الإمارات.. تطويق نفوذ تركيا في القرن الأفريقيتعيش تركيا حالة ارتباك منذ انقلاب يوليو الفاشل عام 2016. حيث كشفت السياسة التي انتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن براغماتية جامحة ورغبة كبيرة في التسلط والسيطرة عبر كل المنافذ. فبحث عن تواجد إقليمي جديد من خلال تشكيل دور أكبر في حروب المنطقة العربية. غير أن تحالفها ودعمها لمموّلي الإرهاب كقطر جعلها تتخبط وتتراجع استراتيجيا لتعود وتبحث عن موطئ قدم جديد من خلال تعزيز حضورها العسكري في الصومال. لكن توجّه الأخير نحو التحالف مع الإمارات العربية المتحدة بصفتها نموذجا سياسيا واقتصاديا، إضافة إلى دورها الأمني في ردع خطر الحوثيين في مضيق باب المندب، سيشكلان عائقا أمام الطموحات التركية. العرب [نُشر في 2017/08/21، العدد: 10729، ص(7)]إعادة تموضع ماقديشو – بإقامتها لمعسكر في الصومال تدعم تركيا علاقاتها بالبلد الشرق أفريقي وفي الآن نفسه تبحث عن امتداد لها بالقارة الأفريقية خاصة أنها تعيش حالة تراجع استراتيجي وارتباكا في سياساتها منذ انقلاب يوليو 2016. واستغرق بناء هذه المنشأة قرابة عامين وينتظر أن تدخلها قوات تركية هذا الشهر، ويأتي قدوم هذه القوات بعد فترة وجيزة من نشر قوات تركية في قاعدة أكبر في قطر. وبينما تشغّل أنقرة مرافق عسكرية شمال العراق منذ فترة، فإن القاعدتين القطرية والصومالية هما المنشأتان العسكريتان الأوليان التابعتان لتركيا تستضيفهما دول حليفة. وفي سعي تركيا إلى خدمة مصالحها في المنطقة من المؤكد بأنها ستصطدم ببلدان لها طموح مشابه خاصة القوى الإقليمية الكبرى ذات الدور القيادي بالعالم. ولكن خلافا للقاعدة القطرية ستهتم المنشأة الموجودة في مقديشو أساسا بالتدريب العسكري وتدريب الجنود الصوماليين بالخصوص. ولا تشمل الخطط الحالية نشر فرقة تركية قادرة على إنجاز مهمات عسكرية. وبدلا من ذلك سيتولى حوالي 200 جندي تركي تدريب عشرة آلاف من جنود الجيش الوطني. ويبدو أن العلاقات الراسخة بين أنقرة ومقديشو ليست مبنية فقط على الأعمال الخيرية من قبل الجانب التركي. صحيح أن منظمات الإغاثة التركية ومستشفى تركي في مقديشو والفرص التعليمية الممنوحة للمدنيين الصوماليين منحت تركيا مكانة بارزة في مقديشو، لكن العلاقة التركية الصومالية لها صلة وثيقة بالمصالح الاقتصادية للشركات التركية التي تسعى إلى تطوير وإدارة بنية تحتية في الصومال. مثلا تدير شركة البيرك التركية ميناء مقديشو وقدمت شركات تركية عروضا لفعل الشيء نفسه في مدينة كيسمايو الواقعة جنوب البلاد.خلافا للقاعدة القطرية ستهتم المنشأة التركية في مقديشو أساسا بالتدريب العسكري وتدريب الجنود الصوماليين فاعلية الاقتصاد الإماراتي لا تعد تركيا البلد الوحيد الساعي إلى بناء هذا النوع من العلاقة مع الصومال، إذ نجد أن الإمارات العربية المتحدة تسعى إلى الحصول على العقود نفسها، غير أن الإمارات لها دور مختلف إذ أنها على قدر من الوعي ببراغاماتية أنقرة ومحاولتها التوسع الاستراتيجي على حساب الأمن العربي وحتى الأفريقي، لذلك تنجح الإمارات في ردع الطموح التركي خاصة بعد أن تعهدت والسعودية بحماية العالم العربي من كل أشكال التطرف وما يترجمه مقاطعتها لقطر حليفة تركيا وتوجيهها لتهم دعم الإرهاب بالعالم. كما تعي كل من تركيا والإمارات العربية المتحدة بأن الصومال يقع على بعض مسالك التجارة الكبرى في العالم وتريان فرصا لبناء موانئ بحرية وغيرها من البنية