إسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي المحبوس في مصر بقلم: أحمد حافظ

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

300 شخص من النخبة المصرية تضامنوا مع صاحب مبدأ التعدد الثقافي هو السبيل الوحيد لمواجهة الإرهاب.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2017/08/20، العدد: 10728، ص(8)]تكنوقراطي بـ22 دكتوراه أراد سرعة الإنجاز فوقع في المصيدة القاهرة - إسماعيل سراج الدين، رئيس مكتبة الإسكندرية السابق والمحكوم عليه بالسجن ثلاثة أعوام ونصف العام، صار رمزًا لفتح باب نقد الأحكام القضائية في مصر على مصراعيه من شدة إيمان أنصاره ببراءته وصدمتهم في اتهامه بإهدار المال العام، ويُعدّ هذا الهجوم الشديد على القضاء سابقة لم تكن موجودة بمصر سوى في أضيق الحدود. جاء حكم القضاء بحبس سراج الدين، رئيس مكتبة الإسكندرية السابق، ليثير صدمة قوية في الأوساط المصرية استدعت خروج بيانات دعم وتأييد له من مختلف الفئات لما يمثله الرجل من قيمة علمية وفكرية وثقافية رفيعة، فضلا عن المناصب المهمة التي شغلها خارج مصر قبل رئاسة المكتبة. سراج الدين (73 عامًا) ربما يكون الشخصية الوحيدة التي حوكمت بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحظيت بهذا الدعم غير المسبوق من النخبة بمختلف انتماءاتها السياسية والفكرية، ولم يعتد المصريون أن يجرؤ مسؤول أو شخصية عامة في أيّ مجال على انتقاد حكم قضائي ضد شخص بعينه مثلما حدث معه منذ لحظة الحكم عليه نهاية يوليو الماضي، ومازالت تتوالى الكتابات وبيانات التأييد لصالحه في مختلف وسائل الإعلام المصرية. لم يسبق أن وقّع نحو300 شخصية عامة من السياسيين والمفكرين والكتاب والأدباء والشعراء والأطباء وممثلي الأحزاب وسفراء ووزراء سابقين وأساتذة جامعات ورؤساء نقابات مهنية على بيان استنكار لمحاكمة شخصية مصرية، مثلما جرى مع سراج الدين، وقال هؤلاء إن ما حدث يتنافى مع علمه وخلقه وأمانته خلال مسيرته التي قضاها خارج مصر في مناصب عدّة، وحتى طوال الـ15 عامًا التي قضاها مديرًا للمكتبة الشهيرة. وكان لافتًا جدًا ذلك البيان الذي أصدرته مجموعة مختلفة تمامًا فيما بينها، من حيث الانتماء الفكري والسياسي تأييدًا لسراج الدين. هذا البيان جمع بين أحمد درويش رئيس هيئة تنمية قناة السويس السابق، ومشيرة خطاب مرشحة مصر لمنصب مدير عام اليونسكو، ومحمد العرابي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وأحمد عكاشة عضو المجلس الاستشاري برئاسة الجمهورية، ونجيب ساويرس الملياردير المعروف، وطارق حجي الليبرالي صاحب فكرة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومحمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق، ومحمد إحسان عبدالقدوس الكاتب الداعم للإخوان، وعبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية المؤيد للإخوان. بلغت درجة مساندة الرجل صاحب مبدأ “التعدد الثقافي هو السبيل الوحيد لمواجهة الإرهاب”، أن مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية الحالي والذي خلف سراج الدين في المنصب بقرار من رئيس الجمهورية، أصدر بيانًا عن نفسه وجميع العاملين بمكتبة الإسكندرية انتقد فيه صدور حكم حبس سراج الدين، ووصف الأمر بأنه يعطي صورة سلبية عن الوضع في مصر من خلال استهداف شخصية عالمية مثل هذا الرجل. انتقاد أحكام القضاء دائمًا ما كان يأتي من قبل معارضين للنظام في السياسة والإعلام، بينما الحاصل حاليًا أن لهجة نقد الحكم القضائي الصادر ضد سراج الدين أصبحت تتعالى يومًا بعد آخر بين الجميع، وباتت غير محدودة إلى درجة أن هناك من كتب بصحف حكومية “ومن قال إن أحكام القضاء مقدّسة؟”