ومن البلدان المتخلفة نحو البلدان المتقدمة، وهذا ما كان يحدده البعد الاقتصادي، وفي بعض الأحيان البعد السياسي». ويشير إلى أن «هناك معطى آخر يضاف للمتغيرات السابقة، ويتعلق الأمر بمتغير الصراعات والحروب، والمتغير المناخي نتيجة التغيرات التي تحصل في مجال المناخ، وما يترتب عنه من جفاف، وبعض الكوارث الطبيعية، التي تحتم الهجرة بصفة عامة، ومن بينها النزوح الفردي والجماعي».قوارب خشبية من التي يستعملها الشباب للوصول إلى الضفة الأخرى(المجلة) وفي الحديث عن الجزائر، يقول حنطابلي: «نحن نتحدث عن بلد يقع في شمال أفريقيا، ودعنا نقول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط التي تقابلها الضفة الشمالية التي يهاجر إليها، وهي منطقة الوصول، وبالتالي فالجزائر تقع في منطقة تؤهلها لكي تكون بلد الانطلاق نحو الحرقة سواء كانوا جزائريين، أم أفارقة أتوا من الجنوب، والذين يأخذون الجزائر كبلد عبور، مما يفرز جماعات، وأحيانا تتشكل مافيا تعمل على استدراج الأفراد لاستهوائهم للحرقة، بهدف كسب الأموال»، مما يحدث صناعة أطلق عليها اسم «صناعة الحرقة». وعن الأسباب التي تدفع الشباب الجزائري إلى ركوب قوارب الموت، أكد حنطابلي أن «ثمة أسباباً كثيرة للظاهرة منها تشكل صورة ذهنية تقول إن الضفة الأخرى لها من الشروط التي تسمح للشباب من أن يعيش الحلم الذي لم يحققه في بلده، لذلك يفضل المغامرة نحو الممكن على أن يبقى في بلده». ولفت إلى أن وسائل الإعلام لعبت دوراً مهماً في التسويق لهذه الفكرة، وضرب مثلا ببرنامج كان يعرض في التلفزيون الجزائري الرسمي عنوانه « sans visa» أي «دون تأشيرة» يسوق لقصص ناجحة لمهاجرين في دول أوروبية مما خلق انطباعا لدى الشباب بأن تحقيق الحلم ممكن ولو بـ«الحرقة». وعن مدى جدوى الإجراءات التي اتخذتها السلطات الجزائرية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية مثل تجريم وسجن مرتكبها، قال إن «الإجراءات القانونية لا معنى لها، لأن الذي يقبل على الحرقة هو إنسان فقد الثقة، وفقد الاعتراف بالقوانين، ولا يرى أن تجريم الحرقة ذو معنى، فهو أساسا يجرّم المجتمع الذي لم يمنح له فرص الحياة الكريمة من عمل وسكن». وبالمقابل يعتقد أن الأسرة لا يمكن أن تكون وسيلة لكبح تيار الحرقة، لأن الشاب الحارق برأيه «يرى نفسه عبئا عليها فهو يخلّص الأسرة من عبئه سواء الأب أو الأم، وفي حالات الفقر يعتبر أن الحرقة هي وسيلة لإخراج الأسرة من العوز المادي، عندما يحقق ما يأمل في تحقيقه». وفي المحصّلة، يعتبر أن «ظاهرة الحرقة ظاهرة عالمية، ولا يكبحها إلا عدالة اقتصادية عالمية، والتفكير في نقل فرص العمل من الشمال نحو الجنوب، من خلال استثمارات في الخصوصية الاقتصادية لكل بلد». كما أن البعد السياسي برأيه «له دور كبير في منح الشباب فرص العمل، والمشاركة السياسية، من خلال حياة سياسية تغير الصورة الذهنية السيئة نحو بلدهم».
مشاركة :