حتى لا يموت الفن الخليجي بعد عبدالحسين عبدالرضا

  • 8/23/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. نجاة فوزي السعيد | عوّدتنا الكويت أن تكون رائدة وصاحبة إصرار قوي منذ استقلالها في بداية العقد السادس من القرن المنصرم. فقد كان رمز عصر التنوير فيها الشيخ عبدالله سالم الصباح، رحمه الله، الذي أصر أن تكون انطلاقة الكويت الأولى تمثل شعبها بدستور وبرلمان يمثلان صوت هذه الدولة الصغيرة في مساحتها والكبيرة بشعبها المعطاء. بدأ الفن الكويتي يبرز للعيان في العقد نفسه الذي استقلت فيه الكويت حتى صار رمزا للخليج قاطبة، فسارت الكويت بهذا الطريق بصورة منهجية فاستجلبت علماء التمثيل من مصر خاصة. فنان بحجم الوطن لقد كان عبدالحسين عبدالرضا من أوائل القامات التي أسست الفن الكويتي، والذي صدمني وأفزعني خبر وفاته، لأننا كبرنا مع مسرحياته ومسلسلاته، فجمله الساخرة المضحكة صارت جزءا من تعبيرنا وحديثنا اللغوي، وهذا مما جعل وفاته تمثل لنا فاجعة خاصة في منطقة الخليج. الألم والحزن الذي سببه لنا في وفاته يثبتان لنا كم كان فنانا كبيرا بحجم الوطن، احترم جمهوره بتقديمه لفن راق، وفي المقابل أحبه الجمهور محبة تخطت أي طائفية وقبلية. جنازته المهيبة في الكويت، التي جمعت كل طوائف المجتمع من حضر وبدو وشيعة وسنة، هذا عدا من أتى من الخليج وباقي الدول العربية، تثبت التأثير الكبير للفن في المجتمع يفوق تأثير السياسيين وأصحاب الكراسي. فكما ذكرت الشيخة إقبال الأحمد في تغريدتها «أتحدى أن يحزن هذا الكم من البشر على موت أي سياسي كما حزنوا على عبدالحسين عبدالرضا لأنه كان يبني مايهده السياسيون»، والتي أضافت أيضا «ستخرج الكويت عن بكرة أبيها لتودع العظيم أبو عدنان وستصلي كلها.. كلها.. كلها لتوجه صفعة بوجه المرض الطائفي البغيض أينما كان». استمرار المسيرة ومن ثم علينا في منطقة الخليج، وخاصة الكويت، أن ندرك أهمية استمرار مسيرة الفن، ولا نريد برحيل هذا الفنان العملاق أن يرحل الفن الكويتي، بل نريد من الأجيال القادمة أن تكمل رسالته الوطنية والثقافية والفنية. فنحن في هذه الأوقات التي تمر بها منطقتنا من أزمات سياسية واجتماعية وطائفية بأمس الحاجة إلى كوميدية عبدالحسين عبدالرضا الساخرة الناقدة التي تحمل هموم الشارع الخليجي والعربي كما شاهدناها في «باي باي لندن»، «باي باي ياعرب» و«سيف العرب» وغيرها الكثير. وهذا النوع من الكوميديا ليس سهلا ولا يعتبر تهريجا ومجرد تنكيت، بل هو تفريغ الشعور بالغضب والاحتقان من الأعباء السياسية والاجتماعية لدى الرأي العام بطريقة ساخرة وبسيطة تثير ضحك الجمهور لتعزيز الثقافة المتحضرة من الوعي والنقد. وحتى يتمكن أي فنان من أداء هذا النوع من الفن عليه أن يكون موهوبا وله حضور طاغ، سريع البديهة، خفيف ظل، تلقائيا ومثقفا وكانت هذه المتطلبات جميعها متوافرة في عبدالحسين عبدالرضا، بالإضافة إلى موهبة الكتابة، والحس العالي ووجهه وقامته الفنية وقدرته على الغناء والتمثيل معا كما شاهدناه في أوبريت «شهر العسل» و«بساط الفقر». برنامج عمل صحيح من الصعب تكرار هذه الموهبة مرة أخرى في فنان واحد، لكن هذا لا ينكر أن مسيرته يجب أن تكمل وفنه يجب أن يدرس ولتكملة هذا المشوار يجب عمل الآتي: • ضرورة افتتاح أكاديمية عبدالحسين عبدالرضا للفنون كما أكدت ذلك النائبة في البرلمان الكويتي صفاء الهاشم، أنها ستتقدم باقتراح برغبة لتسمية أكاديمية الفنون الجديدة أكاديمية عبدالحسين عبدالرضا للفنون. • دراسة تحليل محتوى وخطاب لكل أعماله والتحليل السيميائي لكوميديا الموقف التي تشمل لغة الجسد وحتى الملابس المختارة. • كانت هناك عدة أحلام للفنان عبدالرضا لم تتحقق، وهي زيادة عدد المسارح والاستديوهات المؤهلة في الكويت، فعدد المسارح ونوعية الاستديوهات لا تناسب الكويت كرائدة للفن الخليجي. • أيضا كان من أحلامه بناء مدينة إعلامية متكاملة في الكويت. • العمل الساخر الهادف يحتاج إلى صراحة وشفافية، وقد ذكر، رحمة الله عليه، في إحدى مقابلاته أن الرقابة اشتدت في الكويت مقارنة في السابق ونوعية المراقبين ليست على المستوى المطلوب، كما أن تدخل المتشددين في الفن حدّ من الإبداع، وأيضا نوعية المصححين للعمل الفني سواء في التصحيح اللغوي أو الأداء ليس كما كان في الماضي. • كما ذكر في عدة مناسبات مطلوب زيادة عدد الكتاب والسيناريست الذين يحولون الرواية إلى مسلسل أو مسرحية، مع زيادة عدد البعثات لدراسة المسرح واستقطاب معلمي المسرح ورواده للخليج مطلوب أكيد. • تطوير قناة فنون، وهي قناة أسسها الفنان عبدالرضا عام 2006 والآن تملكها مجموعة الوطن الإعلامية، لكن هذه القناة يجب أن تكون أكثر من مجرد عرض للأعمال الكوميدية السابقة. • دراسة شخصية الفنان عبدالحسين عبدالرضا، فهو لم ينجح فقط على الصعيد الفني، بل أيضا على الصعيد الإنساني باهتمامه والسؤال عن الآخرين، وتواضعه رغم شهرته الواسعة، ووطنيته، وهيبته وثقافته وبعده عن التفاهات والسطحية. هذه النقاط لا تعني التشجيع على تقليد هذا الفنان الكبير، فلكل فنان لونه وموهبته، ولكن للتشجيع على دراسة أساسيات الكوميديا الساخرة والنجاح في هذا المجال الصعب، ولكي لا تموت رسالته الفنية والوطنية التي تحمّل عبئها طيلة الخمسين السنة الماضية مع جيل العمالقة. (أستاذة مساعدة جامعة زايد – دبي)

مشاركة :