المرأة هي السيد القهار في رواية إنكليزية رؤيوية

  • 8/21/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

"دعني أشجع النساء على تخيل أن لديهن القدرة على قتل الآخرين بالصدمة الكهربائية. التخيل لن يؤذي أحداً، ولكنه قد يغير من طبيعة تفكيرهن ومشاعرهن تجاه أنفسهن". تلك كلمات الروائية البريطانية ناعومي أولدرمان صاحبة رواية "السلطة" وهي تحث النساء على رفع سلاح تخيلي انتقاماً لخضوعهن للعنف المنهجي من قِبل مجتمعاتهن البطريركية. في روايتها "السلطة" الفائزة بجائزة بيليز البريطانية (الأورانج سابقاً) لأدب المرأة لهذا العام، تقف على أبرز سمات ديستوبيا متشائمة تتأثر بتصورات النسوة وحدهن دون شريك بحبكة تستدعي لعبة الكراسي الموسيقية وأسلوب مفخخ بشذرات من الكوميديا السوداء. تنتمي الرواية إلى فئة الخيال العلمي، وإنما بانعطافات نسوية وسياسية محضة. أشار النقاد إلى أن مرجعيتها مزيج من سلسلة أفلام "مباريات الجوع"، ورواية "حكاية الخادمة" للكاتبة الكندية مارغريت أتوود. وتتأمل جذور كراهية النساء من خلال عكس الأدوار الجندرية في مجتمع مستقبلي يسوده سياسياً وقانوناً ومجتمعياً نصف المجتمع الناعم (سابقاً)، "تضخ أذنيها بالدماء. ثمة إحساس واخز ينتشر على طول ظهرها وكتفيها ثم على طول الترقوتين. إنه يقول يمْكنها فعلها. إنه يقول إنك قوية". • سلطة مستحدثة تزخر شبكات التواصل بفيديوهات لمراهقات يقتلن الرجال بلمسات من أصابعهن الكهربائية. ومع تلك الموهبة يتراجع تيار السلطة وتتبدّل صراعات القوى ومراكزها في مجتمع "يخاف رجاله أن تسْخر منهم النساء، وتخاف النساء أن يقتلهن الرجال" بحسب تعبير الكاتبة مارغريت أتوود. وهكذا ينحشر الصِبية في مدارس حصرية كي لا يتعرضوا لخطر الفتيات وتعِد بعض السيدات أن يهذبن من ردود أفعالهن في محضر الرجال ويتفادى الرجال السير وحدهم في الطرقات ليلاً. حتى إن المتحرّش يصبح متحرّشة والجيوش تحشدها النسوة في تنّورات. والنعوت النابعة من عقلية الذكورة كالغضب والانتقام والبطش والعدوان تنقلب مقترنةً بالمرأة، وهو ما يضمر دلالات على انفلات أشبه بالزلزال في علاقات القوى السياسية، بل والدينية، "أيها المسيحيون، صلّوا لمريم لكي تجدوا الخلاص!". وبين ليلة وضحاها تتخلخل أوجه الأيديولوجيات لتواكب بنى السلطة المستحدثة. فوسائل الإعلام تتصايح بشجب ثقافة الاغتصاب والتطرف الديني وصناعة البورنوغرافيا ودكتاتوريات العالم الثالث. وفي تطوّر طبيعي لتلك الثورة الجندرية، تهِب المراهقات العجائز القدرة على قتل الآخرين فتنتقل الموهبة إلى سجينات في قضية دعارة يحرّرن أنفسهن من طائلة القانون. وبمجرّد أن نشعر وكأنّ العالم طفق يصحح نفسه بنفسه، نكتشف من خلال مراسلات كاتبتين - إحداهما تدعى ناعومي - أن الرواية ذات الغلاف الشبيه بملصقات الحرب العالمية الثانية ما هي إلا تأريخ تأملي أعقب طوفاناً كسح العالم البائد ثم "تطوَّر الكون إلى النظام الأمومي" فيغدو للرجال