قال وزير الخارجية الفرنسي في تصريح له بعد عملية مرسيليا أنه حوالى "ثلث الأشخاص الذين يوصفون بالتطرف في فرنسا، يواجهون مشاكل نفسية". واعتبر الوزير أن حشد الأطباء النفسيين للمساهمة في عملية مكافحة الإرهاب قد يؤدي إلى سياسات وقائية أفضل. ولكن هل من علاقة مثبتة علميا بين الإرهاب والاضطرابات النفسية؟ أثار تصريح وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب الثلاثاء عن أن "حوالى ثلث" الأشخاص الذين يوصفون بالتطرف "يواجهون مشاكل نفسية" نقاشا في الأجواء السياسية والطبية حول العلاقة بين التطرف والاضطرابات النفسية. وقال كولومب أنه بحسب أرقام الهيئة التي أنشئت عام 2015 والتي ترصد حالات التطرف، ثلث الأشخاص الذين ترد أسماؤهم على لائحة المتطرفين في فرنسا وهم تحت المراقبة، يعانون من اضطرابات نفسية. وفي تصريحه، أثار كولومب نقطتين مهمتين قد ترسمان جزءا من السياسة الفرنسية لمكافحة الإرهاب، خصوصا وأنه بالفعل تم ترجيح فرضية "الاضطراب النفسي" على عدة حالات حصلت في فرنسا، آخرها عملية الدهس في مرسيليا التي استهدفت محطتي حافلات الاثنين 21 آب/أغسطس 2017. فالنقطة الأولى التي طرحها الوزير في كلامه، هي دعوته لـ "استنفار المستشفيات النفسية وعيادات الطب النفسي لتحديد ملامح الأشخاص الذين يمكن أن ينتقلوا إلى التنفيذ." والنقطة الثانية تتناول موضوع السر الطبي الذي تبنى عليه علاقة المريض بالطبيب، إذ ألمح الوزير إلى أنه يتوجب إيجاد حل حتى لا يقدم بعض الأفراد على تنفيذ اعتداءات. والسر الطبي يعتبر أمرا مقدسا، إذ أن أخلاقيات مهنة الطب تؤكد على ضرورة المحافظة على أسرار المرضى التزاما بالقسم الطبي الذي هو من أساسيات مزاولة مهنة الطب، والتزاما بالمواثيق الدولية وسياسات وقوانين المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. ففي حال ظهور مؤشرات لإمكانية تطرف أحد المرضى، هل يحق للطبيب أن يخبر القوى الأمنية بالموضوع؟ يقول دكتور علم النفس جوزيف الخوري والمحاضر في الجامعة الأمريكية في بيروت في تصريح لفرانس24 "من حيث المبدأ، يحق للطبيب أن يبلغ القوى الأمنية في حال استشعر أي خطر بعد ظهور مؤشرات توحي بالتطرف أو بإمكانية أن يقوم المريض بعمل إرهابي، إلا أن الموضوع مقيد بالقوانين والتشريعات التي تختلف من بلد إلى آخر". أما بالنسبة لفتحي بن سلامة، المحلل النفسي والأستاذ المحاضر في جامعة باريس "ديدرو"، فيعتبر أن الأمر في فرنسا معقد جدا، لكن إبلاغ القوى الأمنية عن المرضى يمكن على أن يتم بناء على تشخيص حالات قصوى تجعل المريض خطرا محدقا وكبيرا على أمن المجتمع والبلد. ويضيف بن سلامة في حوار مع فرانس24 "أن هذه الحالات قليلة جدا ولا يمكن تعميمها كقاعدة عامة لمكافحة الإرهاب، لأن الإرهابيين ليسوا مضطربين نفسيا، إنما هناك بعض المضطربين الذين يقومون بعمليات إرهابية". ويؤكد أن "هناك خطأ شائعا بالخلط بين المرض العقلي والاضطرابات النفسية. فالأمراض العقلية يتم التعامل معها من قبل الطب النفسي، بينما الاضطرابات النفسية والتي يعاني منها كثير من الناس، لا تؤدي لحالات التطرف، أو بالأحرى لا تحول الأشخاص إلى إرهابيين". ومن وجهة نظر الدكتور الخوري، هناك نوع من الاستحالة في موضوع تحديد ملامح الأشخاص الذين يمكن أن يقوموا بعمليات إرهابية كخطة عمل استباقية، لأنه لا يوجد معالم ومعايير واضحة وموحدة للإرهابيين قد تمكن الأطباء حول العالم من مراجعتها لاستنتاج أن المريض سينتقل لمرحلة تنفيذ هجوم ما. أما بالنسبة لبن سلامة، فيسأل من أين أتى وزير الداخلية بالمعلومات والأرقام ليبني فرضياته. فبن سلامة يقول إن المعلومات حول التطرف والتي توصلت لها الدوائر الصحية ليست متاحة للباحثين، وربما الأرقام التي بحوزته قد توصلت لها جهات أمنية، إلا أنها لا تتمتع بالخبرات العلمية التي تخولها من تصنيف الأشخاص كمرضى يعانون من اضطرابات نفسية. وطالب بن سلامة بالسماح للباحثين بالإطلاع على البيانات والمعلومات الموجودة ليتمكنوا من تطوير دراساتهم أكثر. واعتبر خوري أن الحل يكمن في إشراك الحكومات للباحثين والأطباء في عملية رسم السياسات التعليمية والاجتماعية والأمنية، ليتمكنوا من مشاركة خبراتهم التي قد تؤدي إلى تطوير سياسات مكافحة الإرهاب بالمجمل. أما بن سلامة، وفيما يخص الموضوع الفرنسي حصرا، طالب وزير الداخلية بالسماح للباحثين الإطلاع على ملف "إف إس بي إر تي" والذي يحتوي على معلومات حول 17 ألف مريض، قد تسمح لهم بالوصول لاستنتاجات مهمة، تساعد على تطوير السياسات الوقائية في البلاد. وختم بن سلامة قائلا "لتحسين السياسات الوقائية، يجب أن نمر عبر المعرفة والعلم". بشار الحلبي نشرت في : 23/08/2017
مشاركة :