للذكر مثل حظّ الأُنثيين

  • 8/26/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أثار مشروع القانون الجديد الذي اقترحه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الكثيرَ من النقاشات والحوارات على شبكات التواصل الاجتماعي وحتى القنوات التلفزية، فبين مؤيد ومعارض، اشتعل الحوار واحتدم النقاش بين مؤيدي التيار الإسلامي ومؤيدي التيار العلماني، ويدخل على خط الصراع الأزهر، ويرفض ويبدي باسم يوسف وجهة نظره ويرحب، ومع أن المشروع برمته مجرد اقتراح لم يمرره البرلمان بعد، ولا يبدو أن حركة النهضة التونسية سوف تقف حتى يمرر القانون، فقد صرح عدد من مسؤوليها مثل عبد اللطيف المكي ويمينة الزغلامي برفضهم للقانون، وإلى أن ينتهي الأمر ما زال النقاش على أشده. لقد أثار طرح السبسي الكثير من النقاط حوله الاستبداد باسم الحرية في عيد المرأة التونسية يقرر السبسبي أن يدعو إلى تحرير المرأة التونسية على طريقة بورقيبة وحظر للحجاب، الرجل أراد أن يحرر المرأة ويغير قوانين الأحوال الشخصية ويسمح بالزواج المدني بين المسلمة وغير المسلم، ويغير في قوانين الميراث ويرى أن كل ذلك من منطلق الحرية والمساواة، نسي أن القوانين الخاصة بالحريات والأحوال الشخصية تصعد من أسفل إلى أعلى في النظم الديمقراطية فيبدأ القانون بالفكرة الأولى القادمة من الشارع ثم تناقش وتطرح للتداول المجتمعي ثم يتبناها تيار أو مجموعة مؤمنة بها، وينادي بها في برلمان الشعب ويناقشها نوابه ويبدي رئيس الجمهورية وجهة نظره بها، ثم بعد ذلك تُقر أن ترفض طبقاً للآليات المتبعة ومدى توافقها مع الدستور والمجتمع والواقع، أما في حالة المقترح القادم من قصر قرطاج، فقد أتى القانون ليهبط من أعلى قمة الهرم بدون التدرج في درجات سلم الحرية والديمقراطية، جاء لفرض أجندات سياسية، في حين أن تونس تحتاج لأجندة تنموية تنهض بالاقتصاد، لم أتعجب من طرح السبسي، فالرجل وإن جاء بطريقة ديمقراطية لا خلاف عليها، لكنه تربى وعاش وخدم في مدرسة الديكتاتورية التي ثار عليها التونسيون وأسقطوا رأسها فقط، ويبدو أن الرجل يشتاق إلى عباءته القديمة. طرح منقوص للذكر مثل حظ الأنثيين، هي إحدى حالات الميراث طبقاً للشريعة الإسلامية التي يرث الرجل فيها ضعف ميراث المرأة، ولكن تلك ليست الحالة العامة الوحيدة، فإن كان ميراث الرجل ضعف ميراث المرأة في أربع حالات، فإن ميراث الرجل يتساوى مع ميراث المرأة في سبع حالات، ويكون للأنثى أكثر من الذكر في سبع حالات، وترث المرأة ولا يرث الرجل في ثلاث حالات، فهل تكون دعوة المساواة في كل الأحوال أم في حالة للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان في حالة (للذكر مثل حظ الأنثيين)، فأين المساواة وقد أجحفت حق الرجل حين كان نصيبه الأكبر وحققته حين تساوى أو نقص عن نصيب المرأة، وإن كانت المساواة في كل الأحوال فقد أجحفت حق الذكر والمرأة حين ساوت في مواضع يكون المساواة فيها قمة الظلم. وما زاد عوار الطرح هو الإبقاء على منظومة الميراث الإسلامية مع محاولة تغييرها طبقاً لأهواء الطارح، فإن كانت المنظومة لا تعجبك ولا تراها متوافقة مع أيديولوجيتك، فلماذا لا تدعو إلى تطبيق منظومة مدنية كاملة تختلف عن المنظومة الإسلامية، سواء أكانت منظومة قوانين فرنسية أو منظومة قوانين أنجلوسكسونية والتي بالمناسبة لا تساوي بين الرجل والمرأة بصورة كاملة في الميراث، ولكنها تساوي في حالة الإخوة وتمنع المرأة الميراث في حالات أخرى يقرها الإسلام نصيب، لكن على كل الأحوال تطرح وجهة نظرك وطرحك لبناء منظومة جديدة على المجتمع وترى وجهة نظره، فإن وافق فبها وإن رفض فلا داعي لاتهامه بالرجعية والتخلف، ولتترك البناء الإسلامي على حاله، وأعتقد أن محاولات الاجتهاد أو التغيير لا تكون في نصوص تفصيلية قطعية الثبوت مثل (للذكر مثل حظ الأنثيين)، أما زواج المرأة المسلمة من رجل غير مسلم فهو أمر لم يحله شيخ أو فقيه منذ 1500 عام ويعتبر من المسلمات، والنقاش فيه تحت مظلة إسلامية يعد أمراً غير منطقي بالمرة. انتهت كل المشكلات وبقي الميراث في الوقت الذي تعاني فيه تونس من مشكلات التمييز ضد المرأة الريفية، وتحتاج إلى قوانين لتطبيق العدالة الاجتماعية للنساء الكادحات والعاملات، يخرج ذلك القانون يثير اللغط ويسبب ذلك الكم من النقاش الأجوف ويضيع الطاقات والوقت، وتترك الموضوعات ذات الجدوى والتي تحتاج إلى معالجة أسرع. أما في الحالة المصرية، وقد اهتم المصريون بتلك القوانين، وخصوصاً بعد رفض الأزهر لها، فالموقف قد تشابه بين طرح السبسي للزواج المدني وتدخل السيسي في الطلاق الشفوي، وهنا يثار سؤال مهم: هل حقاً مصر في حاجة إلى ذلك النقاش؟ ففي الوقت الذي قد لا ترث فيه المرأة في بعض مناطق الريف والصعيد المصري، ولا تحصل على حقها من الأراضي والممتلكات، وذلك على مرأى ومسمع من الحكومة والنظام الذي لا يتدخل حتى لا يصطدم بالأعراف والقبليات التي ما زالت فعالة خارج المدن؟ هل نحن بحاجة إلى محاولة تغيير منظومة الميراث أم بحاجة إلى دعم آلية منح الحقوق وتحقيق العدالة؟ وفي النهاية أعتقد أن الواقع أقوى من التنظير، والدين جزء من العرف الحاكم للواقع، ومن يملك الآلية والقدرة على التغيير هو مَن يطبق أفكاره وأيديولوجيته.. وبالتوفيق للجميع. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :