سفينة «أكواريوس» تنقذ مهاجرين تائهين

  • 8/22/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

«أكواريوس» هي سفينة إنقاذ غير عادية، لا تشبه مثيلاتها، ذلك أن بحارتها من المتطوعين، وتمويل رحلاتها من تبرعات الخيّرين. لا تخضع قراراتها وتحركاتها لسلطة أي دولة، لأن طاقمها قرر منذ البداية الوقوف في صف الناس المحتاجين إلى من يساعدهم، فكرسوا لذلك رحلاتهم من أجل إنقاذ المهاجرين العابرين بقوارب مطاطية إلى أوروبا. حددوا مهماتهم بإنقاذهم ومعالجة المرضى والجرحى منهم، ثم توصيلهم بأمان وسلام إلى السواحل التي غامروا بحياتهم من أجل الوصول إليها. ومن أجل توثيق تلك المهمة النبيلة، اقترح البرنامج التلفزيوني الفرنسي «طلب النجدة في البحر المتوسط»، مرافقة طاقم السفينة خلال مدة معينة وتسجيل تفاصيل ما يصادفهم خلال رحلاتهم المكوكية بين السواحل الإيطالية والمياه الإقليمية الليبية. معظم المهاجرين الوافدين من الوجهة الليبية هم من الأفارقة وقد بلغ عددهم التقريبي العام الفائت وحده نحو 115 ألف مهاجر، أربعة آلاف منهم ماتوا غرقاً في البحر، ولذلك يعمل طاقم السفينة على وضع حد للتراجيدية الإنسانية تلك والتقليل من فظاعاتها قدر المستطاع. يوثق البرنامج رحلة إنقاذ عاجلة قامت بها «أكواريوس» لمجموعة من المهاجرين دخلت قواربهم المياه الإقليمية لجزيرة صقلية الإيطالية. توجهوا إليهم وطمأنوهم بأنهم جهة مستقلة من الناشطين المدنيين الذين يحاولون نقلهم إلى السفينة حتى لا يظلوا وسط البحر. تمت العملية بنجاح. نقلوا الجرحى والمرضى إلى مستشفى السفينة وهناك تمت مداواتهم. أما البقية فتم تسجيلهم وتأمين راحتهم إلى حين إيصالهم إلى الشواطئ الإيطالية. لا يخفي قبطان السفينة الألم الذي يشعر به وهو يشاهد المهاجرين في أوضاع مزرية لا إنسانيـة. فيقول: «الكثير منهم تـعرض قبــل ركوبه البحر إلى أصناف من التعذيب، وقسم منهم سُجنـوا لمدد طويلة. وفي البحر عانوا من الجوع والعطش وكانوا يقولون لنا إنهم يفضلون الموت غرقاً على البقاء في الجهة الأخرى!». يضع فريق عمل السفينة نصب أعينه حقيقة وجود تمييز عرقي مضاعف ضد السود الأفارقة، لهذا يحرصون على نقل تجاربهم وتوثيق تفاصيل عبورهم دول أفريقية لاقوا فيها أصناف العذاب. وثمة عدد كبير منهم لقي حتفه فيها قبل وصوله إلى السواحل القريبة. آثار واضحة تبدو على أجسادهم وتنقلها كاميرا البرنامج لتشير إلى تعرضهم للتعذيب الجسدي. أما انهيارهم النفسي فيشير إلى الضغوطات الكبيرة التي كانوا يتعرضون لها، ومن بينها إجبارهم على الاتصال بعوائلهم وطلب مبالغ مالية منهم وإلا سيكون مصيرهم السجن! لا يتورع المهربون بدورهم من تعريض حياتهم للخطر عبر حشرهم داخل قوارب مطاطية مهترئة يصفها أحد أعضاء فريق الانقاذ بأنها «قوارب موت»، لا تتحمل الأمواج ولا ثقل الركاب فتغرق بسهولة. من مهمات الملاحين المتطوعين توجيه مرافقة القوارب الناجية نحو المياه الإقليمية الإيطالية لتجنب المشكلات القانونية مع ليبيا، التي تشدد مراقبتها على المهاجرين غير الشرعيين. ما أن يدخلوا المياه الآمنة حتى تتم عملية نقلهم إلى سطح السفينة وهناك تسمع أصواتهم لأول مرة. يبوحون للبرنامج عن مشاعر الفرح التي تغمرهم وعدم تصديقهم تجاوز دروب الآلام الطويلة بأمان. يقدم القبطان بالأرقام حصيلة عمل السفينة خلال أسبوع واحد، قائلاً: «أنقذنا وانتشلنا من البحر أكثر من 3500 لاجئ. قمنا بعدها بنقلهم إلى السواحل الأوربية». لكنّ الضغط الكبير المُلقى على عاتقهم، على رغم مشاركة سفن عسكرية إيطالية تمشط البحر ليل نهار، يُثقل كواهل المتطوعين وبخاصة في فصل الصيف، حيث ترتفع أعداد المهاجرين التائهين وسط البحر، وتبلغ أحياناً الآلاف يومياً. عند الساحل يتغير المزاج فيبدأ الناجون بالتعبير عن أحلامهم. معظمهم يحلم بالحصول على عمل من أجل مساعدة أهله، بينما يأمل بعضهم الآخر بالعودة ثانية إلى موطنه ليبني لأولاده فيه مستقبلاً أفضل، لا يتعرضون فيه لما تعرضوا له ولا يضطرون إلى ركوب البحر فيغرقون فيه. الأحلام المشروعة يسمعها المتطوعون ويعرفون أن تحقيقها ليس سهلاً. ممرضة من الممرضات قالت بصوت هامس لمعد البرنامج: «للأسف مهمتنا تنحصر في توصيلهم بسلام وأمان لكن ما ينتظرهم ليس وردياً. ستُرفض طلبات كثيرين منهم، وربما سيحصل 30 في المئة منهم فقط على حق الإقامة فيما قسم كبير منهم سيضطر للهروب إلى الشوارع، وهناك سيكونون - وبخاصة النساء منهم - عرضة للاستغلال الجسدي والسقوط في حبائل العصابات المنظمة». وعلى رغم سوداوية المشهد المنتظر يصر ملاحو السفينة النبيلة على المضي في عملهم، وكما يقول قبطانها: «إنقاذنا هؤلاء الفقراء من الموت يبقى خياراً إنسانياً لا يمكن مقارنته بما سيواجهونه في حياتهم المقبلة». يودع فريق العمل التلفزيوني السفينة. وهي في طريقها، تعلن إشارة طلب النجدة في غرفة القبطان أن قارباً مطاطياً يهيم وسط البحر واحتمال غرقه كبير إذا لم يصلوا إليه بسرعة!

مشاركة :