ما أن بلغت الساعة الثامنة صباح أمس، موعد بدء هدنة الـ12 الإنسانية، حتى خرج الآلاف من أبناء غزة المنكوبة للبحث عن أبنائهم المفقودين وتفقد منازلهم المدمرة وشراء ما يحتاجونه من مواد غذائية، وسط مشاهد مأساوية في الأحياء والضواحي المدمرة. «عكاظ» استغلت الهدنة، لينقل مراسلنا مشاهد الدمار ورائحة الدم والموت والبارود، وسط مشاهد وقصص عن حجم وجحيم الأيام العشرين، فهي ليست كسابقاتها إنها حرب تستهدف البشر والشجر والحجر. بداية، جولتنا كانت من مستشفى الشفاء وسط غزة، إذ توافد مئات المواطنين لتفقد المصابين الذين تكدس بهم المستشفى فلم يعد يتسع للمزيد، مشاهد الأطفال والنساء الذين تشوهت أجسادهم وأصيبوا بعاهات دائمة، وحروق مشوهة تقشعر لها الأبدان، صراخ وعويل الزائرين وأنات الجرحى والمرضى تبعث فيك الألم والحزن، ولا تقوى أن تحبس الدمع في العيون. نترك مستشفى الشفاء بمآسيه وجراحه، ونخرج لنتجول في شوارع غزة القريبة، حيث مشاهد المنازل والبيوت المدمرة وحطامها يسد الشوارع، وأصحابها يبحثون بين الأنقاض عما تبقى من مواد صالحة، ولا تسير بضع مئات من الأمتار إلا وتجد بناية كانت قد تحولت إلى كومة من الحجارة والرماد، حيث تستخدم طائرات الاحتلال قنابل مدمرة تحول البناء إلى حفرة عميقة في الأرض. سيارات الدفاع المدني والإسعاف تتنقل بين الأحياء التي تعرضت للتدمير، والوجهة كانت لحي الشجاعية الذي تعرض لأبشع هجوم الأسبوع الماضي، ذهب ضحيته أكثر من 150 شهيدا و450 جريحا، دمار في المنازل والمحلات غير مسبوق، وتشعر لأول وهلة وكأن زلزالا قد ضرب المنطقة، مئات المنازل المدمرة فوق رؤوس ساكنيها، رائحة الموت تفوح من كل مكان. ويجتهد رجال الدفاع المدني والإسعاف في استخراج الجثث التي تحللت بعد أسبوع من يوم الرعب الذي عاشه سكان الحي، جثث أطفال ونساء وشيوخ لم يتمكنوا من الإفلات من صواريخ الطائرات وقذائف المدفعية والدبابات، والأهالي ينتظرون العثور على ابن أو أخ أو قريب لهم لا يزال تحت الأنقاض، على الرغم من تحذير قوات الاحتلال من الاقتراب من المنطقة الحدودية التي تتمركز فيها دبابات وجنود الاحتلال. جولتنا الأخيرة في غزة المنكوبة كانت في أماكن اللجوء والنزوح التي لجأ إليها سكان المناطق الحدودية، حيث تتكدس مئات العائلات في مدارس الأونروا، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ساحات المدارس نهارا، وينامون بين مقاعد الدراسة ليلا، في مشهد يذكر بنكبة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948.
مشاركة :