بيروت – أنديرا مطر | كتاب «رهاب الإسلام ورهاب اليهودية، الصورة في المرآة» لمؤلفه إيلان هاليفي وترجمة سناء الساروط، والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يدعو إلى إعادة التفكير في رهاب الإسلام (الاسلاموفوبيا). ويقترح لإعادة التفكير هذه زاوية قرابة بين رهاب الإسلام ورهاب اليهودية. ذلك لأننا لا نستطيع مقاربة رهاب الإسلام الحالي، مقاربة حقيقية، من دون المرور ولو مواربة بمعاداة السامية. من هو هاليفي؟ مؤلف الكتاب ايلان هاليفي يهودي فرنسي من مواليد مدينة ليون 1943، انتقل إلى فلسطين عام 1967 والتزم القضية الفلسطينية. ناضل في صفوف مجموعات اليسار الثوري المعادي للصهيونية قبل أن يصبح أحد نائبي وزير الخارجية في السلطة الوطنية الفلسطينية وسفيراً لفلسطين في دول عدة. صدرت له بالفرنسية الكتب التالية: «المسألة اليهودية، القبيلة، الشريعة، المجال»، «إسرائيل من الإرهاب إلى مجازر الدولة»، و«تحت إسرائيل: فلسطين». الابنة تتبنى والدها للكتاب هذا مقدمتان: الأولى كتبتها ابنة المؤلف مريم هاليفي التي تتبنى والدها وأفكاره بعد موته، فيما كتب المقدمة الثانية آلن غريش رئيس تحرير مجلة لوموند دبلوماتيك. في مقدمتها تستعرض ابنة هاليفي المحطات الأساسية في سيرة حياة والدها. فتكتب أنه كثيراً ما وُصف بأنه مثقف ملتزم وعصامي ومغرم بالحياة والموسيقى والرقص على غرار السود في أميركا. وهو يهودي فلسطيني في خياره السياسي والثقافي. أما أبوه فكان بلا جنسية وأصبح فرنسياً بعد انتمائه إلى الجبهة الشعبية الفرنسية لمقاومة الألمان عام 1936 في الحرب العالمية الثانية. ولد ايلان في مركز للبريد استعمل مخبأً لأسلحة المقاومة الفرنسية التي انخرط فيها والداه وطاردتهما الشرطة الفرنسية، فحمل الابن اسما مستعاراً قبل أن يبدله أيضا إلى ايلان هاليفي في نهاية الستينات من القرن الماضي. تصفه ابنته بأنه أسمر الوجه، أجعد الشعر، وفي المدرسة كان واحدا من مجموعة الغرباء: الأفارقة، العرب، وسكان جزر الهند الغربية. من خلال الموسيقى والشعر تجاوز ايلان هاليفي أغلال الهويات وانطلق نحو العالم فأصبح على علاقة بجان بول سارتر وسيمون دوبوفوار وشارك في تحرير مجلة «الأزمنة الحديثة» وكتب فيها. تعلم الإنكليزية مع موسيقيي الجاز الذين مروا بمدينة باريس. وفي عمله السياسي تقرّب من حركة «الفهود السود» التي ناضلت في سبيل استقلال الدول الافريقية (خصوصا الجزائر). ثم سافر إلى مالي وتقرب من المعارضة السينغالية وتعرف إلى رجلي الاقتصاد سمير أمين وايلي لوبل وعمل في برامج إذاعية قدّم فيها موسيقى الجاز وتاريخ العبيد الافروأميركيين. لقاؤه بعالم الاجتماع أمادو همباطي هو الذي أقنعه بالعدول عن اعتناق الإسلام. في مدينة الجزائر عمل في الترجمة والصحافة وهناك اكتشف المركزية السياسية للصراع الإسرائيلي – العربي. وبعد تجوله مناضلاً في حركات النضال العالم ثالثية وصل الى إسرائيل عام 1967، وأصبح صديقاً لكل من سليم تماري وليلى شهيد. اليهودي الفلسطيني بعد حرب 1967 انضم الى جماعة ماتزبن الاشتراكية الثورية اليسارية المتطرفة، وبعد عمله في الزراعة وفي الطباعة أصبح سكرتيراً لإسرائيل شاحاك (اليهودي البولندي الناجي من المحرقة النازية والمحاضر وعالم الكيمياء في الجامعة العبرية). لكن هاليفي ما لبث ان عاد إلى أوروبا في عام 1975 والتقى هناك بممثلي منظمة التحرير الفلسطينية. وفي بيروت تعرف الى «أبو جهاد» (خليل الوزير) و«أبو اياد» (صلاح خلف) وياسر عرفات. وقد موله أبو جهاد لتأسيس مجلة عن القضية الفلسطينية في باريس تعاون فيها مع نادية بن جلون. نظّم في باريس (1977) اللقاء الرسمي الأول في الخارج الذي ضم فلسطينيين وإسرائيليين مناهضين للصهيونية، منهم الفيلسوفان فيلكس غاتاري وجيل دولوز. وبعد توقيع اتفاقيات السلام بين الفسطينيين والإسرائيليين انتقل الى رام الله ومن ثم إلى بيروت عام 2006. وبين 2007 و2010 عين مستشارا دبلوماسياً للبعثة الفلسطينية في برلين. توفي هاليفي في باريس 10 يوليو 2013، وقد كتب صديقه فاروق مردم بك قائلاً: «ان أفضل توصيف لإيلان هاليفي هو ما كتبه بنفسه في وصف صديقه فيليكس غاتاري: كان أممياً غير اعتيادي». صناعة الإسلاموفوبيا في كتابه عن ظاهرة الإسلاموفوبيا يعتبر هاليفي أن رهاب الإسلام ليس سوى انمساخ متأخر لمعاداة السامية وتحول وراثي استعماري. وهو موجود بشكل كلّي في الخطاب العام وفي سياسات الدول. وقد اشتد بسبب الجرائم الفعلية التي اقترفتها باسم الإسلام حفنة من الجماعات والمنظمات المرتبطة ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بدول تحركها. رهاب الإسلام بحسب هاليفي مثل توأمه، أي رهاب اليهودية. وهو الشكل الجديد للوباء العنصري ولانتعاش فيروس اجتماعي معروفة خطورته وهو ناشط حالياً على مستوى عالمي. اليساري الدولي تبدو تجربة هاليفي الفكرية والسياسية والثقافية الشديدة التنوع والتي ساحت به مناضلا عالمياً قبل أن توصله الى فلسطين، تبدو هذه التجربة مقلع أفكاره في هذا الكتاب. وهو في هذا نموذج لليساريين الدوليين الثوريين في الستينات من القرن الماضي، والذين ناصروا القضية الفلسطينية وانخرطوا في منظماتها السياسية والعسكرية: من أميركا وأوروبا واليابان، ومن البلدان العربية أيضا. لكن اللافت ان هاليفي وأمثاله من اليهود الأوروبيين اليساريين اعتنقوا القضية الفلسطينية على نحو يشبه الاعتناق الوطني، كأنما النضال الفلسطيني في عرفهم يختزل النضال العالمي كله.
مشاركة :