يبدأ مسلسل «الجرف الصامد» ببداية مشوقة، حينما اعلنت اسرائيل عن البدء بعملية «الجرف الصامد» رداً على أكثر من 40 صاروخاً أطلقت من غزة، 30 منها سقطت داخل إسرائيل بينما تمكنت مضادات الصواريخ الإسرائيلية من إسقاط الباقي، فارتكبت مجزرة في خانيونس موقعةً 11 شهيداً فلسطينياً، ومجزرة في عائلة كوارع موقعة 7 شهداء وأصابت 28. واستمرت حلقات الرقص الاسرائيلي حلقة تلو الاخرى تمثل على دماء وأشلاء الاطفال في قطاع غزة. فوفقا لتقرير إدارة الصحة الفلسطينية أن العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة حتى الآن (الاربعاء الموافق 23 يوليو 2014) أدت إلى مقتل 650 مواطنا فلسطينيا وإصابة أكثر من 3720 شخصا بجروح. وأعتقد أن الرقم أكثر من ذلك بكثير نظرا إلى الفوضى التي تسود قطاع غزة. ولا تزال القوات الاسرائيلية تحصد في الابرياء ولا تزال المدفعية الإسرائيلية تهدم البيوت وتقصف المنطقة بشكل عنيف. فى خضم هذه الاحداث المريرة ضد اهلينا في غزة، ثلاث رسائل احببت في عجالة ان ارسلها الى اطراف الصراع مخضبة بحناء الحزن في قدميها وفي راحة يديها. الرسالة الاولى الى شعب غزة الأبي بصدره العاري الذي يواجه ابشع واقبح الاجرام بآلة عسكرية عمياء ترتكب اعظم المجازر ويواجه اشد حصار بل اعتداء على الكرامة الإنسانية، منذ عام 2006 بمنع الماء والهواء وغلق جميع المعابر، هذا الشعب قد سطر للتاريخ اعظم ملحمة للصمود لم يفقد لحظة واحدة الأمل في الحرية والعيش بكرامة. الا اني استدرك فأقول يا شعب غزة الأبي أليس فيكم رجل رشيد لمواجهة تعنت حركة حماس بوقف اطلاق النار وايقاف سيل الدماء وقبول المبادرة المصرية. فنريد رجلا رشيدا يقلل درجة حماستها ويزيد درجة رشدها لنصل الى معادلة «أولي الأيدي والأبصار». وقد ذكرت في مقال سابق ان فرض الشروط لا يكون الا بامتلاك اوراق القوة وحماس ليس لديها الا صواريخ هشة لا تفرض توازنا ولا تغير معادلة. فالله سبحانة وتعالي يقول (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) فإذا كان الله سبحانه استخدم التهديد والقوة على بني اسرائيل لأخذ العهد عليهم فهل يتخيل لحماس ان تفرض شروطها بدون أوراق قوة سوى ظاهرة صوتية بنغمة تركية. الرسالة الثانية: هي الى مجلس الامن، هذا المجلس الذي يجب ان يتحمل مسؤولياته لوقف المجازر التي ترتكب في قطاع غزة بحق الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. كدت أصعق من شدة الحنق وانا أشاهد بيان مجلس الامن يوم الاثنين بعد ان وافق على عقد جلسة طارئة وهو يعرب عن «قلقه الشديد إزاء العدد المتزايد من الضحايا» في قطاع غزة، وجدد دعوته من أجل «وقف فوري للأعمال العدائية». وهل هناك اكثر غضبا وحنقا من هذا، مجلس تحول الى صفوف المتفرجين لما يشهده القطاع من مآس وآلام وقصف للبيوت وتدمير كل شيء. فتساءلت وأنا متأكد من الجواب: هل حان الوقت الى عملية شاملة لإصلاح هذا المجلس حتى يقوم بدوره وينتقل من دور المتفرج الى دور الفاعل والقيام بمهامه التي تراعي مصالح جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. فضعف المجلس هو الذي ادى الى تمادي إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني العزل. الرسالة الثالثة الى حماس: إن مصر كانت وما زالت الحاضنة للقضية الفلسطينية بكافة حيثياتها وتفاصيلها. فعلاقة مصر بالقضية الفلسطينية علاقة طويلة خضبت بالدماء وسطرت بالبطولة، وان محاولة دول اقليمية كتركيا وغيرها استغلال الظرف المصري الصعب ومحاولة حرف البوصلة وإيجاد نقطة نفوذ هناك ستبوء بالفشل. وبالتالي أرى أن المبادرة المصرية هي الإطار لوقف إطلاق النار في غزة وعلى حماس الموافقة عليها وأن التعنت الحمساوي لن يؤدي الا الى زيادة الضحايا والقتل ومزيد ومزيد من الدماء. فالمبادرة المصرية ليست «ركوعا وخنوعا» وإنما مبادرة تتسم بكثير من الواقعية في ظل المتغيرات السياسية المتسارعة بالعالم العربي.
مشاركة :