شهدنا في الأيام القليلة الماضية حالتين متعاقبتين من التعصب والكراهية بوجهيهما الطائفي والعرقي. الأولى بعد وفاة الفنان عبدالحسين عبدالرضا، يرحمه الله، عبر تغريدات عدم جواز الدعاء للفنان الكبير والترحم عليه. والثانية في الرياض حين تعرض طبيب سوداني إلى رشق بالشتائم وعبارات الكراهية والاستعلاء العرقي من أحد المواطنين. على إثر الحالة الأولى، بادر عدد من المثقفين والأدباء الى تحرير بيان أبدوا فيه الاعتذار الى الشعب الكويتي الشقيق وتعزيته في وفاة الفنان الكبير، والتنديد بذلك الموقف الناضح بالكراهية والطائفية. وأشار البيان الى ضرورة إصدار قانون يُجرّم الكراهية والسلوكيات العنصرية ويعاقب عليها. كان الموقعون محقين في مطلبهم، وأتفق معهم على أهمية سن هذا القانون. لكنني أعتقد أن القوانين وحدها لا تكفي، ولن تؤدي الى تلاشي واختفاء الكراهية والتعصب والتمييز بأنواعه من الوجود. واهما أكون لو اعتقدت بتحقق ذلك. القوانين لن تزيل الكراهية، كل ما ستفعله هو دفعها إلى التخفي. القوانين لوحدها ستؤدي إلى خلق حالة نفاق جماعية على امتداد الوطن، ليكون الظاهر مختلفا عن المضمر والمكبوت. القوانين ستدفع الى التنكر والتقنع حمايةً للذوات، وبث سموم الكراهية والتعصب في الخفاء. القوانين وحدها ستؤدي الى خلق ظاهر من المحبة والمساواة والتسامح، وباطن آسن من التزمت والتعصب والتمييز حسب العرق والدين والاقليم..إلخ. القوانين ببساطة تدفع الكراهية الى إخفاء نفسها تفاديا للعقاب، ولكن لا تستأصلها تماما. مواجهة «خطاب الكراهية» لا تكون بالقوانين والعقوبات فقط، بل لابد أن يوازيها مشروع وطني حقيقي لاقتلاع ثقافة التعصب والإقصاء والاستعلاء العرقي وتدمير الحواضن التي ينشأ فيها وينبعث منها خطاب الكراهية. بدون هذا المشروع ونجاحه، فإن الكراهية باقية، ستخفي بالأقنعة وجهها القبيح، لكن لا تلبث أن تكشفه عندما تكون في مأمن من العقاب. سؤال: هل الموقعون على البيان أنقياء تماما من التعصب والتمييز بأنواعه العرقي والطائفي والقبلي والطبقي؟ شخصيا لا أستطيع الإدعاء بالنقاء الكامل. هذا ما يجعلني أؤمن بأن القوانين وحدها لا تكفي، ولا بيانات المطالبة بمعاقبة دعاة الكراهية! لا بد من مشروع وطني لاجتثاث ثقافات الكراهية والعنصرية والتمييز بتعدديته وهدم حواضنها. كيف؟ هذا هو السؤال!
مشاركة :