كان لملك قد تقدم به العمر وتميز بالحكمة، عدو دائم التربص به، فإجتمع به أبناؤه الاربعة ذات يوم وهم يريدون أن يوحوا لوالدهم من إنهم يتربصون بعدوهم ولا يأبهوا له، فخاطبه أحدهم على لسان بقية أخوته قائلا: لماذا يجب أن نخاف عدونا؟ فرمق الملك أبنائه بإبتسامة ذات مغزى وخاطبهم قائلا: لا بل عليكم أن تقولوا: لماذا يجب أن لا نخاف عدونا؟ ذلك أنكم إذا تخافوه فذلك يعني إن هناك أسباب تستدعي لخوفكم منه، لكن إذا قلتم لماذا يجب أن لا تخافوه، فذلك يعني أن هناك أسبابا تتوجب عدم الخوف منه وبالتالي إمكانية مواجهته بما يضمن نصركم. دول المنطقة ومنذ 38 عاما، وهي تتصرف بسياق واسلوب يوحي دائما بالحيطة والحذر الذي يرقى لدى البعض من الدول الى حد الخوف، من إيران، خصوصا بعد إستلام رجال الدين هناك لزمام الامور بعد الثورة الايرانية في شباط عام 1979، والذي ضاعف من إعمال الحذر والخوف لدى هذه الدول، هو نجاح النظام الذي أعقب نظام الشاه ولأسباب متباينة لسنا في صدد التعرض لها في هذا المجال الضيق، من التغلغل في دول المنطقة تحت مبررات ومسميات متنوعة نظير "الصحوة الاسلامية" أو "مظلومية الشيعة" أو "نصرة الاسلام والمسلمين"، والذي توضح منذ البداية إن كل هذه المبررات والمسميات إنما كانت مجرد واجهة مشبوهة من أجل تمرير مخططات مشبوهة ضد السلام والامن والاستقرار في المنطقة. ما قد تداعى ونجم عن الاحتلال الاميركي للعراق والابواب التي تم فتحها على مصاريعها أم النفوذ والهيمنة الايرانية على المنطقة، خصوصا بعد أن صار لإيران "مخالب" من داخل المنطقة نفسها تهدد بها كل من تراه يشكل تهديدا لها، ضخمت من حجم "البعبع" الايراني بل وجعلته أكبر من حجمه بكثير خصوصا بعد أن خدمته كثيرا سياسة المهادنة والمسايرة الدولية له على أمل إعادة تأهيله دوليا والتي استغلها أيما استغلال من أجل خدمة أهدافه ومصالحه على مختلف الاصعدة. لكن النقطة الاساسية التي يجب أن ننتبه لها ونأخذها بالحسبان هي إن إيران قد نجحت في إدخال المزيد من الحذر والخوف في قلوب دول المنطقة، وهو أمر يخدمها كثيرا لأن ذلك ما يساعد على دفع دول المنطقة لتحاشي الاصطدام بإيران ومواجهتها على اعتبار إن ذلك أمر غير ممكن. المشهد الايراني وكما تراه دول المنطقة، هو تماما كما تريد طهران وتشتهي أن تعكسه، فدول المنطقة ترى إيران من خلال تجاربها البالستية ومن خلال حرسها الثوري المتواجد في دول المنطقة ومن خلال مساعيها السرية المشبوهة من أجل إمتلاكها للأسلحة الذرية، ولا تراها كما ينبغي أن تراه في تداعي أوضاعها الداخلية التي وصلت الى حد أن يفرض الشعب رأيه ويحول دون فرض مرشح للمرشد الاعلى للجمهورية للرئاسة ابراهيم رئيسي وإلحاق هزيمة نكراء به، وان يحول دون إختيار مصطفى محمدي بور لمنصب وزير العدل في الحكومة الجديدة لروحاني وكلا من رئيسي وبور محمدي كانا عضوين في لجنة الموت التي نفذت أحكام الاعدام بحق 30 سجينا سياسيا إيرانيا، حيث هناك اليوم حراك شعبي يسعى للمطالبة بمحاسبة المتورطين بها والاهم من ذلك إن هذا الحراك يتصل بصورة أو بأخرى بتحركات للمعارضة الايرانية النشيطة في خارج إيران والتي تحاول من خلال حركة مقاضاة مستمرة حصر المتورطين من القادة والمسٶولين الايرانيين في زاوية ضيقة تمهيدا لجرجرتهم أمام المحاكم الدولية لكي ينالوا جزاءهم عن ما ارتكبوه. لماذا يجب أن لا نخاف إيران؟ لأنها وكما أسلفنا تمر بأوضاع ليس صعبة فقط وانما أكثر من ذلك، وإن هناك الكثير من الاسباب والعوامل التي تدعونا للوقوف بوجهها وعدم السماح لها بالعبث ببلداننا، خصوصا فيما لو تمكننا من لعب ورقة حقوق الانسان المثارة منذ فترة طويلة نسبيا ضد طهران جيدا ونجحنا في جعلها أمرا واقعا في القرارات الدولية الحاسمة بهذا الشأن وبالاخص فيما يتعلق بمجزرة صيف 1988 الخاصة بإعدام 30 ألف سجين سياسي والتي صارت بمثابة كعب أخيل لإيران، إذ أن تدويل هذه المجزرة يفتح بابا لا يمكن غلقه إلا بمحاكمة المتورطين في هذه المجزرة من القادة والمسٶولين الايرانيين. منى سالم الجبوري
مشاركة :