.حكم القضاء بحبس سراج الدين، رئيس مكتبة الإسكندرية السابق، يثير صدمة قوية في الأوساط المصرية استدعت خروج بيانات دعم وتأييد له من مختلف الفئات لما يمثله الرجل من قيمة علمية وفكرية وثقافية رفيعة، فضلا عن المناصب المهمة التي شغلها خارج مصر قبل رئاسة المكتبة المكتبة حلم سراج الدين سراج الدين تخرج من جامعة هارفارد الأميركية في عام 1972 ثم التحق للعمل بالبنك الدولي وتدرّج في المناصب حتى أصبح نائبًا لرئيسه عام 1993، واستقال بعد 7 سنوات ليرأس مكتبة الإسكندرية، وكان قد شغل إلى جوار منصبه بالبنك الدولي جملة من المناصب الأخرى، بينها رئاسة المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية والمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء واللجنة الدولية للمياه في القرن الحادي والعشرين. عندما اختير لرئاسة المكتبة قال “المكتبة كانت حلمي ولها وقع خاص بوجداني ولولاها ما تركت منصبي الدولي، فأنا لي هدف في الحياة أن يكون في مصر صرح علمي وثقافي وفكري تستطيع من خلاله أن تنفذ إلى العالم لتصبح بلادي ملتقي للحوار المنفتح على جميع الثقافات والفنون الرفيعة والراقية”. مُنح سراج الدين 22 درجة دكتوراه فخرية في مختلف المجالات العلمية والثقافية والآداب والاقتصاد من كبرى الجامعات العالمية، وقام بتأليف أكثر من 50 كتابًا في تخصصات عديدة، فضلا عن تحرير نحو 200 مقالة وبحث تقنى في العديد من مجالات العلم والثقافة والأدب، وطوال رئاسته لمكتبة الإسكندرية لم ينخفض عدد زائريها سنويًا عن مليون شخص من مصر ومختلف دول العالم، وعيّنه إبراهيم محلب رئيس الوزراء المصري السابق مستشارًا ثقافيًا له، ولم يكن يحصل على أيّ مقابل مادي. نشأ سراج الدين لعائلة معروفة بالثقافة والطب، فهو نجل المهندس المعماري أنيس سراج الدين وابن عم القطب الوفدي فؤاد سراج الدين، ووالدته هي ليلي إبراهيم أستاذة الآثار الإسلامية بالجامعة الأميركية وابنة رائد الطب المصري علي باشا إبراهيم، وتعلّم في المدارس الحكومية وتحمّل مسؤولية أسرته منذ الصغر بعد رحيل والده وهو في المرحلة الإعدادية. له فلسفة خاصة في الحياة منذ صغره، حيث لم يرث عن والده هواية صيد الأسماك لاعتراضه على قسوة مهاجمة “سلام الحياة المائية وسكانها بعمليات الصيد”، لكنه ورث عنه عشق الماء وألّف كتابًا عن الشُعب المرجانية أطلق من خلاله استغاثة دولية لحمايتها، ثم فوجئ بإطلاق اسمه على أحد أنواعها في الموسوعة العالمية، ومن بعدها كان صاحب أول الأصوات التي نجحت في إدراج قضية المياه في أجندة التنمية الدولية. كان أول من تنبأ من العلماء بحروب المياه وقال قبل 35 عامًا “إذا كانت حروب هذا القرن على النفط فإن حروب القرن القادم ستكون على المياه”، حتى أنشأ المجلس العالمي للمياه، ثم تولى رئاسة اللجنة الدولية للمياه التي جمعت أكثر من 100 منظمة و15 ألف شخص عضوا فيها. أثار الانتباه دفاعه عن نفسه بكلمات مقتضبة بعد لحظات من صدور حكم حبسه من محكمة الجنح حيث قال في بيان نشره على