في طلب الرزق نذلل لأنفسنا الصعاب ونتعود على تناول الإفطار أو السحور خلف مقود الشاحنة أو على قارعة الطريق أو في أي مكان يحين فيه الوقت، وأحيانا تبعا لظروف ركابنا أو الحمولة التي ننقلها ومدى سرعة وتأخير تسليمها، في الوقت الذي يحرص فيه غالبية أرباب الأسر للحصول على إجازة وراحة من مشقة العمل ولم شتات بعضهم على مائدة واحدة، إلا أن حال آخرين تختلف، فهم على سفر دائم بحثا عن اللقمة الشريفة والكسب الحلال. يقولون بصوت واحد (نحن على يقين تام بأن الله هو مقسم الأرزاق)، ويضيف أصحاب الشاحنات العاملة على طريق تبوك ضباء الدولي، وقد التقيناهم قبل الإفطار بقليل، أن كل شيء مقسوم ومسطر. ولاحظت «عكاظ» انشغالهم في اللحظات القليلة التي تسبق الأذان بتجهيز مأكولاتهم. منزل متحرك يقول عبدالله أبو متعب الحويطي (46 عاما): منذ 25 عاما وأنا أقود الشاحنات، أتنقل بين مدن ومناطق المملكة وخارجها أيضا، وفي هذه الأوقات من كل عام تحول الظروف بيننا والإجازة، تارة نبدأ صيامنا في الجوف ونفطر في الدمام، ومرات نتسحر في تبوك ونفطر في الليث أو المظيلف. ونستغل الوقت في قطع شوط كبير من المسافة، وعندما يحل وقت الإفطار تقف الشاحنات على جانب الطريق ونصنع طعامنا ونجهز المشروبات الباردة. من أين يحصلون عليها، يجيب الحويطي: الشاحنات مزودة بالبرادات والغاز (عزبة مكتملة) فمن المستحيل أن تجد شاحنة بلا ثلاجة وعزبة، وهذه الميزة لن تجدها إلا في الشاحنات بسبب سفرنا المستمر سواء في رمضان أو غيره. تعودنا على صنع الطعام بأنفسنا ونجد الكثير من فاعلي الخير يقومون بتوزيع وجبات إفطار صائم عند نقاط التفتيش أو الإشارات. دموع على المائدة في مواقف الشاحنات التقت «عكاظ» بمجموعة من سائقي سيارات الأجرة ممن يقضون الأوقات بعيدا عن منازلهم وأسرهم، ويذكر مصلح أبو نايف (59 عاما) أنه يزاول مهنة قيادة سيارة أجرة منذ 34 عاما يتنقل بين المدن المختلفة بحثا عن لقمة العيش. وأضاف: لم أصم رمضان مع أولادي منذ 14 عاما، أحمل فراشي وعزبتي في سيارتي وأنام وقت ما يأتي النوم وآكل في أقرب حديقة، ودائما أتذكر تجمع أسرتي في المناسبات. محمد أبو عبدالله صاحب شاحنة متوسطة، ذكر أن علاقته طويلة من الشاحنات والطرق السريعة، والفترات التي يقضيها السائقون تستمر لعدة أيام في الرحلة الواحدة، مشيرا إلى أن الشاحنات وأصحابها يتمتعون بقوه تحمل عجيبة. ويذكر أنه في إحدى المرات كان ينقل بضاعة من مدينة تبوك إلى مكة المكرمة، ومضى على أسرته في مكة بوقت إذ لم يتوقعوا حضوره عندما حان أذان المغرب ووجد الجميع على مائدة الإفطار وفشل في مغالبة دموعه وهو يرى أطفاله وأهله على المائدة بعد غياب طويل، وتوافد أبنائه وأحفاده في وقت واحد لمنزله، إلا أنهم اعتادوا على غيابه بسبب طلب الرزق، وكان حضوره المفاجئ بلسما لجراحهم. وأضاف: «حاولت الهرب من أسئلة أحفادي عن سبب غيابي عن مائدة الإفطار، ولكن لقمة العيش الحلال هي الإجابة الكافية». ويرى أبو عبدالله، أن الشاحنات هي صديقة العمر وسبب الرزق بعد الله رغم ما يجده المسافر مع مشقه في السفر، مشيرا إلى أنه لم يسبق له الالتحاق بالوظيفة ولكنه يملك العديد من الشاحنات أسهمت في تكوين أسرته وستر حاله بالحلال. وقال: إنه يحصل يوميا على دخل يزيد ويقترب من 1300 إلى 4000 آلاف ريال للرحلة الواحدة.
مشاركة :