تغول الميليشيات يهدد مستقبل العراق بعد حرب داعش ميليشيات الحشد الشعبي التي برزت خلال الحرب على تنظيم داعش في العراق كجيش رديف للقوات المسلحة النظامية، تظل قابلة للاستخدام في مرحلة ما بعد تلك الحرب لحراسة النفوذ الإيراني في العراق، لا ميدانيا فحسب، بل سياسيا أيضا، بمنع إزاحة الوجوه الموالية لطهران من السلطة والإتيان بوجوه أخرى غير مضمونة بالنسبة إلى الإيرانيين.العرب سلام الشماع [نُشر في 2017/08/24، العدد: 10732، ص(3)]تقدم على الأرض يمهد للزحف على مواقع القرار عمّان - تتعاظم، مع التقدّم الكبير في الحرب على تنظيم داعش في العراق، باتّجاه الحسم النهائي ريبةُ العراقيين من دور الميليشيات الشيعية في مستقبل العراق خلال مرحلة ما بعد تلك الحرب التي شاركت فيها بفاعلية وبرزت من خلالها كجيش عالي التنظيم والتدريب والتسليح رديف للقوات المسلحة النظامية، وقابل للاستخدام في السيطرة وضبط الأوضاع الميدانية بقدر قابليته للتوظيف السياسي في ترتيب أوضاع الحكم وتحديد من يضطلع به. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرّرة لربيع سنة 2018 بات الكثير من السياسيين العراقيين يجاهرون برغبتهم في الزجّ بالحشد الشعبي ككتلة انتخابية موحّدة في الانتخابات القادمة. ويمثّل الحشد وما يقف وراءه من كتل جماهيرية تنظر إليه كـ”منقذ” من تنظيم داعش وإلى منتسبيه كـ”أبطال ضحّوا بأرواحهم دفاعا عن العراق حين انهارت قوّاته المسلّحة أمام زحف تنظيم داعش”، “حلاّ سحريا” لهؤلاء الساسة الذين يعانون تهاوي جماهيريتهم بفعل تجربتهم الفاشلة في قيادة البلاد وتلوّث سمعتهم بالفساد. وتسود قناعة في العراق بأن التغيير سيحدث لا محالة في حال أجريت انتخابات نزيهة، بعد أن خبر العراقيون بشكل ملموس فشل الطبقة الحاكمة وكارثية نتائج حكمها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ويعني حدوث التغيير إزاحة الوجوه الموالية لإيران من السلطة والمجيء بوجوه أخرى، قد لا تكون مضمونة لطهران، حتى ولو كانت من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ليست جميعها على نفس السوية في نظرتها لعلاقة العراق بإيران ومن بينها من أصبح يجاهر بالدعوة إلى تغيير علاقة التبعية وتخليص القرار العراقي من سطوة الإيرانيين. وكمثال على المراهنين على الحشد الشعبي للحفاظ على موقع في السلطة بالعراق، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي أصبح في نظر الغالبية العظمى من العراقيين رمزا للفشل والفساد، خصوصا وأن تنظيم داعش غزا العراق خلاله فترة حكمه. ويلاحظ بيسر كيف تحوّل المالكي إلى مدافع شرس على الحشد ودوره، مع حرصه الواضح على التقرّب من كبار قادة الميليشيات مثل هادي العامري قائد ميليشيا بدر والقيادي في هيئة الحشد الشعبي. ومن هذا المنظور يتخوّف العراقيون من أن تستخدم الميليشيات الشيعية كحاجز في طريق إحداث تغيير سياسي في العراق بات الجميع ينشده كضرورة ملحّة لإنقاذ البلد، ولإدخاله في مرحلة جديدة مغايرة للمرحلة الحالكة التي يمرّ بها حاليا. وينظر الكثير من السياسيين وقادة الرأي العراقيين إلى تلك الميليشيات التي انضوى أغلبها خلال الحرب على داعش ضمن هيكل تنظيمي أطلقت عليه تسمية الحشد الشعبي، باعتبارها أذرعا ضاربة لإيران تضمن لها حضورا فعليا وسيطرة ميدانية على الأراضي العراقية، وستتولّى حراسة نفوذها في البلد بعد نهاية حرب داعش.