حسابه الشخصي على فيسبوك “لقد قدمت لمكتبة الإسكندرية الكثير، وتبرّعت لها بما يزيد على 3 ملايين جنيه من مالي الخاص، وقدمت لها من مكتبتي الخاصة ومكتبة والدتي نوادر الكتب لكي تخدم الباحثين المصريين”. وزاد على ذلك بالقول “حرصت دائما على حماية المكتبة والشباب المصري الذي يعمل بها. نعم لا يجوز التعليق على أحكام القضاء، لكنّي أود أن أحيط كل الأصدقاء علمًا بأنني عبر سنوات طويلة من خدمة الوطن كنت دائما حريصا على الصالح العام، وشرفت بأن أتولى بناء مكتبة الإسكندرية كمؤسسة مصرية خالصة سرعان ما حصلت على اعتراف دولي، لكن كان للبعض في سرعة الإنجاز وسرعة البناء رأي، وفي النهاية نترك الحكم للتاريخ، والشهادة لمن عاصروا هذه التجربة”.السيسي اختار مكتبة الإسكندرية لعقد المؤتمر الوطني الرابع للشباب بها قبل بضعة أسابيع، وأشاد بما أنجزه سراج الدين طوال فترة رئاسته لها فخ مخالفة القانون قضية سراج الدين تدور حول أنه طرح أحد المشروعات المهمة التابعة للمكتبة بالأمر المباشر منه هو شخصيًا دون طرحه في مناقصة كما ينصّ على ذلك القانون، وكانت وجهة نظره الرغبة في عدم تضييع الوقت وسرعة الإنجاز، إلا أنه أوقع نفسه في فخ مخالفة القانون بأن فضّل شركة بعينها دون بقية الشركات. المؤيدون له يرون أنه أراد التعامل بأسلوب الإدارة الأوروبي والابتعاد عن الروتين الإداري المصري، ولم يفرّق بين عمله كباحث وعالم ومثقف وعمله كرجل إداري لأنه شخصية تكره البيروقراطية وترفض أن تسير وفق قوانين معقدة عفا عليها الزمن وآثر أن يغرّد خارج السرب. هؤلاء يقولون إن الأزمة هي نفسها أزمة كل مسؤول مصري راغب في العمل والتطوير السريع لكنه ما يلبث أن يصطدم بالنواحي الإدارية المعقدة التي تعيقه عن عمله، ويشيرون إلى أنه لم يعتد أن تشل حركته أو أن يكون بطيئًا في قراراته فكان يسارع الوقت دائمًا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وتعظيم شأن المكتبة لتكون في صدارة مكتبات العالم وتضاهي مكتبة الكونغرس الأميركية حسبما كان يردد دائمًا. لكن على الجانب الآخر فإن القانون هو القانون ولا ينظر إلى تاريخ أحد ولا تعنيه المكانة العلمية ولا الدوافع التي دفعت المسؤول للقيام بهذا الفعل أو ذاك حتى وإن كان يمتلك من المبررات ما يكفي لتبرئته، إنه “القانون” الذي لا يقرّ إلا الأوراق الرسمية التي أمامه. ورغم تسليم الكثيرين بحقيقة وجوبية احترام القوانين والأحكام إلا أن شخصيات دولية تتمتع بسمعة ومكانة مرموقتين سارعت إلى صياغة بيان مماثل لبيان الشخصيات المصرية، تعدّى عدد الموقعين عليه المائتي شخصية أجنبية ضمت البعض من أكبر العقول في العالم، ومن بينهم نحو 20 من الحاصلين على جائزة نوبل في مختلف المجالات، وجميعهم أدانوا ما جرى مع سراج الدين، ما زاد من حرج مصر دوليًا. الأكثر من ذلك ما ذكره الكاتب المصري محمد سلماوي في صحيفة الأهرام الحكومية بأنه تلقى مكالمة هاتفية من أحد الكتاب الفرنسيين المخضرمين أخبره خلالها بأنه ومجموعة من كبار الشخصيات الفرنسية الذين يعرفون سراج الدين على استعداد تام للحضور إلى القاهرة لتقديم شهاداتهم في حقه أمام المحكمة، كما تلقى سلماوي مكالمات من شخصيات عربية تعلن مؤازرة الرجل وتدين اقتصار دعمه داخليّا على شخصيات مصرية فقط دون العربية والأفريقية والدولية. مع السيسي وضد الإسلاميين مطالعة حساب إسماعيل