بقلم - رئيس التحرير(صالح بن عفصان العفصان الكواري) :أعلنت دولة قطر أن سفيرها لدى طهران سيعود لممارسة مهامه الدبلوماسية، وعبرت في هذا السياق عن تطلعها لتعزيز العلاقات الثنائية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في كافة المجالات. لقد ظلت العلاقات بين الدوحة وطهران وثيقة ووطيدة وأخوية، لم تشبها شائبة أو يعكر صفوها خلاف ثنائي رغم حالات التوتر والاضطراب التي تمر بها المنطقة من حين لآخر، ما يؤكد على الانسجام والتناغم اللذين تتسم بهما العلاقات القطرية الإيرانية على الدوام. غير أن الحدث الوحيد والاستثنائي الذي اعترض المسيرة الطبيعية لعلاقات الدوحة وطهران هو حدث سياسي، اضطرت قطر معه إلى خفض علاقاتها الدبلوماسية مع إيران واستدعاء سفيرها لدى طهران تضامناً مع السعودية عندما أحرق متظاهرون إيرانيون بعثات المملكة لدى إيران في يناير من العام الماضي. والآن وبعد أن انتفى سبب سحب السفير القطري من طهران بالعداء السعودي السافر لقطر والفجور في الخصومة معها وقيادة حصارها، بادرت قطر بإعلان عودة سفيرها إلى طهران لمقر عمله هناك، ما يعني أن سبب سحبه في الأصل لم يكن لخلاف ثنائي من أي نوع بين البلدين وإنما لأسباب تضامنية مع دولة شقيقة، غدرت بشقيقتها الصغرى من دون مبرر، ولم تراع حق الأخوة معها واللحمة والدين والجوار والتاريخ والمصير المشترك الذي يجمع بينهما، ليمتد الغدر السعودي بجنون، وبكل جهد ومسعى خبيث ليعض، بل ليقطع اليد التي امتدت للشقيقة الكبرى بالدعم والمؤازرة دوماً. وللأسف وفي الوقت الذي كانت دولة قطر متضامنة مع أشقائها في المنطقة خاصة السعودية، وقامت بخفض علاقاتها مع إيران، اجتهدت الرياض في السرّ وتوسلت -وإن نفت- للعراق، ليقوم بدور الوسيط بينها وبين إيران، ما يكشف للعلن عن ازدواجية في المواقف، فهي في الوقت الذي تطلب فيه من قطر مقاطعة إيران، تسعى هي بكل جهد لترميم علاقاتها معها دون استحياء أو خجل!!. إن ما يجمع بين دولة قطر والجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر من هدف وعامل مشترك، فبخلاف علاقات الإسلام وجغرافيا الجوار والروابط الاقتصادية والتجارية والسياسية، فإن كلاً منهما عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، فضلاً عن كونهما من أكبر منتجي ومصدري الغاز في العالم ويجمع بينهما حقل غاز مشترك. وفي أثناء الأزمة الخليجية المفتعلة الراهنة، توطدت العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بفتح وتدشين خطوط بحرية لتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي، بعد أن أصبحت إيران معبراً حدودياً وحيداً لقطر في خضم هذه الأزمة المفتعلة التي حاصرت فيها دول خليجية، دولة شقيقة بدوافع صعب فهمها ومزاعم عجزت عن إثباتها. وما يؤكد على استقرار العلاقات القطرية الإيرانية أن دولة قطر ظلت تدعو دائماً إلى علاقات عربية وخليجية طيبة وطبيعية مع إيران، في إطار حرص وسياسة قطر التي تؤكد دائماً على الحوار والتفاوض، كسبيل وحيد لحل الخلافات بالطرق السياسية والدبلوماسية، بعيداً عن لغة التصعيد والتهديد. وتجلى الموقف القطري هذا في خضم الخلاف الغربي والخليجي مع إيران حول برنامجها النووي، حيث رأت قطر أن من حق كل دولة امتلاك مفاعلات وطاقة نووية للاستخدامات السلمية، وبجعل منطقة الشرق الأوسط كلها خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل دون استثناء لأي دولة بما في ذلك إسرائيل. لذلك فإن كلاً من قطر وإيران حريصتان على علاقات استراتيجية وذات مصداقية ومستدامة بينهما، تحكمها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير، يعزز كل ذلك سياج منيع من المنافع التجارية والاقتصادية وروابط الدين والجوار، فضلاً عن كون إيران دولة إقليمية لها وزنها وشأنها، رضي من رضي وأبى من أبى، فهذه هي الحقيقة وعلى الجميع التعامل معها من هذا المنطلق، من دون عناد وتكبر ورياء ونفاق. وبلا شك فإن كل دول الحصار بلا استثناء تدرك هذه الحقيقة، وتعمل من جانبها لإيران ألف حساب، وتسعى جاهدة بل هي كذلك، ومن تحت الطاولة لتوطيد علاقاتها معها، وذلك أمر معروف ومكشوف لا يحتاج لإعلان، علماً أن حجم التبادل التجاري والاقتصادي لدويلة أبوظبي المفككة والمنافقة، يفوق 80 بالمائة