أكثر الدهون ضرراً بصحتنا والتي تتسبب في مخاطر الأمراض التي تبدأ بالظهور في أعمار متقدمة، هي الدهون المتحولة. أظهرت العديد من أبحاث الآونة الأخيرة أن الدهون التي تتسبب في السمنة ومقاومة الأنسولين واللبتين والتي هي سبب الأمراض التي تظهر في المراحل المتقدمة من العمر- هي دهون نباتية متحولة، تغيرت بسبب مرورها بمراحل صناعية مختلفة وفقدت طبيعتها بالكامل. وأفاد بحث شامل في هذا الموضوع، نُشر عام 1999 بكلية الطب قسم العلوم الأساسية في صحة الشعب بجامعة هارفارد، بأن الدهون المتحولة أكثر ضرراً من الدهون الحيوانية الصلبة. وفي العام التالي (2000)، أعلنت منظمة القلب الأميركية أن الدهون المتحولة أكثر ضرراً من الدهون الحيوانية الصلبة، وخاصة الزبدة (السمن البلدي)، التي نخاف منها كثيراً، ومن خوفنا نحاول ألا نتناولها بالمرة، وشددت على مخاطر الدهون الموجودة في الأطعمة الجاهزة على صحتنا. ولهذه الأسباب، أقر مجلس بلدية نيويورك وباريس في عام 2006 بتوضيح كميات الدهون المتحولة على أغلفة الأطعمة الجاهزة (المعلَّبة) إجبارياً. لماذا وكيف تتكون الدهون المتحولة؟ وفي أي شكل يتم تناولها؟ تتكون الدهون المتحولة من دهون نباتية سائلة. كل من زيت الذرة وزيت عباد الشمس -أكثر الزيوت المستخدمة في بلدنا (تركيا)- يحتوي على دهون "أوميغا 6" (دهون غير مشبَّعة متعددة). دهون "الأوميغا 6" هي دهون فائقة التأثُّر وهشّة جداً؛ فهي تتفكك وتفقد طبيعتها بسرعة شديد. ولأن الزيوت النباتية التي تحتوي على "أوميغا 6" تفسد سريعاً، لا تستطيع الصمود على أرفف المحلات فترة طويلة. تقوم المصانع بتحويلها إلى زيوت مكررة (مثل المارغرين والريفيرا) على شكل دهون مشبَّعة أو نصف مشبَّعة عبر عمليات مختلفة؛ عندها تفقد بالكامل الفيتامينات الطبيعية والمعادن الصحية التي بها مع فقْد الدهون غير المشبعة المتعددة خصائصها الطبيعية. فتصبح غير بكر؛ أي تم التدخل بها. فقد حرموها من الفيتامينات والمعادن الطبيعية ومن دهون "الأوميغا 6" غير المشبعة المتعددة الصحية في الأصل، ولكنها تفسد سريعاً. حسناً، ما هي خصائص هذه الزيوت غير الطبيعية؟ الزيوت غير الطبيعية التي جعلوها شديدة التحمل لا تفسد سريعاً. من الممكن حفظها في المنازل أو على أرفف المحلات فتراتٍ طويلةً دون أن تكتسب طعماً مُرّاً. لهذا السبب، من الممكن إنتاجها بكميات كبيرة وشراؤها بالجملة وحفظها فتراتٍ طويلةً دون أية مشاكل. ويضاف إلى الأطعمة الجاهزة المعدَّة بهذا النوع من الدهون السائلة النباتية، سكر فاكهة (فركتوز)، وروائح كيميائية ذكية، وألوان طعام متنوعة (مُكسِبات طعم)، ومواد حافظة غير طبيعية بهدف تركيز طعمها والزيادة في استخدامها. صيغة الدهون المتحولة الكيميائية تشبه كثيراً صيغة البلاستيك الكيميائية. عند ترك زيت الذرة أو زيت عباد الشمس في العراء فتراتٍ طويلةً فلن تفسد، لكن شاهدنا جميعاً كيف تكوَّنت طبقة بلاستيكية سميكة في قاع الزجاجة. كذلك "المارغرين" الذي يحتوي على كميات كبيرة من الدهون المتحولة، لا يفسد بسهولة ولا يقع عليه أي ذباب ولا حشرات ولا ما شابه بأي شكل من الأشكال عند تركه فتراتٍ طويلةً في العراء. لم يبرمَج أي كائن حي على تناول الدهون المتحولة التي يتم إنتاجها في المصانع (التي نتناولها عمداً أو عن جهل) بكميات كبيرة في حياتنا المعاصرة. ولهذا فإن ما يضر بصحتنا فعلاً ويزيد من وزننا ويتسبب في كل أنواع الأمراض، هي الدهون المتحولة غير الطبيعية التي تشبه البلاستيك والتي تنتَج بالمصانع بعد العديد من العمليات الصناعية. ولهذا السبب، زادت بالقرن الأخير وتستمر في الزيادةِ الأمراض المزمنة والأمراض التنكسية. قال د. دودلي وايت Dudley White، أشهر خبراء أمراض القلب في أميركا: "بدأت العمل كأخصائي أمراض قلب في عام 1921، ولم أشهد ولا حالة أزمة قلبية واحدة حتى عام 1928". في هذه الأعوام التي لم ير فيها حالات أزمات قلبية، كانت كل الناس تستخدم من الدهون الزبدة الطبيعية ودهن الحيوان وزيت الزيتون. وكانت الدهون النباتية السائلة لم تُكتشف بعدُ ولم تأخذ مكان الزبدة زيت الزيتون في المطبخ وعلى أرفف المحلات الصغيرة، على أساس أنها أرخص وصحية. وأُعلن في منشورات علمية عدم رؤية أي حالات سرطان في أوائل العصر الماضي (القرن العشرين). يمكننا أن نعدِّد أشكال تكوُّن الدهون المتحولة بإيجاز على النحو التالي: * تتكون الدهون المتحولة غير الصحية عند تحويل المصانع الدهون النباتية السائلة -كزيت الذرة وزيت عباد الشمس- إلى دهون صلبة أو نصف صلبة؛ أي تحويلها إلى "مارغرين". * تتكون الدهون المتحولة عند تكرير الدهون النباتية. * تتكون الدهون المتحولة باكتساب الدهون النباتية طعماً مُراً؛ نتيجة تركها في العراء وتعرُّضها للضوء والهواء والأكسجين فتراتٍ طويلةً. * تتكون بكميات كبيرة دهونٌ متحولة عند احتراق الدهون والطعام؛ نتيجة طهيه وتحميره على درجات حرارة عالية. * تتكون دهون متحولة في مرحلة تصنيع أي من الأطعمة والأشربة. في المرة القادمة، سنتحدث عن ضرر الدهون المتحولة على أجسادنا. ترجمة حنان أحمد ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :