وزير الطاقة السعودي خالد الفالح و وزير النفط العراقي جبار اللعيبي يعقدان مؤتمرا صحفيا مشتركا في منتجع جدة على البحر الأحمر في 10 أغسطس 2017(غيتي).• 14 أغسطس (آب) شهد افتتاح معبر عرعر الحدودي والموافقة على إنشاء المجلس التنسيقي السعودي – العراقي. • الملفات العالقة كثيرة، بينها أنبوب النفط العراقي في السعودية وتسيير خط جوي مباشر. • التبادل التجاري هزيل وإعمار الموصل مدخل للتطبيع التجاري. جدة: معتصم الفلو في أي مقاطعة سياسية بين بلدين، تكون هناك حسابات تجارية على طرفي المقاطعة، وهذا ينطبق على الحالة السعودية – القطرية، التي تشكل جزءًا من حالة المقاطعة السعودية – الإماراتية – البحرينية – المصرية للدولة القطرية. وبحكم رجوح التبادل التجاري (سابقا) بين السعودية وقطر لصالح السعودية، ذات الاقتصاد الخليجي الأضخم وصاحبة القاعدة الصناعية – التجارية متشعبة العلاقات والمصالح مع الدول الخليجية والعربية، يصبح البحث عن أسواق بديلة أمرًا حتميًا، وبخاصة أن «رؤية السعودية 2030» تعول كثيرًا على تعظيم الصادرات من غير النفط الخام. فهل تكون السوق العراقية بملايينها الثلاثين من المستهلكين ومشاريع إعادة الإعمار بديلاً للسوق القطرية ذات المليونين ونصف المليون مستهلك، وذلك في ظل تقارب متسارع بين الرياض وبغداد؟ماذا تقول الأرقام؟ في آخر تقرير رسمي سعودي صادر عن الهيئة العامة للإحصاء، بلغ حجم التبادل التجاري السعودي – القطري 2.29 مليار دولار، إذ وصلت قيمة الصادرات السعودية إلى قطر 1.81 مليار دولار في مقابل واردات بقيمة 480 مليون دولار، أي أن الميزان التجاري راجح لصالح السعودية بواقع 1.33 مليار دولار، وذلك للعام 2015. وتظهر تقارير الهيئة أن الميزان التجاري ظل راجحًا لصالح السعودية على مدار السنوات العشر السابقة للتقرير، فيما لم تختلف قيم التبادل للعام 2016 بحسب تقديرات غير رسمية. أما بالنسبة للتجارة البينية السعودية – العراقية للعام 2015، فإنها لم تتجاوز 493 مليون دولار. فقد صدرت السعودية بضائع وسلعًا بقيمة 490 مليون دولار في مقابل واردات من العراق بقيمة 3 ملايين دولار للعام 2015 كاملاً! ولكن أرقام هيئة الإحصاء السعودية أظهرت أن ذروة التبادل التجاري بين البلدين، بلغت ذروتها عام 2014 حين بلغت صادرات السعودية 915 مليون دولار في مقابل واردات لم تتجاوز 1.3 مليون دولار. وتظهر أرقام التبادل التجاري السعودي – العراقي أنها خجولة جدًا ولا ترقى إلى المستويات المطلوبة بين اقتصادين عربيين نفطيين، يتمتعان بحدود مشتركة وقوة شرائية هائلة. ولكن، حيث يوجد الضعف، يمكن تحويله إلى عنصر قوة، إذ تشكل تلك الإحصاءات فرصة ذهبية لإعادة النظر بهذه الأرقام الهزيلة ومضاعفتها. وإذا ما قورنت الأرقام السابقة مع حجم التجارة البينية بين العراق وإيران، والأخيرة دولة كبيرة في الإقليم ولها قاعدة صناعية – زراعية لا يستهان بها، سنجد أنها راجحة لصالح إيران، إذ يصل حجم التبادل إلى نحو 8.5 مليار دولار، وفقًا لأرقام أوردها السفير الإيراني في بغداد حسن دانائي فرز في مارس (آذار) الماضي. وترتكز الصادرات الإيرانية على المنتجات الغذائية والوقود والمنتجات البلاستيكية ومواد البناء والبتروكيماويات. أما الصادرات العراقية إلى إيران، فلا تتجاوز 60 مليون دولار.فرص ضائعة! مضى عقد التسعينات والعراق تحت حصار أممي كامل، باستثاء تجارة محدودة مع الأردن وإيران. إلا أن العام 1998 شكل نافذة ضوء للشركات السعودية لاستئناف التجارة السعودية مع العراق من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء. فقد نجحت الشركات السعودية في الحصول على عقود مع العراق بقيمة 1.07 مليار دولار سددت أثمانها الأمم المتحدة عبر صندوق النفط مقابل الغذاء الذي كانت تشرف عليه الأمم المتحدة. كما شهد مطلع الألفية وقبل غزو العراق، زيارات محدودة لرجال أعمال سعوديين إلى العراق لاستكشاف آفاق السوق العراقية. بعد احتلال العراق عام 2003، حصل فراغ تجاري كبير لم تملأه السعودية بحكم تأخر افتتاح سفارتها في بغداد، وظلت الصادرات تحوم حول رقم مليار دولار فقط طوال العقدين الأولين من الألفية. واستغل الإيرانيون والأتراك والسوريون والأردنيون الفراغ التجاري السعودي، فتضاعفت أرقام التبادل التجاري العراقي مع تلك الدول إلى أرقام قياسية. والحديث عن الفراغ يرجع إلى أن السعودية دولة ذات حدود طويلة مع العراق تصل إلى 820 كيلومتراً، ولديها تداخل قبلي وثقافي وسياسي هام، إلى جانب وجود الكثير لتقدمه في قطاعات كثيرة. لذا فإن تكثيف وجودها أمر حيوي للمملكة وتعميق لبعدها العربي، لا ينبغي تركه لدول أخرى في الإقليم، وبخاصة أن المنافع المتبادلة ستكون جمة.