من التبادلات التجارية لدول مجلس التعاون مجتمعة، ما يفضحها ويعريها أمام الملأ، لكنها لا تختشي، فليس هناك ما تستحي منه بعد أن احتلت إيران أراضيها وسلبت سيادتها وانكشف غدرها وهوانها على نفسها وشعبها. وفي ذات السياق، تتناسى السعودية وتتغابى أن من بين أسباب حصارها لقطر الادعاء بتنامي العلاقات بين الدوحة وطهران، لكن الرياض ودون استحياء، تخطب الآن ود إيران بحثاً عن طوق نجاة لانتشالها من مستنقع اليمن الذي أسقط عليها لعنات الملايين في الأمة العربية والإسلامية وسخط العالم أجمع وإدانة منظماته الحقوقية والإنسانية، فهي بتحالفها البغيض تقتل كل يوم أطفال ونساء وشيوخ اليمن بدم بارد دون أن تحقق أي إنجاز بعد مرور أكثر من عامين على تورطها في هذه الحرب اللعينة. إن هرولة السعودية نحو إيران ومصافحة وزير خارجيتها لنظيره الإيراني على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول وزيادتها لـ(كوتة) حجاج إيران، ما هو إلا مؤشر جلي لهذا التهافت السعودي نحو إيران وتأكيد في نفس الوقت على ارتباك واضطراب سياسات المملكة ومعها دول الحصار في علاقتها مع الجارة العظمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وليس أدل من نفاق المملكة وكذبها وخداعها فيما يخص حرارة علاقاتها مع إيران ما أعلنه وزير الخارجية الإيراني قبل يومين من أن وفوداً من إيران والسعودية ستتبادل الزيارات الدبلوماسية قريباً بعد موسم الحج وأن التأشيرات قد صدرت، ما يؤكد أن ادعاء السعودية بسوء علاقاتها مع إيران مجرد كذب فاضح وادعاء باطل ولا أساس له. لا نقول إن عودة سفير قطر لطهران، بداية لمرحلة جديدة، لأن علاقات البلدين كانت وستظل في أفضل حالاتها، تحكمها المصالح المشتركة وتوجهها إرادة سياسية فاعلة، بعيداً عن المزاجية والنفاق والمجاملات. ومما لا شك فيه أن قرار قطر بعودة سفيرها لطهران هو قرار صائب، خاصة في هذه المرحلة التي تتعرض فيها الدولة لحصار جائر وحاقد، وأن من شأن عودته وتواجده في إيران تسهيل المعاملات والتبادلات التجارية والاقتصادية. وبالتأكيد فإن كلاً من قطر وإيران تدركان تماماً مدى تأثيرهما في المنطقة، لذلك تحرصان على علاقات طبيعية بينهما تعزز دورهما المتنامي والمؤثر فعلاً، وعلى دول الحصار أن تدرك هذه الحقيقة، وتسعى لبناء شراكات متعددة مع قطر وإيران، بعيداً عن علاقات الشد والجذب، وتغذية الخلافات السياسية والطائفية والعقائدية، فمن المفيد الوضوح في العلاقات بدلاً من النفاق والدسيسة وتبدل المواقف. ولا شك أن دول الحصار تعي كل ذلك، لكنها تدفن رؤوسها في الرمال، وتخجل، من أن تكاشف وتصارح شعوبها بمدى تواصلها وعلى أعلى مستوى عبر خطوط ساخنة مع الجانب الإيراني، فالجميع قد تعوّد منها هذا النفاق، والكل يدرك تماماً أن هذه الدول والدويلات المفككة والمرتبكة، غير صادقة في مواقفها وأقوالها، وأنها بالتالي لن تسير في طريق الوهم بمعاداة إيران حتى النهاية!! وليعلم الجميع أن عودة سفير قطر لطهران لا علاقة لها بالملفات الإقليمية التي لدولة قطر مواقف واضحة وثابتة منها، حتى وإن كانت تتقاطع مع سياسة إيران ومن ذلك موقف الدوحة الثابت مما يجري في سوريا ومطالبتها بتحقيق العدالة للشعب السوري الشقيق ومحاسبة مجرمي الحرب ومنتهكي حقوقه وعدم إفلاتهم من العقاب، جراء ما اقترفوه من مجازر وانتهاكات تبقى وصمة عار في جبين العالم الحر. إن التنامي الملحوظ في وتيرة العلاقات القطرية الإيرانية لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي تمر بها منطقة الخليج، يمثل مكسباً لدول وشعوب المنطقة كلها، فصوت العقل الذي ينطلق من قطر ومن الكويت ومن سلطنة عمان، كفيل بتحقيق استقرار المنطقة وإبعادها عن دوامة الأزمات التي تتخبط وتخوض فيها بسبب سياسات عرجاء وهوجاء لدول فاقدة الأهلية غير مؤتمنة على مصالح شعوبها وشعوب أشقائها. تتطلع قطر دوماً لمنطقة بل لعالم يسوده الأمن والاستقرار والطمأنينة والعيش المشترك والتعايش السلمي بين الشعوب والثقافات والحضارات، دون تمييز وعنصرية وخطابات كراهية طائفية ومتطرفة، وتسعى قطر - وهذا ديدن سياستها باستمرار- لحل الخلافات عبر التفاوض والحوار، لصالح الشعوب وعدالة قضاياها وإسماع صوتها وبالأخص في منطقتنا الخليجية. editor@raya.com
مشاركة :