تجارب روائية عربية تفضح المسكوت عنه

  • 8/26/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الناقدة الأردنية هيا صالح تشير إلى ظهور تجليات ثيمة الحرب من خلال المزج بين الواقعي الذي يمثل مرحلة الضعف والخذلان، والأسطوري الذي يحيل البطل أحيانا إلى صانع للمعجزات.العرب  [نُشر في 2017/08/26، العدد: 10734، ص(17)]انعكاس لمجريات الحياة بيروت – تبدو العلاقة بين العمل الروائي والحياة وثيقة جدا، كون الرواية تعكس واقع الحياة في الكثير من الكتابات، وإن غلّفت ذلك بإطار أدبي مشوق. وقد صدر للناقدة الأردنية هيا صالح كتاب جديد عن “الآن ناشرون وموزعون” بعنوان “المسافة صفر.. اشتباكات الرواية والحياة”، رصدت فيه إحدى وثلاثين قراءة نقدية لنصوص روائية عربية لروائيين من الأجيال المختلفة، منها “القط الذي علمني الطيران” لهاشم غرايبة، و”خضراء كالمستنقعات” لهاني الراهب، و”الخطوات” لعزت الغزاوي، و”ظل الشمس” لطالب الرفاعي، و”حيث لا تسقط الأمطار” لأمجد ناصر، و”زجاج الوقت” لهدية حسين، و”استعراض البابلية” لعاطف سليمان. تقول المؤلفة: إن الصورة المجبولة بالكلمات تمثل انعكاسا لمجريات الحياة التي هي الينبوع الذي يستمد منه السرد -وبخاصة الرواية- نسغه ويشكل من خامته وطينته عوالمه الثرية، إذ يطوع الكاتبُ المادةَ الخام ويعيد تشكيلها وفق رؤيته الجمالية وأسلوبه الخاص، وهو بذلك يصنع عالما من الورق موازيا لعالم الواقع، وكلّ من هذين العالَمين يؤثر في الآخر ويتأثر به ويتفاعل معه، بما يجعلهما شديدي الصلة ببعضهما البعض، وكأنما الواقع يُنتج نصاً ينتظر أن يسكب على الورق، كما تتشكل على الورق حياة تلامس الواقع وتسعى للتحقّق من خلاله. وأضافت هيا صالح أن المقالات في كتابها هذا تؤشر على ما اتجهت إليه الرواية العربية على صعيد الأسلوب، من خلخلة للتتابع الطبيعي للزمن عبر الاسترجاعات والاستباقات، وعناية أقل بتفاصيل المكان، واستخدام التكنيك السينمائي والتقطيع الدرامي، واللجوء إلى المونولوج الداخلي وتيار الوعي، كما بدأت الرواية العربية تشهد تحولاً بلغ حد الانقلاب الجذري في صورة الذات، فبدلاً من أن تكون الذات الجمعية المتشكلة من أصداء الذوات الفردية المنسكبة فيها، هي المركز، صارت الذوات التي تمتلك كل منها رؤاها وتصوراتها وتطلعاتها الخاصة، هي المحور الذي تتشكل الذات الجمعية من تفاعل مكوناته وأصداء اشتباكاتها. ولفتت صالح إلى أن هذا ما استتبع تغييراً في بنى السرد، إذ اختفى “الراوي العليم” أو كاد يختفي، وهو الراوي الذي ظل إلى وقت قريب يقبض على الأحداث، يتنبأ بها ويحللها ويتدخل في شارداتها ووارداتها. وشاع بدلاً منه ضمير المتكلم، الذي يمكّن الراوي من تقديم منظور ذاتي يرصد انعكاسات الخارج على داخل الشخصية. طبيعة البحث في الموضوعات وطريقة معالجتها، تغيرتا على وقع التغيير الذي أصاب الأسلوب والبنية في الرواية كما برزت ظاهرة الجمع بين أكثر من ضمير سردي، أو اعتماد عدد من الرواة في النص الواحد، يرصد كل منهم الأحداث من وجهة نظره، بما يتيح للقارئ إطلالة ضافية على الأحداث من زوايا مختلفة، والانحياز إلى وجهة النظر التي يرى أنها تعبّر عنه، بما يجعله شريكاً فاعلاً في إنتاج النص، أو إعادة إنتاجه بحسب ما ترى إحدى نظريات التلقي. وبيّنت أن طبيعة تناول الموضوعات وطريقة معالجتها، تغيّرتا على وقع التغيير الذي أصاب الأسلوب والبنية، إذ تكشف المقالات في كتابها عن انشغالات الرواية العربية بالراهن، وعن أسئلتها الكبرى التي تتصدرها موضوعة الحرب بلا منازع، بنتائجها وتداعياتها الكارثية على الجماعة، وقبل ذلك على الفرد الذي باتت ذاته تعاني من الشروخات والتصدعات، وفقدَ قدرته على الانخراط في الحراك الاجتماعي، أو الانفتاح على محيطه، وسيطر عليه الإحساس بالاغتراب والعزلة والتخبط وفقدان البوصلة. كما أشارت الناقدة إلى ظهور تجليات ثيمة الحرب في الأعمال المتناولة، بالمزج بين الواقعي الذي يمثل مرحلة الضعف والخذلان، وبين الأسطوري الذي يحيل البطل أحيانا إلى صانع للمعجزات توقا إلى قلب معادلة الواقع رأسا على عقب، وتحقيق التغيير المنشود. وأكدت أن الرواية العربية قطعت أشواطا كبيرة في مسيرتها، وأفرزت -ولا تزال- أصواتا مهمة ينبغي التوقف عندها ومعاينتها، وهو ما يحاوله كتابها هذا في درسه تجاربَ تطرق أبواب المحظورات، وتفضح المسكوت عنه، وتحرك الراكد في مجتمعاتنا، وتتصدى لما غلف العقل العربي من جمود وتبعية. وأوضحت أن هذه المقالات كُتبت استجابة للأثر المتحصل بعد فعل القراءة، كل على حدة وفي زمنها، من دون خضوع لبرنامج قراءة معَدّ مسبقاً، وبمنأى عن أي خطط مدروسة في هذا السياق. وهذا ما يفسر حضوراً لتجارب روائية وغياباً لأخرى في البلد الواحد، مثلما يفسر التركيز على نتاج روائي في بلدان عربية بعينها أكثر من سواها، إلى جانب التباين في المستوى الفني للتجارب التي جرى تناولها، والتفاوت في الدربة وخبرة الكتابة بين روائي وآخر.

مشاركة :