منافذ حدودية تنتظر في 14 أغسطس الحالي، جرى افتتاح منفذ عرعر الحدودي مع العراق بحضور السفير العراقي في الرياض رشدي العاني، والقائم بالأعمال السعودي في بغداد عبد العزيز الشمري. وهذا المعبر موجود منذ نحو 50 عامًا، إلا أنه أغلق عام 1991 عقب الغزو العراقي للكويت، لكنه كان يُفتح مؤقتًا على مدار السنوات الماضية لإدخال الحجاج القادمين من العراق. ولكن هذا ليس المعبر الوحيد بين البلدين، فهناك معابر أخرى مغلقة، ينبغي العمل جديًا على إعادة افتتاحها، وهي رفحاء والعويلقية وحفر الباطن، إذا كانت هناك رغبة جدية في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين لأنها ألف باء تدفق حركة البضائع والسلع بين البلدين؛ فمثلا، توجد 8 منافذ حدودية بين العراق وإيران، تشمل منافذ الشيب وزرباطية والمنذرية ومندلي والشلامجة وحاج عمران وبنجوين وبرويزخان، وجميعها معتمدة لنقل ودخول البضائع المختلفة. وهناك 3 معابر حدودية بين سوريا والعراق هي اليعربية (تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية) والبوكمال (يسيطر عليه داعش) ومعبر التنف (تسيطر عليه الحكومة السورية). وهناك منفذ طربيل بين العراق والأردن ومنفذ إبراهيم الخليل مع تركيا.أنبوب النفط العراقي مع اشتداد حمى الحرب العراقية – الإيرانية أواسط الثمانينات، اقترحت بغداد على الرياض إقامة أنبوب نفطي يربط حقول البصرة بميناء ينبع السعودي لتسهيل عمليات تصدير النفط. وبالفعل، جرى تنفيذ الأنبوب مع خزانات نفط عملاقة في ينبع، وبدأت عملية ضخ النفط العراقي في سبتمبر (أيلول) 1989 بطاقة 1.65 مليون برميل يوميًا، إلا أنها توقفت كليًا بعد عام بالضبط عندما احتل العراق الكويت في أغسطس 1990. وصار هذا الأنبوب موضع خلاف بين البلدين في العقود الثلاثة التي تلت الغزو، إذ تعتبره الحكومات العراقية مكتسبًا وطنيًا، فيما تعتبره الحكومة السعودية جزءًا من سداد دين سعودي قديم على العراق أيام صدام حسين، يبلغ 25 مليار دولار، لم يتم حله حتى الآن. ويمكن للسعودية الاستفادة من رسوم التصدير والصيانة في حال جرى الاتفاق على إعادة تشغيله، لكن يبدو أن هذا الأمر بالذات يحتاج إلى الانتهاء من ملف الديون والتعويضات المستحقة للسعودية على العراق.إعادة إعمار الموصل خلّف تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي مدينة يلتهم الدمار أكثر من 60 في المائة منها. وبعيدًا عن أحاديث بعض السياسيين العراقيين أخيرا عن تقديم السعودية عرضًا للعراقيين بإعادة إعمار الموصل، مقابل الانحياز لصالح محور المقاطعة ضد قطر، يبدو مشروع إعادة الموصل فرصة ذهبية للشركات السعودية لبيع وتسويق منتجاتها، وبخاصة في مجال الإعمار والبناء والمقاولات، سيما في ظروف التباطؤ الاقتصادي الذي يواكب انخفاض أسعار النفط.انطلاقة واعدة ما من شك أن الزيارات المتبادلة التي بدأت بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في فبراير (شباط) الماضي كانت فاتحة التطبيع السياسي بين البلدين، حيث تلتها زيارات لكبار المسؤولين والزعماء العراقيين إلى المملكة. لكن التطبيع التجاري وخلق أسواق بديلة للسوق القطرية، يحتاجان إلى عمل جاد. ولعل الخطوة الأولى للدخول إلى الحلبة العراقية، تبدأ بتعيين سفير سعودي في بغداد والتركيز على أعمال الملحقية التجارية التي يرتكز عملها على رصد الفرص التجارية وتسهيل حركة الوفود التجارية والصناعية بين البلدين. كما أن افتتاح الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، وهو أمر يجري العمل عليه حالياً، سيفتح آفاق السياحة الدينية في الحرمين الشريفين، إلى جانب تسهيل حركة رجال الأعمال بين البلدين في ظل وجود جالية عراقية مقيمة في السعودية، يبلغ تعداد أفرادها أكثر من 70 ألفًا، جزء منهم رجال أعمال ومستثمرون. وتأتي موافقة مجلس الوزراء السعودي في 14 أغسطس الحالي على إنشاء المجلس التنسيقي السعودي – العراقي خطوة ذات مغزى لقادم الأيام بين بلدين عربيين لهما ثقلهما الاقتصادي على الساحتين الإقليمية والعالمية.
مشاركة :