خلال الحملة العسكرية الجارية حاليا في قضاء تلعفر بمحافظة نينوى بشمال العراق، برز حرص قادة الحشد الشعبي المشارك في تلك الحملة على إبراز الخيط الناظم بين الحشد وإيران وحزب الله وتتداول أوساط عراقية سيناريو خطة إيرانية لتحويل الحشد الشعبي إلى حرس ثوري عراقي على شاكلة الحرس الثوري الإيراني ورفع أعداد منتسبيه وتحسين تسليحه والارتقاء بهيكلته. وتقول مصادر عراقية إن رئيس هيئة الحشد فالح الفياض ونائبه أبومهدي المهندس شرعا بالفعل في العمل على تلك الخطّة ومناقشتها مع خبراء إيرانيين. وسبق للفياض أن طالب البرلمان ورئيس الوزراء حيدر العبادي بتغطية مالية لقرابة مئة وخمسين ألف منتسب للحشد الشعبي، بينما المعروف أنّ التعداد الرسمي لعناصر الحشد عند إقرار قانونه في نوفمبر من العام 2016 لم يتجاوز الثمانين ألف عنصر. وبتجاوز عدد الحشد عتبة المئة ألف عنصر يقترب من نصف عدد قوات الجيش العراقي، وهو أمر يرى فيه ساسة وعسكريون عراقيون أمرا خطرا يمهد لتحجيم دور القوات التابعة لوزارة الدفاع ولجعل الحشد بديلا للمؤسسة العسكرية. وتقول المصادر إن قادة الحشد يخططون لجعله قوّة عسكرية أساسية ونوعية لا سيما وأن لديه “دوائر تخصصية متقدمة على مستوى الاستخبارات والهندسة العسكرية والطبابة والاتصالات وحتى على مستوى العمليات النوعية والعمليات الخاصة، وهو في ذلك يناظر جهاز مكافحة الإرهاب من ناحية القدرات”، وفق ما جاء في بيان سابق أصدره فالح الفياض. ولم يستبعد مسؤول أمني عراقي سابق تحدث لـ”العرب”، طالبا عدم التصريح بهويته، أن تنفذ إيران مخططها بتوأمة الحشد مع الحرس الثوري، واصفا الحشد بأنه “الابن الأصغر للحرس الثوري كون الابن الأكبر هو حزب الله اللبناني”. وقال إن هناك خطة إيرانية ينفذها سياسيون شيعة وقادة ميليشيات قريبون من إيران وقاسم سليماني قائد فيلق القدس لتوأمة الحشد مع الحرس الثوري، وقد بدأت ملامحها الأولية بالترويج لفكرة تماثل الأدوار التي ينفذها الحشد والحرس الثوري الإيراني. وخلال الحملة العسكرية الجارية حاليا في قضاء تلعفر بمحافظة نينوى بشمال العراق، برز حرص قادة الحشد الشعبي المشارك في تلك الحملة على إبراز الخيط الناظم بين الحشد وإيران وحزب الله. وقال أحمد الأسدي، المتحدث باسم هيئة الحشد، إن حزب الله وإيران سيساعدان قوات الحشد في العملية العسكرية الجارية لاستعادة تلعفر. وأكّد أن المستشارين العسكريين من الحزب ومن إيران كانوا دائما موجودين في مختلف جبهات الحرب ضدّ داعش في العراق بطلب رسمي من الحكومة العراقية لتقديم الدعم والاستشارة والمشاركة في وضع الخطط، ليس للحشد وحده، ولكن للجيش والشرطة العراقيين أيضا.
مشاركة :