سرج الدين الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تشير إلى علاقات وثيقة له مع رؤساء كثير من الدول والحكومات والبرلمانات والعلماء، حيث يظهر في كثير من الصور مع زعماء دول يبادلونه الترحاب بحفاوة شديدة، حتى وُصف بين النخبة في مصر بأنه “صديق الزعماء”، الأمر الذي قد يتسبب في مزيد من الحرج للحكومة المصرية خارجيًا. البعض من المثقفين المصريين يقولون إن الحكومة لم تكن طرفًا في تلك القضية، وإن الأمر هو بين سراج الدين والقوانين، فما الذي يمكن أن تفعله الحكومة؟ إن الجميع يعرف أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نفسه كان دائم القول بأن سراج الدين منارة علمية يجب أن تستفيد منها مصر طوال الوقت، ولا ينسى كثيرون ذلك اللقاء الذي جمع السيسي وسراج الدين على طاولة واحدة قبل 3 أشهر بقصر الاتحادية الرئاسي، وقال له الرئيس يومها “الوطن يحتاج إلى كل أبنائه ونحن نتطلع إلى جهد الدكتور والعالم الجليل سراج الدين امتداداً لعطائه السابق وسوف نتوقع إسهامه في بناء مستقبل مصر في ظل مرحلة جديدة بفكر مختلف”.سراج الدين صاحب مشروع أراد لمكتبة الإسكندرية به أن تكون رمزا للتنوير، فقد آثر كثيرا أن يساهم في تجديد الخطاب الديني (الصورة من احتفال مكتبة الإسكندرية بكسوة الكعبة) وقد لا ينسى آخرون أن السيسي اختار مكتبة الإسكندرية لعقد المؤتمر الوطني الرابع للشباب بها قبل بضعة أسابيع، وأشاد بما أنجزه سراج الدين طوال فترة رئاسته لها بعدما حوّلها إلى منارة عالمية للعلوم والثقافة والفنون، حتى صدر حكم حبسه بعد المؤتمر بأيام قليلة. اعتاد سراج الدين على الثبات على الموقف مهما بلغت درجة رفض الآخرين لآرائه، ويشيرون إلى أنه هو الذي أنصف سوزان مبارك زوجة الرئيس الأسبق حسني مبارك في أوج غضب الرأي العام عليها ومحاكمتها بتهمة الفساد المالي والإداري إبّان ثورة 25 يناير، وقال “إنها تعرضت لظلم بيّن وسوف يحكم التاريخ عليها بالخير”. وعُرف عنه أنه شخصية تعادي تيارات الإسلام السياسي، ويرى أنها تريد احتكار الدين لأغراض مشبوهة، وتُنصّب نفسها متحدثة باسم الله في الأرض، وحتى قبيل حكم جماعة الإخوان لمصر، وقت أن كان يرأس مكتبة الإسكندرية في العام 2012، لم يخش قوة نفوذهم السياسي في الشارع، وقت أن كانت قوى سياسية وأحزاب تدعمهم للحفاظ على مصالحها، وقال إنهم سوف يخرّبون البلاد وسيكونون أسوأ من النموذجين الإيراني والتركي في الحكم. ولأنه كان يريد لمكتبة الإسكندرية أن تكون رمزًا للتنوير، فقد آثر كثيرًا أن يساهم في تجديد الخطاب الديني وسحب البساط من احتكار المتطرّفين له، ما حدا به لمساندة المؤسسات الدينية الرسمية، الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، بإعداد برنامج تجديد ديني متعدد الأوجه ومختلف ليحلّ محلّ خطاب التطرف ويعتمد على مفاهيم التعددية والانفتاح على كل ما هو جديد وعدم تقديس الموروثات القديمة. صحيح أن الحكم على سراج الدين ليس نهائيًا، ومن الوارد بقوة إلغاؤه في الاستشكال المُقدم منه أمام المحكمة، لكن حتى لو حصل على البراءة فإنه سوف يجعل أيّ شخص كفء يفكّر ألف مرة قبل تولي أيّ منصب قيادي مستقبلًا، وسوف يجعل- أيضًا- أيّ مسؤول مصري يفكر ألف مرة في أن يكون شجاعًا في اتخاذ القرار أو التوقيع على أوراق مهمة ربما زجّت به إلى غياهب السجون بعد رحيله.

مشاركة :