تتوجه أنظار عديد من الاقتصاديين وكبار المستثمرين إلى الأرجنتين، فخلال أقل من أسبوع من الآن قد تواجه البلاد أزمة اقتصادية حادة، لن تقف حدودها عند الاقتصاد المحلي، وإنما يمكن أن تمتد بسهولة إلى اقتصادات أمريكا اللاتينية الأخرى. فالأرجنتين حتى الآن تبدو عاجزة عن سداد التزاماتها المالية الدولية للمرة الثانية خلال 15 عاما، وهو ما يطرح تساؤلات كبرى حول كفاءة الاقتصاد الوطني لأحد أكبر اقتصادات أمريكا الجنوبية. وقد لجأت بوينس آيرس للقضاء الأمريكي لحل مشاكلها مع دائنيها، وعلى الرغم من حصولها على حكم "إيجابي" بأن تواصل اللقاء بدائنيها بصفة مستمرة، للتفاوض من أجل التوصل إلى حل الأزمة، إلا أن الحكم اعتبر أن مبلغ 832 مليون دولار التي اقترحت الأرجنتين دفعها لدائنيها من حاملي السندات غير قانونية، لأنها لم تتضمن أيضا مبلغ 1.5 مليار مطلوبا بموجب حكم قضائي سابق. وقد صرح فريق الدفاع الأرجنتيني أن بوينس آيرس لن تستطيع توفير هذا المبلغ بنهاية الشهر الحالي، ويصف الدكتور مارك رجنتتون الرئيس السابق لقسم الأبحاث والدراسات في البنك الدولي، والمتخصص في اقتصادات أمريكا اللاتينية الأزمة بقوله، "إن الأرجنتين لن تفلح في الوفاء بتعهداتها المالية، فهي تخوض نزاعا قضائيا مع عدد كبير من المستثمرين من حملة أذونات الخزانة، وترفض دفع المستحقات المالية واجبة السداد عليها عن الفترة من 2001 إلى 2002، وتعتبر أن هؤلاء المستثمرين انتهازيون، وفي الحقيقية فإن وزارة المالية الأرجنتينية، تخشى أنها في حالة التزامها بالدفع فإن ذلك سيحرك مستثمرين آخرين للادعاء بأنهم حصلوا على أقل مما يستحقون". ويزيد القضية تعقيدا أن بيونس آيرس ترفض حتى الآن الالتزام بقرار سابق للقضاء الأمريكي يطالبها بالسداد لجميع الدائنين، وتحديدا المستثمرين السابقين الذين يرفضون القبول بالمبالغ المالية التي منحتها لهم الأرجنتين، التي وافق عليها عدد كبير من حاملي أذونات الخزانة، وهو ما يؤكد أن الأرجنتين ستعجز في الأغلب الأعم عن سداد ما عليها من تعهدات مالية. وأول ملامح تداعيات الصراع بين الأرجنتين ودائنيها، كانت خشية المستثمرين الأجانب من الاستثمار في الاقتصاد الأرجنتيني، وأعلن رسميا عن دخول البلاد حالة الركود، فمعدل النمو خلال الربع الأول من العام الحالي لم يتجاوز 0.8 في المائة، بينما خفضت قيمة العملة بـ 20 في المائة ورفع سعر الفائدة، وتشير أغلب التوقعات حاليا إلى أن معدل التضخم ربما يصل هذا العام إلى 40 في المائة. وسط هذه المصاعب يتوقع أرنالدوا مات الأستاذ المساعد في جامعة لندن والمتخصص في الاقتصاد الدولي وضعا صعبا ستواجهه الأرجنتين بنهاية هذ العام، ولـ "الاقتصادية" يؤكد أن عدم قدرة بيونس آيرس على سداد تعهداتها المالية سيؤدي إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية إلى الصفر تقريبا، وسيتم وقف كل خطوط الائتمان التجاري الدولية التي تقدم للأرجنتين، وسيصبح الحصول على العملات الأجنبية شديد الصعوبة، خاصة الدولار الأمريكي وهو ما سيضع ضغوطا ضخمة على البيسو "العملة الأرجنتينية". وتقاوم الأرجنتين دفع المستحقات المالية للمستثمرين في مجال سندات الخزانة، من منطلق أن سداد تلك التعهدات سيضع ضغوطا حادة على احتياطي النقد الأجنبي، الذي سيضع بدوره ضغطا على العملة المحلية. ويقترح البعض الآن أن تقوم بيونس آيرس بتعويض المستثمرين بمنحهم مزيدا من أذونات الخزانة، إلا أن آخرين يشككون في نجاعة هذا الحل، فالمتاح من أذونات الخزانة الأرجنتينية حاليا ضخم للغاية، وهذا يعيق من جاذبيتها للدائنين. ومع هذا فإن حصول الأرجنتين على التمويل لن يحل مشاكل العجز لديها، فخلال الربع الأول من هذا العام فقط بلغ العجز المالي 1.85 مليار دولار أمريكي، وليس هناك من مخرج حقيقي غير كبح الحكومة للإنفاق العام وهي مهمة صعبة سياسيا وربما لا تأتي أيضا بنتائج اقتصادية تذكر.
مشاركة :