أكد نائب الرئيس التنفيذي في شركة «بوز ألن هاميلتون» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نبيه مارون، أن تدني أسعار النفط دفع دول الخليج إلى إعادة النظر في خططها التنموية، وإدخال مفهوم إدارة المخاطر على إستراتيجيات التخطيط في إداراتها الحكومية. وذكر مارون في مقابلة مع «الراي»، أن الأزمات الاقتصادية التي ظهرت في السنوات الثلاث الأخيرة، أظهرت المستوى المتدني من قبل دول مجلس التعاون للتعامل مع المخاطر التي تطول قطاعات حيوية مثل القطاع المصرفي والغذاء والمياه وغيرها. وفي هذا السياق، بيّن مارون أن التنسيق بين الجهات الحكومية والشركات والمواطنين، يسهم في تعزيز القدرة الوطنية على تخطي الأزمات. وهنا نص المقابلة: • كيف تقيّمون قدرة دول الخليج على تخطي الأزمات؟ إن عصر تدني أسعار النفط الذي بدأ في منتصف العام 2014 وما تلاه من توقّعات اقتصادية غير مؤكدة، دفع بلدان الخليج العربي لإعادة النظر في خططها التنموية، وإدخال مفهوم إدارة المخاطر في قدراتها الحكومية في شؤون التخطيط. واليوم، أصبحت «القدرة على تخطي الأزمات» هدفاً كثيراً ما يتكرر الحديث عنه، من قبل قادة الحكومات في بلدان الخليج العربي، ولكنه غالباً ما يتم الخلط بينه وبين الجهوزية للتعامل مع حالات الطوارئ. ولا شك في أن القدرة الوطنية على تخطي الأزمات، هي أكثر من القدرة على الاستجابة لصدمات محددة والتعافي منها، بل تشمل القدرة على توقّع ومنع وإدارة العديد من المخاطر، التي يمكن أن تؤثر على مختلف مكوّنات البنية التحتية الحساسة، وتهدد بالتالي الاستقرار الاقتصادي. وفيما أتاحت السنوات الثلاث الماضية فرصة اختبار مدى قدرة بلدان الخليج العربي على الاستجابة للصدمات الاقتصادية، فقد أبرزت كذلك المستوى المتدني للاستعداد العام من قبل الحكومات، للتعامل مع أنواع أخرى من المخاطر التي تطول قطاعات حيوية أخرى، كالمياه والغذاء والقطاع المصرفي والاتصالات. وأشاد صندوق النقد الدولي بالمملكة العربية السعودية لبرنامجها المتعلق بالرؤية 2030، واصفاً ذلك بصيحة في التوقيت المناسب لإنشاء نظام مالي أكثر استعداداً لمواجهة الأزمات في المملكة. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، قد كشفت هي أيضا عن رؤى تنموية طويلة الأمد، ووضعت إستراتيجيات إنمائية وطنية على أساس تلك الرؤى. وفي حين دعت تلك الخطط لتسريع عملية التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط، إلا أنها أتت في فترة كانت أسعار النفط فيها مرتفعة، ولم تؤكد بما فيه الكفاية ضرورة زيادة القدرة على تخطي الأزمات في القطاعات الحيوية للاقتصاد. ولا شك أن الموجة التالية من الرؤى الوطنية والبرامج الحكومية، ستشمل نهجاً أكثر انتظاماً لتضمين أهداف وإمكانيات القدرة على تخطي الأزمات، وحماية البنية التحتية الحساسة، وإدارة التهديدات ذات الأهمية الوطنية على نحو استباقي. • برأيكم ما أبرز العوائق أمام وجود تخطيط أفضل لتخطي الأزمات خليجياً؟ - بهدف تحسين التخطيط للقدرة على تخطي الأزمات في حكومات بلدان الخليج العربي، لا بد من تنسيق ودمج القدرات على تحديد وإدارة المخاطر في كل القطاعات. فلنأخذ الأمن الغذائي الوطني كمثال، إذ إن الحفاظ على غذاء كامل وصحي لكافة السكان يعتمد على سياسات سليمة تعزز الاستدامة والتكامل في التخطيط والعمليات عبر قطاعات الماء والطاقة والنقل والتجارة والمال والصحة والعمل. ونشير هنا إلى ميل الوزارات المسؤولة عن كل قطاع، إلى النظر في المخاطر المحتملة التي يمكن أن تعرّض بنيتها التحتية للخطر، كما تعرّض استمرارية العمليات، من دون تخصيص الاعتبار الكافي لتأثيرات تلك المخاطر على القطاعات الاخرى. فعلى سبيل المثال، كيف يؤثر إغلاق الموانئ لفترة طويلة على قدرة البلاد على استيراد السلع الغذائية الأساسية؟ أو كيف يؤثر انقطاع الكهرباء في المرافق العامة على سلسلة تخزين المواد الغذائية الباردة وما ينتج عنها من خطر على الصحة؟ ولكننا نشير هنا إلى أن التنسيق الأفضل بين الجهات الحكومية ليس هو المسألة الوحيدة، إذ ينوط بالشركات والمواطنين أحياناً، تأدية دور أساسي في تعزيز القدرة الوطنية على تخطي الأزمات، شريطة أن تكون الحوافز متناغمة. كما يمكن للشركات الخاصة المشاركة بفعالية مع الحكومة، لضمان استمرارية التوريد عبر العديد من القطاعات البارزة، إذا ما أتاحت لهم تلك الأخيرة ضمانات مالية مناسبة. ومن جهتهم، يستطيع المستهلكون تحقيق إدارة أفضل لاستهلاكهم، في حال حققوا مستويات كافية من الوعي حول مخاطر معينة وفي حال كانت القوانين فعّالة. ولمعالجة هذه الحواجز، ينبغي أن يبدأ تخطيط القدرة على تخطي الأزمات من القمة، بينما يؤدي مركز الحكومة الدور الرئيسي في تحديد الترابط بين القطاعات، ووضع المبادئ التوجيهية لإدراج الاعتبارات المتعلّقة بالقدرة على تخطي الأزمات ضمن إستراتيجيات وخطط الوزارات، وإرساء الحوكمة السليمة لتنسيق تحديد المخاطر عبر القطاعات وتقييمها، واستمرارية العمليات وإدارة حالات الطوارئ. • ما أبرز المعايير الخاصة بكل قطاع لتخطي الأزمات؟ - هناك عدد من المعايير التي يمكن أن تقاس بها قدرة المؤسسات أو القطاعات على تخطي الأزمات، فعلى سبيل المثال، «بازل 3» هو إطار العمل التنظيمي العالمي الذي يحدد قدرة القطاع المصرفي على تخطي الأزمات، كما تم إصدار معيار حديث في مارس 2017) تحت اسم «أيزو (ISO) 22316 لقدرة المؤسسات على تخطي الأزمات المبادئ والسمات»، ويستهدف كل المؤسسات، العامة أو الخاصة من أي حجم ونوع، ولا يرتبط بأي قطاع محدد. وينطلق «أيزو 22316» من المواصفات السابقة الموضوعة من قبل المعهد البريطاني للمعايير، تحت اسم «توجيه المعيار البريطاني 65000 لقدرة المؤسسات على تخطي الأزمات». وعلى الرغم من كون هذه المعايير توفّر مبادئ وإجراءات وأدوات قوية، لتعزيز قدرة المؤسسات أو القطاعات على تخطي الأزمات، فإنها تقصّر في مساعدة الحكومات على تعزيز القدرة على تخطي الأزمات على المستوى الوطني. ونؤكد هنا أن هذه المعايير الدولية ليست مصمّمة، لتقييم أوجه الترابط بين القطاعات والبنية التحتية الحساسة في المدن أو المناطق أو على المستوى الوطني. علاوة على ذلك، تمثّل هذه المعايير الحد الأدنى الذي يمكن بلوغه، فتصبح عملية تبني أكثر الممارسات صرامة متوقّفة على تقدير صنّاع القرار، وهي ليست محددة للقطاعات بل مبنية على مبدأ أو إجراء، وتتطلّب معايرة لخصائص القطاع أو البنية التحتية المحددة عند تطبيقها. • هل تبنت أي من دول الخليج العربي إطار عمل«أروب» لتخطي الأزمات؟ - حتى اليوم لم تبادر أي من دول الخليج إلى اعتماد مؤشر «أروب»، نشير هنا إلى أنه على الرغم من أن العديد من مدن الشرق الأوسط لم تدرج في المؤشر، إلا أنها انضمت بالفعل الى شبكة «أروب» (Arup) حول «المدن المئة القادرة على تخطي الأزمات»، وبدأت بتطبيق إطار العمل المحدد للقدرة على تخطي الأزمات. وتشمل هذه المدن عمّان (الأردن)، وجبيل (لبنان)، والأقصر (مصر) ورام الله (فلسطين)، وقامت كل منها بتعيين مسؤول عن القدرة لتخطي الأزمات، مهمّته جمع المعنيين بالمسألة من مختلف الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة والمجتمع المدني، لتطوير إستراتيجية القدرة على تخطي الأزمات خاصة بالمدينة ومن ثم تطبيقها. ونحن في «بوز ألن هاملتون» نساند عملاءنا من الحكومات لاختبار قدرتهم الوطنية على تخطي الأزمات، وقد أجرى فريقنا في بلدان الخليج العربي، العديد من عمليات المحاكاة والتمارين لاختبار المخاطر التي تؤثر على البنية التحتية الوطنية الحساسة، وتعزيز التنسيق بين مختلف المعنيين، من القطاعين العام والخاص. ونشير هنا إلى أننا دعمنا العديد من صنّاع القرار في المنطقة لتطوير إستراتيجيات الأمن المائي والأمن الغذائي، وخطط القدرة على تخطي الأزمات في قطاعات النقل والطاقة والاتصالات والصحة، واستمرارية العمل الحكومي، وإنشاء وتطوير قدرات الهيئات الوطنية لإدارة حالات الطوارئ.
مشاركة :