لا أدري في الحقيقة لماذا غضبت السيدة حنان عشراوي من الوصف الذي ورد على لسان مسؤول دولي كبير زار غزة أمس الأول وخرج يقول إن الفلسطينيين «يتصورون «وهم يُقتلون! كانت عشراوي تعرب عن استيائها من الوصف وكنت أتأمل في وجه طفل فلسطيني يردد: فلسطيني فلسطيني.. نقشت اسمي على كل الميادين.. بخط بارز يسمو على العناوين.. حروف اسمي تلاحقني.. تعايشني.. تغذيني.. تبث النار في روحي ونبضي في شراييني! ومهما يكن من أمر المسؤول الذي كان يلمز إلى أن الفلسطينيين في غزة يتعمدون تسجيل كل لحظات العربدة الإسرائيلية حد التصوير أثناء الاستشهاد، فإن حديثه أو قل لمزة وغمزة أهون كثيرًا من ذلك العربي الذي يراها تمثيلية، وذاك الذي يتصورها مسرحية! وهناك من أفتى بأنها تستهدف إحراج هذا المعسكر وهناك من سخر واستكبر! لقد بدا الأمر عند كثيرين مرعبًا ومفزعًا أكثر مما هو مرعب ومفزع لإسرائيل لدرجة أنك كنت تقرأ لبعضهم وهو يطمئن نفسه والعالم من أن صواريخ القسام (فشنك)، ومقاومة غزة بلا جدوى! شيئًا فشيئًا ومع الإفساح لمثل هؤلاء بالحديث والفتيا والشرح والتحليل (الإستراتيجي طبعًا) وجدنا وسمعنا وشاهدنا وقرأنا لمن يدعو إسرائيل للمزيد والمزيد! يحدث ذلك فيما كان النائب البريطاني عن حزب الديمقراطيين الأحرار السيد ديفيد دارد يكتب قائلاً: لو كنت في غزة لأطلقت الصواريخ على إسرائيل! وفي المقابل، كان أحد المشجعين العرب يواجه كاتبة يهودية بل إسرائيلية تقول على القناة الفرنسية الناطقة بالعربية إن نتنياهو يشن بالفعل حرب إبادة على شعب أعزل! هنا انطلق العربي قائلًا: إن إسرائيل تدافع عن نفسها!! من حسن الطالع أن أهلنا الصامدين المجاهدين في غزة لا يقرؤون هذا السقط من القول والفحش الخارج من اللسان! إنهم يسطرون بالفعل واحدة من ملاحم العرب الحقيقية لا الوهمية والإنسانية لا البربرية، ولأنهم كذلك فقد انتصروا بالفعل بشهادة العدو الإسرائيلي قبل الصديق، والأمريكي قبل الأوروبي، واللاتيني قبل الإفريقي! وبكل المقاييس يمكن القول وبفخر أن غزة العزة انتصرت عسكريًا إذا ما قورنت الترسانة الإسرائيلية العالمية بصوارخ القسام وغيرها من أدوات حربية مصنوعة يدويًا! والدليل على ذلك أن نسبة الخسارة البشرية حتى كتابة هذه السطور هي 1 إلى 25 أي 25 شهيدًا فلسطينيًا مقابل إسرائيلي واحد.. فإذا ما علمنا أن معظم الشهداء هم من الرضع والأطفال والنساء والشيوخ عرفنا كيف أن قتل 33 إسرائيليًا بالرواية الإسرائيلية و53 بالرواية الفلسطينية هو الفزع بعينه وهو الرعب الحقيقي. وفي المجال الاقتصادي حدث ولا حرج.. حصار فلسطيني اعتاد عليه الفلسطينيون وغنوا وتغنوا به وبقدرتهم على الفكاك قريبًا منه مقابل حصار إسرائيلي وصل إلى حد امتناع شركات طيران دولية عن الهبوط في المطارات الإسرائيلية! وفي المجال الاجتماعي حدث أيضًا بفخر ولا حرج.. دموع رام الله تمتزج بدموع غزة، وجراح خان يونس تسمع في كل أنحاء الضفة! أما على الصعيد الدولي، ومهما حاول الجانب الأمريكي وتحايل الجانب الأوروبي فقد بانت الحقيقة كالشمس.. إسرائيل دولة إرهابية مارقة يقودها مجموعة من مجرمي الحرب.. ولأن ذلك كذلك فإن كل المشاركين والداعمين والمؤيدين مشاركون في الجريمة الدولية الكبرى! إنها جريمة جديدة سجلها التاريخ في ملف الجرائم الصهيونية وإنها فضيحة دولية عاشها وعايشها الأمين الأممي بان كي مون ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري. مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة تثبت غزة العزة أنها عصية على الإهانة وعلى الخنوع والاستكانة.. مرة سادسة وسابعة وثامنة تؤكد غزة عمليًا ضحالة فكرة إسرائيل التي لا تقهر والجيش الذي لا ينهزم! مرة تاسعة وعاشرة تبرهن غزة أنه لن يصح إلا الصحيح والصحيح الذي يجري الآن التجهيز والإقرار به أو بجزء منه ان عهد الانكسار قد مضى وزمن الحصار قد ولى. ومن ثم فإن الحل الوحيد لإنقاذ إسرائيل من الغرق هو مبادرات جادة تقود إلى مفاوضات جديدة تنتهي بخطوات وإجراءات على الأرض. وأرض الفلسطينيين كلهم ولا أقول الغزاويين منهم هي لحمهم يتغلغل تحت جذور الزيتون.. ويرتوي من مياه الصبر والصمود عبر القرون. أطفالهم ينظرون إليكم ويقولون لكم نشرب دمعنا وحدنا.. نتحمل آلامنا ونجمع أشلاءنا ونفتح صدورنا فهل تتركوننا وحدنا؟! لا عليكم.. سيان.. ستبقى أرضنا لنا. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :