كشفت مقاربة جديدة في تحليل نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي اختلافات بارزة لدى مرضى التوحد الوراثي. نظرة إلى الدراسة التي نُشرت في مجلة «راديولوجي». يجد الأولاد المصابون باضطراب طيف التوحّد صعوبة في إقامة العلاقات الاجتماعية. لكن عدا هذا الجانب من المرض، ربما تكون اضطراباتهم مختلفة جداً، لذا يصعب على الأطباء أن يشخّصوا درجة الخلل لديهم ويحددوا أفضل طريقة لتحسين الخطوات العلاجية. لم تكن المسوحات الدماغية مفيدة حتى الآن لأن اضطراب طيف التوحد متنوع جداً، ويمكن أن تكون أدمغة الأولاد المصابين كبيرة أو صغيرة أو طبيعية. لكن ركزت دراسة جديدة على نوع فرعي ووراثي من اضطراب طيف التوحد، وذكرت أنها وجدت رابطاً بين التغيرات الدماغية المسجّلة في المسوحات وبين الاختلالات السلوكية والمعرفية. لا يزال الوقت مبكراً لاستعمال هذه النتيجة في التجارب العيادية، لكنها ستساعد الباحثين على فهم نطاق النتائج المسجّلة، ذلك بحسب المشرف الرئيس على الدراسة إليوت شير، طبيب أعصاب في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو. وشملت الدراسة أيضاً منسّقين من كلية «بايلور» للطب في هيوستن ومن مستشفى ماساتشوستس العام ومستشفى فيلادلفيا. حقيقة الاضطراب قطع اضطراب طيف التوحد شوطاً طويلاً منذ كان الأهالي يتلقون اللوم على ضعف السلوك الاجتماعي لدى أولادهم. اليوم برز رابط بين هذه الحالة وبينه عشرات الجينات، ما سمح للباحثين بفهم حقيقة الاضطراب. يوضح شير: «لإحراز تقدم حقيقي، يجب أن نركز على المعطيات الوراثية في المقام الأول». إلى جانب دور الجينات الفردية، يرتبط التوحّد أيضاً بأجزاء محذوفة أو متكاثرة من الحمض النووي. تُسمّى هذه الأجزاء {تغيرات رقمية منسوخة}. يشكّل كل واحد من تلك التغيرات الوراثية أقل من 1% من حالات اضطراب طيف التوحد، ويتعلق التحدي الذي يواجهه الباحثون باكتشاف ما تفعله تلك الاختلالات الجينية المختلفة لإنشاء اضطراب طيف التوحد. ربما يستفيد الباحثون من رؤية مسار تبدّل الدماغ نتيجة لتغيرات وراثية محددة. لكنهم لم ينجحوا في تحقيق هذا الهدف حتى الآن وذلك لأسباب متعددة. أولاً، يحتاج الباحثون إلى مجموعة كبيرة بما يكفي من المصابين باضطراب طيف التوحد وحاملي الخلل الوراثي نفسه. ولا بد من مقارنة مسوحاتهم بنتائج أشخاص لم يصابوا بالاضطراب لكنهم ينتمون إلى الفئة العمرية والجنسية نفسها لأن هذه العوامل تغيّر بنية الدماغ. ثانياً، يجد الأولاد المصابون باضطراب طيف التوحد (أو معظم الأولاد عموماً) صعوبة في البقاء جامدين، فيما الجمود ضروري خلال تصوير الأعصاب الذي يستعمل برنامجاً آلياً لقياس أبعاد مناطق الدماغ. لتجاوز هذه المشاكل، استعملت دراسة جديدة أكبر مجموعة من حاملي الشكل الوراثي نفسه من اضطراب طيف التوحد (خلل في الكروموسوم رقم 16 في موقع اسمه 16p11.2). قد يؤدي الخلل إلى تكاثر جزء من