يبدو أن الكثير من السعوديين قد أجمعوا على خلق ثقافة خاصة بهم لتبادل الأفكار والآراء عبر مواقع التواصل الإلكتروني وفي الحياة الاجتماعية الطبيعية ، حيث يتمترس الواحد منهم خلف سياج دوغمائي يعزله ليس عن الفهم فحسب، بل وعن حسن الظن بجميع من يختلفون عنه أيا كان نوع الاختلاف ومداه . يستقوون على خصومهم بالحكومة، واذا خلوا الى شلتهم قالوا ما لا يقال في العدو عن الحكومة، وكفروا بها وكفروها. في البداية يسألونك هل ترضا لأختك أن تقود السيارة؟ تفترض أنك تعرف ما يجهزونه لاجابتك فتقول نعم ليقولوا عنك أنت صاحب مبدأ، فيقولون عنك ذلك اضافة الى أنك بلا شرف. فان قلت انك لا أخت لديك، سيقولون انك لهذا السبب تدعوا لنشر الفحشاء بين اعراض غيرك. أما ان قلت لا شأن لي بهذا الأمر، فسيقولون لماذا اذن كان لك شأن بأعراض المسلمين؟ فإن قلت هذا رأيي ، وللجميع حرية القرار ، قالوا إنك متحرر. هل تعلم ما معنى متحرر لدى هؤلاء؟ إنه الشخص المنحط السافل عديم المروءة والغيرة والرجولة ، وعديم الحياء والإحساس، انه الأدنى في دناءته ، والذي لا حدود لخسته ونذالته. المتحرر عند هؤلاء هو رمز القوادة والدياثة والإنحلال. مصطلح محمل بالقذارة التي تطفح بها تصورات هؤلاء، وثقافتهم الخاصة. انهم يمتازون بالثقة الهائلة في النفس، ويعون تماما انهم اهل الجنة وأن سواهم سيكون مجرد وافد عليهم هناك. قلبوا جميع البادئ والقيم ولم يعجزوا عن قلب المعاني والمصطلحات اللغوية ، فصار المنفتح ، عقلا، في موازينهم، منفتح بمعناها الذي لا يمكن قوله احتراما للذوق العام. صدقوني انا لا ابالغ. انهم لا يفرقون بين الشريف والخائن ، العارف والجاهل ، والأدهى من ذلك : التباس معنى الحرية والعبودية في أفهامهم المنتكسة. يقول صديقي ان ابنته ذات الست سنوات استغربت مشهد ممثلة تغطي شعرها وتؤدي الصلاة، فهي ترى ان الممثلة السافرة طوال المسلسل وحدة كافرة حتماً ، فكيف تصلي كما تفعل امها؟ وبسؤالها من علمك هذا قالت الأبلى. يقول صديقي لقد ندمت على تعليم ابنتي، ليتني لم أوصلها كل يوم الى المدرسة. هذه العقلية الاجتماعية السائدة هي من جعلتنا نعيش حياة مقلوبة بكل ماتعنيه الكلمة. حتى ظهر من يقول ان حماس ارهابية دون ان يصف داعش بشيء من ذلك الإرهاب والشيطنة المستفيضة. بل إن أحد الكتاب الذين يصنفون ضمن الكتاب الشباب سلفي تقدمي، ، قد اختصرها على الجميع فقال في تغريدة عجيبة: من أعجب ما أرى : ملحد يحزن على أحداث غزة ! حينها ، وقفت عاجزا عن الكلام. فالرجل لا يفهم الأشياء كما يفهمها العالم. او كما افهمها انا على الاقل. انت لا تعلم كيف يفهم معنى كلمة ملحد، فقد تكون صفة للرجل الخائن. او عديم الإنسانية والضمير. لأنه ضمن أصحاب الثقافة التي تحول المصطلحات والانتماءات الفكرية والمعرفية إلى خوارم للمروءة ووصمات يختمون بها خصومهم ومن يختلف معهم ليرتاحوا من حرية الاختلاف وعلميته فضلا عن احترام الآخرين الذي يظهر أنه أكثر ما يشق عليهم في التواصل مع الناس. ان المتعجب من حزن الآخرين على غزة ، قد يعتقد ان قضية فلسطين سعودية كما أن سواه قد اعتقد أن الرسول سعودي. إنه يرى أن القضية تخص المسلمين ، رغم ان المسلمين هؤلاء هم من باعوا فلسطين وليسوا ملحدين أو ليبراليين ، ولذلك وجب التعجب، في مقابل تعجب الكاتب الاسلامي، فنقول، إن العجيب حقا هو ان تدافع أنت عن غزة، وتحزن على أهلها، وهو أمر عجيب لم نره بعد.