نشطاء يدافعون عن حقوقهم ويلقى الجندر الأضعف عنفاً جنسياً في "عصر الفتيات" في تحليل نسوي يتداخل فيه الجنس والسلطة. • متغيرات جيوسياسية تتقفّى المؤلفة خيط الأسباب التي قلبت المجتمع رأساً على عقب فتنشط نظريات المؤامرة. لعلّه تحوُّل جيني ما، أو ربما هو غاز أعصاب تسلل خلسة من فتحات التدفئة، أو فيروس أخلّ بتوازن النساء الطبيعي، أو أن النّساء عجنّ معجوناً سحرياً لرد اعتبارهن المهدور في إطار من السلطة الجمعية. إنها مساواة قد تنسجم في مفهومها مع فكر ثلاث مراهقات هن بطلات الرواية. وفي عالم النساء يستشعر صحافي نيجيري قبضة التحامل الجندري وهو الشاب الوسيم بين نسوة يطمحن إلى نهشه. يتأمل بعين المتحسّر التمثيل الرمزي لمتغيرات جيوسياسية نجمت على حلبة تتطاحن فيها قوى النساء الخارقة للطبيعة. والنسوة أنفسهن يخضن الحياة متسلحات بفلسفة الجبابرة "إن لم تكن معي، فأنت ضدي". وقد يرمز ذلك التردي في الميتافيزيقا الأخلاقية إلى كارثة كونية تالية ستُهدد الأرض ويَرهبها الرجال قبل النساء. • دولة أمومية وفي إصرار المؤلّفة على تشريح نظم القيم للمجتمع الناشئ، تنحي الأحكام الأخلاقية جانباً وتموِّه الخط الفاصل بين ثنائية الخير والشرّ والضحية والنذل. كما تتمسك بنسق أدبية مغايرة للمتعارف عليه، ولكن انطلاقاً من فكرة المساواة بمذهب ما بعد النسوية. وبرغم انعكاس الأدوار تجيء الآلية والنتيجة واحدة. إذ يأتي دور النساء للإساءة للسلطة بكل ما يشينها الآن على يد الرجل ليشدد النص على وعي متبلور بالفعل بأن السلطة مفسدة بغض النظر عن طبيعة الدولة بطريركية كانت أم أمومية. قد يخطر في ذهن القارئ أن تلك الفانتازيا عن تمكين المرأة ما هي سوى نسخة بشرية من فيلم "كوكب القردة" حينما استبد القردة على البشر قادةً مطلقين للكرة الأرضية. ومثلما يشين مجتمع اليوم بعض الرجال باعتبارهم "مخنثين"، تتوجه الشتائم إلى بعض النسوة في الرواية بوصفهن "مسترجلات"، وهي نقيصة تصِم المرأة ويرِد منها الامتهان بعينه. وتوحي المؤلفة بأن هذا الانتقال الشامل في موازين الهَرمية الاجتماعية هو "الوضع الطبيعي" منذ الأزل إلا أن المجتمع "المنكوب" يحيل التبدل في ديناميكية الخوف إلى شيء تنبغي السيطرة عليه أو على الأقل تحييد تبعاته على "مستقبل النشء". وفي هذا السياق تقول المؤلفة إن الفكرة القائلة بأن ثمة صفات أو مشاعر معينة مفردة لجندر معين "جريمة نرتكبها في حق أطفالنا منذ لحظة ولادتهم". تعتقد كذلك أن السلطة لو حازتها فئة حديثة العهد بها كي ينشب العنف في المجتمع دون أن تُغيّر أيّ شيء آخر، ستنشأ فترة من الثورات الرهيبة، ومع ذلك تنفتح في النهاية على رؤية مغايرة، مكرّسةً فكرة أن "العدل هو أيضاً غريزة لدى البشر. وأننا سنشق طريقنا في النهاية إلى الصراط المستقيم". قد تطرح رواية "السلطة" واقعاً بديلاً من المستقبل البعيد غير أنها تفوح بواقعية حقيقية نعيشها اليوم إن بدلنا فحسب أدوار الرجل والمرأة!

مشاركة :