التحتية الخاصة بالنقل. وهذه العوامل إضافة إلى حاجة الحكومة الصومالية للمساعدة الخارجية تجعل الصومال هدفا منطقيا للتطوير العلاقات مع الامارات الرائدة اقتصاديا. مثلا تدير شركة “اس. كي. آي. آير اند لوجيستيكس” الإماراتية مطار مقديشو، وتنافست الشركات الإماراتية على تطوير المطار في كيسمايو. في الواقع سبقت الإمارات تركيا في هذا المجال وتشغّل منشأة تدريب عسكري في مقديشو منذ سنة 2015. وتعتبر القوات التي دربتها الإمارات بعضا من القوات الأكثر وثوقا والأحسن تدريبا في الجيش النظامي الوطني الصومالي، وهذا يفسر سبب تكليفها بمهمة الحفاظ على أمن مدينة مقديشو قبل عدة أشهر. بالطبع التنافس بين تركيا والإمارات العربية المتحدة لا يقتصر على الصومال، إذ أنّ نش تركيا لحوالي 250 جندي وثلاثين سيارة مدرعة وقطع مدفعية في قطر يندرج في إطار الأزمة الإقليمية المتعلقة بمجلس التعاون الخليجي. وتركيا التي تتنافس مع هذه الدول الخليجية للحصول على موقع مهيمن في المنطقة لم تساند قطر بإرسال جنودها وعتادها العسكري فحسب، بل وكذلك عن طريق الدعم الاقتصادي أثناء المقاطعة التجارية الذي تفرضه البعض من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.في المدى القصير ستوفر القوات الأمنية التي ساهمت الإمارات في إنشائها بتحقيق الاستقرار في الصومال وكل أفريقيا وما يزال نشر القوات العسكرية التركية في قطر في مراحله الأولى، لكن البعض من المسؤولين الأتراك قالوا بأنها ربما تصل إلى حدود ثلاثة آلاف جندي وتضم طائرات مقاتلة وسفن حربية. وإن كان الأمر كذلك سيكون لدى تركيا قدرة قتالية في الخليج العربي جديرة بالاهتمام. التصدي لخطر الحوثيين ومن جهة أخرى شرعت الإمارات العربية المتحدة في بناء عدة قواعد عسكرية دائمة بالقرب من مضيق باب المندب خلال السنة الماضية. وكان الصراع الدائر في اليمن دافعا مهما لهذه الجهود لمواجهة خطر الحوثيين المدعومين من ايران. حيث تطمح الأخيرة إلى بث الفوضى بالعالم العربي تحقيقا لمصالحها عبر وكلائها في مناطق النزاع كاليمن وسوريا والعراق. وبالرغم من أن الكمية والطبيعة الدائمة لهذه القواعد توحي بأن الإمارات العربية المتحدة مركزة أكثر على موقعها الجيوسياسي على المدى البعيد من التركيز على عملية عسكرية قصيرة المدى. زيادة على ذلك تشغل الإمارات قاعدة في إرتريا تستخدم بمثابة محور لوجستي للقوات البرية المنتشرة في اليمن، بالرغم من أن هذه المنشأة تأوي طائرات وستضم قريبا مرفأ للسفن الحربية. ولوحظ أن الإمارات العربية المتحدة تبني منشآت مشابهة في جزيرة بريم في مضيق باب المندب نفسه، وهناك خطط لبناء قاعدة في بربرة. وستمنح هذه المواقع مجتمعة الإمارات ثلاث قواعد عسكرية مكتملة في مضيق باب المندب أو بالقرب منه توفر الوصول الى البحر الأحمر وخليج عدن. وسيكون مركز التدريب العسكري في مقديشو تكملة لهذه المواقع حتى وإن لم تكن تضم القدرات العسكرية نفسها. وعند قراءة آليات تطوير تركيا والإمارات العربية المتحدة لعلاقاتهما العسكرية والاقتصادية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشرق أفريقيا، من المرجح أن تزداد حدة التنافس العسكري والاقتصادي بينهما. لكن في المدى القصير ستوفر القوات الأمنية التي ساهمت الإمارات في إنشائها بتحقيق الاستقرار في الصومال وستكون بمثابة حصن أمني يقي البلاد والبلدان المحيطة بها المؤامرات الدولية من الجانب التركي أو الفارسي على حد سواء.
مشاركة :