براءة ذئب الـ «سوشال ميديا» من دماء «قطيع» كتب الورق

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عند الاستماع إلى نقاشات عربيّة عن وقائع معاصرة في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، يرد إلى الذهن سؤال من نوع: ما هي الأرقام التي طالعها المتناقشون (ربما الأصح وصفهم بالمتناقرين، استناداً إلى غياب تقاليد النقاش المجدي عن شاشات الإعلام العربي)، قبل انخراطهم في الجدال. مثلاً، لم تعد الشاشات العربيّة تذكر المُدوّنات الإلكترونيّة ومؤلّفيها («بلوغرز» Bloggers) في النقاشات عن الانترنت، كأن تلك الظاهرة ميتة. وفي مواقع الاحصاءات على الانترنت، يظهر وجود ما يزيد على ثلاثة ملايين مدوّنة إلكترونيّة وفق إحصاء منتصف آب (أغسطس) 2017، مع ملاحظة أنّ الرقم ربما ارتفع قليلاً عند نشر المقال. وتغيب الأرقام بشكل ملفت عند النقاش الذي بات ممجوجاً، عن الكتاب الورقي، خصوصاً علاقته مع تنامي ظاهرة الـ «سوشال ميديا»، إذ غالباً ما يطيب للكُتّاب العرب النوم على حرير إلقاء الملامة على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتنامي ظاهرة الكتاب الإلكتروني، كأسباب للتراجع المستمر في أحوال كتبهم. هل تؤيد الوقائع ذلك النوم الكسول؟ وإذا قيل لأولئك الكُتّاب «لم لا تروج كتبكم؟» قالوا: «إنها الإنترنت». وإذا قيل للكُتّاب العرب: «لماذا لا يقرأ العرب ما تكتبون في صحفكم الورق يوميّاً؟» قال رهط المثقفون: «إنّها الـ»سوشال ميديا» والأخبار المتهاطلة على الهواتف الذكيّة». ماذا لو قيل لهم بكل بساطة، «أنتم واهمون». ربما يجب الاكتفاء بكلمة «واهمون» لأنه تجب مراعاة الأصول قليلاً، أما الحديث الصريح فلربما استخدم كلمات ثقيلة الوطأة تنأى السطور بنفسها عنها، وربما يكون هناك شيئاً كثيراً من اللياقة إذا قيل لهم أيضاً: «أنتم لا تقرأون»! لماذا تبدو الكلمات السابقة المملوءة بالشجار والانفعال؟ لأنه على مدار عقدين، لم تكف ألسن معظم مثقفي العرب والمشتغلين بالحرف والكتابة والقلم ولوحة المفاتيح، عن إلقاء اللوم على الانترنت في ظاهرة تدني نسبة القراءة في الدول العربيّة، خصوصاً الأجيال الشابة. لو كان ذلك المبرر صحيحاً لكان أولى بالدول المتقدّمة في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة أن «تعاني» من قلة القراءة للكتاب الورق. مثلاً، لو كان انتشار الانترنت والوسائط الرقمية والأجهزة الذكيّة المحمولة كالـ»تابلت» والخليوي، هو السبب في قلّة قراءة الكتب الورق، لتوجّب أن تكون أميركا في طليعة من هجر الورق إلى الإلكتروني. لكن، الأرقام تكذب ذلك الافتراض كليّاً، وتالياً تكذّب الأرقام نواح مثقفي العرب على اختطاف الانترنت والهاتف الذكي والـ «تابلت» عيون القراءة، خصوصاً الشباب. وقبل فترة غير بعيدة، ظهر تقرير إحصائي موسّع على موقع «مركز بيو للبحوث»، يشير إلى أن القراءة تتم بكثافة في «بلاد العم سام» التي هي مقر ثورة المعلوماتية ومستقرها المكين، بل يشدّد على أن قراءة الكتب الورق لا زالت في صدارة عادات القراءة في الولايات المتحدة. قبل الدخول إلى تفاصيل التقرير، ربما يجدر حكّ الرأس قليلاً. هل كانت الكتب الورق تقرأ بكثافة قبل الإنترنت في العالم العربي، حتى نحمّل الانترنت مسؤولية اندثار تلك «العادة» الرائعة؟ كم عدد الروايات ودواوين الشعر التي تجاوزت عشرات الآلاف في الطباعة، على مدار تاريخ اتصال العرب بالكتاب المطبوع؟ ثمة استدراك واجب بشأن مثل مهم في عوالم الكتب الورق عربيّاً. يتمثّل الأمر في كون سلسلة «عالم المعرفة» تطبع ما يتراوح بين أربعين وخمسين ألف نسخة من كتبها، وهو رقم يكاد يعتبر قياسيّاً في المؤلّفات المطبوعة. في معظم الدول العربيّة، لا تطبع أفضل الروايات والكتب ما يزيد عن عشرة آلاف نسخة، إلا قليلاً ممن رحم ربي! ولأن الأرقام شيء نادر في دول العرب، يصعب الخوض في مسألة كعدد من يرتادون المكتبات العامة في مدنهم، ولندع جانباً مدى انتشار تلك المكتبات عربيّاً. في المقابل، ترافق التقرير عن عادات القراءة في الولايات المتحدة، مع بحث استقصائي أجراه «مركز بيو للبحوث» يُظهِر أن مواطني المدن والبلدات الأميركيّة يعتبرون وجود المكتبات العامة بكتبها الورقيّة (وكذلك أجهزتها الإلكترونيّة، وأدواتها المتصلة مع الإنترنت) من الأمور الأساسيّة المهمّة.   نقاش سيئ عن وسائط متباعدة الأرجح أن أحد أسوأ المناحي في النقاش العربي عن قراءة الوسيط الورقي، هو المقارنة المباشرة بين الورق والشاشات الإلكترونيّة. من وجهة نظر ميديولوجيّة، يصعب تماماً تبرير تلك المقارنة، بالأحرى يصعب تبرير أن تكون مقارنة مباشرة، لأن الأمر يتعلّق بوسيطين مختلفين كليّاً، والمساحات التي «يتقاطعان» فيها، تبرهن على أنهما ظاهرتان مختلفتان أساساً، وإلا لما حدث ذلك «التقاطع» أصلاً! في مثل واضح، ليست مستساغة المقارنة المباشرة بين مشاهدة المسرح ومعدل القراءة اليوميّة على شاشات الأجهزة الإلكترونيّة المحمولة. لماذا يكون مستساغاً إجراء مقارنة مباشرة بين الشاشات والورق؟ ربما يغري التشابه في المحتوى (خصوصاً النصوص المكتوبة)، لكن يجدر التنبّه دوماً إلى أن الأمر يتعلّق بوسيطين مختلفين، بينهما مساحات متقاطعة، ومن الممكن إجراء كثير من المقارنات غير المباشرة بينهما. أما الذهاب مباشرة من أحدهما إلى الآخر فهو أمر مخادع، على غرار القول بأن انتشار قراءة الشاشات «أدّى» إلى الانصراف عن قراءة كتب الورق.

مشاركة :