الحمض النووي أو حذفه، علماً بأن ذلك الحمض يتألف من 593 ألف حرف. الغريب أن عمليات التكاثر والحذف تسبب اختلالات اجتماعية تقود إلى تشخيص اضطراب طيف التوحد، وكأننا نحتاج إلى جرعة معتدلة من المعلومات الوراثية منعاً لاختلال الدوائر المرتبطة بالسلوكيات الاجتماعية. اختلافات لكن يبرز بعض الاختلافات. كانت الدراسات السابقة ذكرت أن الأشخاص الذين ينحذف لديهم جزء من الحمض النووي يحملون أدمغة وأجساماً أكبر حجماً، ويكونون أكثر عرضة للمشاكل على مستوى الكلام. في المقابل، يحمل من يتكاثر لديهم جزء من الحمض النووي أدمغة وأجساماً أصغر حجماً ويواجهون مشاكل سلوكية. لإجراء الدراسة جمع شير وزملاؤه 158 فرداً، كان نصفهم يحمل أجزاءً محذوفة والنصف الآخر يحمل أجزاءً متكاثرة من الحمض النووي. قارنوهم بـ 64 فرداً سليماً من عائلاتهم و190 فرداً سليماً من غير أقاربهم. بدل القيام بتحليل آلي، حلّل أطباء الأشعة الفحوص التي جرت عبر التصوير بالرنين المغناطيسي بالعين المجرّدة. رغم الأجزاء المتحركة، تمكنت عين أطباء الأشعة المدرّبة من استخلاص معلومات مهمة عن حجم البنى الدماغية نسبياً. يوضح شير في هذا المجال: {فيما يتكلم الجميع اليوم عن استبدال الروبوتات بأطباء الأشعة، يمكننا أن نؤكد أهمية المعارف البشرية}. ثم خضعت تقارير أطباء الأشعة للتحليل من {آلة غير خاضعة للمراقبة تتدرب على استعمال نظام الحلول الحسابية} بحثاً عن أنماط لافتة. في هذه المرحلة، برزت اختلافات حادة. لوحظ أن شكل الجسم الثفني، أي حزمة الألياف التي تربط بين الطرفين الأيسر والأيمن للدماغ، كان غير طبيعي وأكثر سماكة لدى حاملي أجزاء محذوفة من الحمض النووي وأقل سماكة لدى حاملي أجزاء متكاثرة من الحمض النووي مقارنةً بغير المصابين باضطراب طيف التوحد. كذلك ظهرت خصائص مرتبطة بنمو مفرط للدماغ لدى حاملي أجزاء محذوفة من الحمض النووي، بما في ذلك توسّع المخيخ، أي الجزء الخلفي من أسفل الدماغ، باتجاه الحبل الشوكي. أما حاملو الأجزاء المتكاثرة من الحمض النووي، فسجلوا نمواً ناقصاً في الدماغ كتراجع حجم المادة البيضاء وتوسّع مناطق البطين (تجاويف دماغية مليئة بالسائل النخاعي). رابط على صعيد آخر، اكتشف الباحثون رابطاً بين حدّة التغيرات وحجم الآثار السلوكية والمعرفية المسجلة لدى المشاركين في الدراسة. يتوقع شير أن يُسجَّل تقدّم في هذا المجال. ستكون الدراسة مفيدة لأهالي الأولاد الذين يحملون الخلل رقم 16p11.2. ربما يكون الفحص عبر التصوير بالرنين المغناطيسي مفيداً لتوقع درجة المرض وسيسمح في الوقت نفسه بتوجيه مسار العلاج السلوكي. تقول إيلسا هيل، عالِمة أعصاب وباحثة في مجال التوحد في جامعة {رميت} في ملبورن ولديها ابن مصاب باضطراب طيف التوحد: «إنه بحث مثير للاهتمام ويساعدنا على الربط بين المعطيات الوراثية وبين الاضطراب. حتى أنه يساعد الأهالي على استباق سلوكيات أولادهم».
مشاركة :