الإخوان المسلمون 2020: كيف؟ وإلى أين؟

  • 8/24/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

منطلقات الإخوان المسلمون: تقوم رؤية الإخوان المسلمين للإسلام وتطبيق تعاليمه واقعياً في حياة الناس، والتعامل فيما بينهم على مجموعة أسس من شأنها أن تضمن متانة بناء تلك العلاقة الثلاثية بين "فهم الدين" و"تنزيل هذا الفهم في الواقع" و"طبيعة علاقات المتفاعلين به حقوقاً وواجبات"، بشكل يحقق التوازن بينها جميعاً دونما خلل. ويمكن القول بأن هذه الأسس تمثل الثوابت الفكرية التي تستند عليها الرؤية - المقترحة، ولذا ينبغي على كل عضو من الإخوان المسلمين أن يؤمن بها، وعلى كل راغب في الانضمام إليها أن يحيط بها، ومن باب التقسيم المنهجي ستأتي هذه الأسس على عدة أقسام أبدأ بأولها كما يلي: أولاً: الأسس الإنسانية: وأعني بها تلك القيم العليا والمنطلقات الحاكمة التي يجمع عليها غالب الناس وأسوياء الفطرة، بعض النظر عن دينهم أو لونهم أو عِرقهم أو موطنهم، فهي تمثل الأرضية المشتركة التي تكفي إن تحققت في مجتمع أن ينهض وأن تسوده روح الود والوئام والتعاون. وهي أسس إنسانية حيث تنظر بالدرجة الأولى لعلاقة المكوّن الرئيسي والأهم في هذا التجمع البشري - ألا وهو الفرد في حركته ووجوده - باعتباره جزءاً من مجتمع عام يعيش أفراده في إطار الرابطة الإنسانية، وعليها يلتقون بمختلف أنماطهم دون أن يكون التنوّع اختلافاً وتبايناً سلبياً، إنما تكاملاً يحترم الخصوصيات وينتج وحدة في القضايا الكلية التي تخدم مسار هذا المجتمع وتحقق تطلّعاته. ونستعرض فيما يلي بعضاً من هذه الأسس والقيم الجامعة، مع إشارة عابرة لأصولها في مصدري التشريع الأساسيين: القرآن والسنة، للتأكيد على أن فهم الإسلام في إطار تلك الأسس والإيمان بهذه القيم نابع من مصدر شرعي وقائم على أساس ديني، وليس مبادرة سياسية تتوخى تحقيق هدف متغير بحسب الظروف واختلاف الحيثيات. وحين يطبقها الإخوان المسلمون ومن يشترك معهم في الإيمان بها باعتبارها قيماً عليا، فهم يصدرون فيها عن طاعة لله ورسوله، ويحتسبون الجزاء عليها عند الله، بعض النظر عن قيام بقية شرائح المجتمع بهذه الواجبات أم لا. 1-الحرية: وتشمل كل ما تعنيه الكلمة من معنى تتحقق به الإرادة الكاملة للإنسان في الاختيار دون أي إجبار أو قهر، سواء كان ذلك حرية دينية أو فكرية أو سياسية أو غيرها من ميادين الفعل ومما هو للإنسان حق. بل أزعم أنها إحدى الضرورات الإنسانية التي ترقى إلى درجة التكليف الشرعي، ويبقى ضابطها الأساسي احترام حدود حرية الغير ومراعاة حق المجتمع، فهي حرية مسؤولة لا تعني الفوضى والانفلات، إنما يراد بها نفع الإنسان لا الإساءة إليه، وهي من أجل استقرار المجتمع وليست لتقويضه. وقد ورد في القرآن (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف: 29، وكذلك (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد: 10. 2-الكرامة: لقد خلق الله الإنسان بيديه ونفخ فيه من روحه تكريماً له، كما خصّه من بين مخلوقاته بأن علّمه الأسماء كلها، ثم هداه بنور الوحي الإلهي تشريفاً له، ولذا جاء الإسلام ليؤكد أصالة مفهوم الكرامة الإنسانية، وليرسّخ في الإنسان - كل إنسان - إحساسه بكرامته ويقوي تمسكه بها وصونه لها وذوده عنها؛ لأنها جوهر إنسانيته ولبُّ بشريته. فكرامة الإنسان من تكريم الخالق جل جلاله، أصيلةٌ هي في الطبيعة البشرية، لا تُكتسب لتوافر عناصر معينة ولا تنتزع لغيابها مهما كانت الظروف والمبررات، فحفظ كرامة الإنسان من سمات المجتمع السويّ. (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء: 70. 3- الإخاء: مبدأ الإخاء من ثمرات إنسانية الإسلام اليانعة، قرره الدين الحنيف انطلاقاً من أن البشرَ جميعاً أبناءُ أب واحد وأم واحدة، ضمَّتهم هذه البنوّةُ الواحدةُ المشتركة والرحمُ الواحد؛ ليبقى الإخاء الإنساني حقيقةً دينيةً لا ريب فيها عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) النساء: 1، وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13، وتمّمها قول الرسول الكريم: (أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ) رواه أبو دَاوُدَ. 4-العدل: إن إقامة العدل مما أدرك الناس قيمته وأثره في واقعهم ومجتمعاتهم عبر العصور المتعاقبة، وعرفوا حاجتهم له حتى أصبح تمسك الأمم بهذا الأمر عنوان سعادتها وسمة قوتها وسيادتها، وهو الأصل والأساس في وضع النظم والتشريعات الحاكمة لجميع أحوالهم في معاملاتهم وتفاعلات حياتهم. ولمّا كانت العدالة بهذه المنزلة شرفاً ورفعة واحتياجاً، كانت سمة بارزة من سمات الإسلام، تميزت به وتميز بها، وجاءت النصوص القاطعة في شريعته آمرة بالعدل ملزمة به. والعدل يستلزم المساواة بين البشر بغضّ النظر عن أنسابهم وأحسابهم ومكانتهم الاجتماعية أو المادية. وقد أشار له الوحي المطهّر في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل: 90، وكذلك قوله: (فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) الشورى: 15. 5-الرحمة: هي تلك العاطفة التي تجعل الإنسان يتألم لألم غيره، ويفرح لفرحه، ممّا يجعله دائماً إلى جانبه. إنّ مفهوم الرحمة من أكثر المفاهيم قرباً من قلوب الناس، فهم في حاجة إلى كَنَف رحيم ورعاية حانية، وبشاشة سمحة، هم بحاجة إلى وُدٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم، ولا ينفر من ضعفهم، في حاجة إلى قلب كبير يمنحهم ويعطيهم، ولا يتطلع إلى ما في أيديهم، يحمل همومهم ولا يثقلهم بهمومه. ولذا استحقت أن تكون حصرياً هدف ابتعاث الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء: 107، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي وصححه الألباني. 6-التسامح: لقد حث الإسلام دين المحبة والأخلاق العظيمة على التحلي بالعفو والتمسك بالتسامح، فهما سبب الحصول على الثواب العظيم والمكانة العالية، وقد حفل القرآن الكريم بدعوة المسلمين إلى التسامح، فبه يتخلص الإنسان من العداوة والكراهية. وحين يكون التسامح ثقافةً فإنه يشكّل الأساس المتين لعلاقات طيبة على مستوى الأفراد، كما يصبح صمام الأمان لمجتمع مطمئن متقدّم. وقد قال الله في وصف ذلك: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت: 34، وقال: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النور: 22. 7-العلم: هو مقياس تقدم الأمم، بل هو مقياس الإيمان بالله وحسن الفهم عنه. فلا يجوز أن نفهم العلم على أنه العلم بأحكام الإسلام وآدابه فقط، ولا شأن للدين بالعلم الكوني أو المادي، فهذا فهم خطأ؛ حيث جاء الإسلام شاملاً ضروب النشاط الإنساني كافة. واعتبر طلب العلم فريضة وأوجب تعليمه، قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر: 28، وقال سبحانه: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِياً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فصلت: 3. وأشار النبي الكريم لفضل طلب العلم في قوله: (من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة) رواه مسلم. 8-العمل: ومكانة العمل في الإسلام عالية ومنزلته رفيعة، فهو عبادة عظيمة لله وامتثال لأمره، به ينال الأجر والثواب، وعن طريقه تقوم الحياة وتعمر الأرض وتزدهر الأوطان. والمسلم مطالب بأن يطرق ميادين الحياة مكافحاً، ويتجه إلى أبواب الرزق ساعياً، ولكن قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره الهادية لمسيرته في صناعة الحياة. قال الله في كتابه الكريم: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة: 10. وقال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك: 15. 9-الإتقان: وهو سمة أساسية في الشخصية المسلمة، بها يحدث التغيير في سلوك المسلم ونشاطه، بل هي فريضة على المسلم؛ لأن كل عمل مهما صغر يقوم به الفرد بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله، يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة، إذا صحّت فيهِ النيةُ وكانت خالصةً لله سبحانه، وكذا إن قدّم عمله بإتقانٍ وأمانة. قال تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة: 195، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) صححه الألباني، وقال: (إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء) رواه ابن ماجه. يُتبَع.. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :