لا نهاية مفتوحة لانفعالات دولة قطر بقلم: حامد الكيلاني

  • 8/26/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

التنسيق بين إيران وقطر لم يعد خافيا والتداول في الشؤون الأمنية والاستخباراتية طبيعي جداً طالما أن فرز المعسكرات سياسة قائمة وجادة وبفحوى سياسي يسعى إلى إطالة الأزمة وتصعيدها.العرب حامد الكيلاني [نُشر في 2017/08/26، العدد: 10734، ص(8)] بكامل وعيها ورشدها اختارت دولة قطر نزولها إلى النفق الإيراني المظلم. لم يعد بالإمكان التعامل معها كنظام سياسي حاكم وفق منظور المجاملة والوساطات الأخوية والنصح والإرشاد وبدعوات التعقل والحكمة فقط. لا نفاد في تلك المهمات بحكم أواصر الأسرة الخليجية العربية وكذلك برؤية الواقع العربي الـذي تتـدافع فيه المدن العربية نحو الهاوية، مدينة تلو الأخرى ببلدوزر إرهـاب داعش والإرهاب الإيراني. دول الخليج العربي رغم المؤثرات إلا إنها ظلت تحافظ على استقرارها في التنمية الشاملة والاستثمار في الطاقة والتكنولوجيا الحديثة، أي إننا لسنا أمام حالة منجزات على الورق في دول لا نذهب بعيداً عندما نطلق عليها تسمية دول الملصقات الديمقراطية، من ثورة الملصقات والوعود الانتخابية إلى ملصقات أنصاف أو أرباع أو صفر مشاريع. إذن نحن في مقاييس الاختيار بعـد تجربة الأشهر الماضية من الأزمة القطرية. قطر تقول لنا إنها اختارت قيودها. ومن تجارب الأفراد والدول هناك من يفضلون طريقاً نراه، وهو كذلك فعلا، محفوفا بالمخاطر والندامة. النظام السياسي الحاكم في قطـر يبصر مثلنا، لكنـه إما منقاد بلا حول أو قـوة، وإما إنه بعقـل مغيب أو إنها مراهقة سياسية سرعان ما تصطدم بما يترتب حتما على مستقبلها وكينونتها كدولة، وعندها تكون محاولة الإفلات من النفق أصعـب وأخطر من عودتها إلى مكانتها وهي على بوابة النزول الأولى في النفق. قطر تدري وتعي جيداً إن إخوتها وقلوبهم وأفعالهم مع شعب قطر برسائل المودة وبتخفيف الأزمة البادية للعيان خاصة في موسم الحج وعيد الأضحى، وهو عيد للتسامح والتقارب لا يرى فيه أيّ مسلم حرجاً للتراجع طلباً لوصل ما انقطع من صلات الإخاء والتراحم. والفضل كل الفضل لمن يبادر حتى وإن لم يكن مخطئاً ولمن يستجيب أيضاً. تلك هي المفاهيم وذلك هو التصرف الإنساني الحاكم في العلاقات العربية والإسلامية، إذ لا توجد نهاية مفتوحة للانفعالات السيئة إلا بالخسائر الفادحة. تكاثرت الأنفـاق والحديث عنها منذ مجيء الخميني إلى السلطة في إيران ودخول العراق مجبراً إلى نفق الحرب. توالت في العراق رؤية الضوء في نهاية النفق الحالك الظلام، ومضت 38 سنة والضوء ما زال مجرد هاجس أو وهـم أو رغبة بحياة مفقودة، بل زاد النفق في ويلات المجهول من حروب وإرهاب وميليشيات وإبادات وتشرّد. عند الحديث عن دولة قطر نحن نقصد دائماً نظامها السياسي وليس الشعب القطري، لأننا في العراق حصرا على يقين إن الشعوب العربية لو تركت لمصيرها لما اختارت إلا البيت العربي الواحد الذي يجمعها على مكارم خصالها وأسباب قوتها ومنعتها ولما سمحت لآفات المشروع العصابي لولاية الفقيه أن يفتك بشعوبها ويمزقها إلى ما هي عليه من حال. ماذا تريد دولة قطر وهي تنزلق بإرادتها إلى نفق المحور الإيراني؟ الأدهى أن هذا التورط المعلن يحدث بعد تقويض دولة بمكانة العراق ودولة بمكانة سوريا بكل عمقهما الإنساني والحضاري والاجتماعي مع ملحقات لأزمات أخرى في المنطقة هي شواهد ليست من نسج أعداء دولة قطر، إذا كان لها أعداء كما تريد أن تفسر لنا أسباب الأزمة مع أسرتها الخليجية والعربية أيضا. إذا كانت قطر بكامل رشدها، فالقانون الدولي الرابط بين قطر ومحيطها الخليجي والعالم يحاسبها كدولة تنتمي إلى المجتمع الدولي وعضو في هيئة الأمم المتحدة. وما يمكن أن يقع على إيران يقع عليها، بسبب خروقات طهران وانتهاكها للسلم العالمي وتمددها واستيلائها بسياساتها الخرقاء ومشروعها القومي المذهبي الطائفي على دول ذات سيادة وبإثارتها للأزمات في دول أخرى. دولة قطر لن تكون خارج مديات سلطة القانون الدولي لكونها دولة صغيرة أو دولة مدللة لمواردها المالية أو الاستثمارية. قطر اجتهدت على تقديم نفسها كدولة ذات صلة بالأنشطة الرياضية وهو ما كنا نتمنى أن تستمر فيه لأنه وجه يفترض أن يكون مدخلاً للأفكار البناءة والطموحة في منطقتنا، لكن أن يلعب هذا الوجه دوراً في زيادة الفوضى فذلك مدعاة إلى التدقيق في تفاصيل الأحداث وبأثر رجعي لأن المحصلة تتطابق مع السلوك الإيراني المفضوح. قضية الحج التي أثارتها قطر سعيا منها إلى التدويل، رغـم تسهيلات ومبادرات المملكة العربية السعودية، هي إعادة فجة لسيناريو الحجاج الإيرانيين في العام الماضي. التنسيق بين إيران وقطر لم يعد خافياً والتداول في الشؤون الأمنية والاستخباراتية طبيعي جداً طالما أن فرز المعسكرات سياسة قائمة وجادة وبفحوى سياسي يسعى إلى إطالة الأزمة وتصعيدها. لهذا الأهداف ما عادت محتشمة بإفراط إنما حلّ التصريح والفعل بديلاً عن التلميح، وإلا ما معنى الانفتاح السريع على إيران؟ الركض إلى المجتمع الدولي قد نجد له مبررا كمدخل لحل الأزمة ولتقريب وجهات النظر بحثا عن حلول ومخارج تحفظ ماء الوجه ومصالح شعب دولة قطر وتجنبها الشرر المتطاير من الحرب العالمية على الإرهاب. النظام الإيراني من غير المعقول أن يكون طرفا تلجأ إليه قطر لحل أزمتها مع محيطها العربي. هل تبحث قطر عن هوية خاصة لدولتها؟ وهذا سؤال منطقي بحكم إشهارها عقد قـرانها على المشروع الإيراني، هل تريد تجنب مآلات دول كالعـراق وسوريا واليمن خوفا من التغـول الإيراني، في قراءة انتهازية مسبقة للصراع الدولي الأكبر في المنطقة؟ هل صار على العرب أن يستعيدوا وينتزعوا العراق وسوريا واليمن ولبنان ومعهم قطر من مخالب ملالي طهران؟ وبأي وسيلة وحوار ودبلوماسية؟ فريضة الحج ومجريات الأمور هل تقدّم لنا الآن وبعد نهاية مراسم الحج حقائق لمعالجة أزمة قطر؟ في وقت لا يغيب عن بالنا سيرة صادرات ولاية الفقيه الإيراني منذ سنة 1979 في قضية تسييس الحج. كلمة تسييس ربما لا تفي بوصف الأنشطة الاستخباراتية والمخاطر الأمنية والفعل الإرهابي وفي فترة كان فيها العراق يقف سداً أمام الحماقات الإيرانية كما حصل في موسم الحج لسنة 1987. ماذا نتوقع من موسم الحج هذا، وإيران احتلت العراق بهدية من الرئيس الأميركي جورج بوش الابن والرئيس باراك أوباما الذي منحها سوريا أيضاً هدية فوق بيعة الشرق الأوسط لإيران بعد الاتفاق النووي معها. ماذا عن الإرهاب ودعم تنظيمات القاعدة وداعش والفصائل المتشددة في العراق وسوريا؟ هل كانت قطر على تواصل استخباراتي مع إيران لنشر الفوضى كجزء من استلهامهما لمكانة كل منهما في لعبة السياسة الدولية؟ ورقة قطر لم تكن بيضاء في دعم التطرف فهي في إجراءاتها وخطواتها قدّمت أوراق اعتمادها كدولة راعية للإرهاب استطاعت لفت الانتباه إليها لفك التطويق والعزل المعلن الذي بدأت به الإدارة الأميركية الجديدة ضد إيران. اللعبة المزدوجة من أخطر مغامرات السياسة ولا تليق بالدول وتدفع ثمنها غالياً، وإيران وتوابعها من شراذم مشروع فتنتها الطائفية يستغلون كل مناسبة دون تمييز ومنها فريضة الحج بلا رادع ديني أو أخلاقي، والمجرب لا يجرب لكن مناسك الحج تعني عبور الحدود الوطنية السياسية للمملكة العربية السعودية بمجاميع بشرية هائلة ومن كل بقاع الأرض، الذين توحدهم فكرة إنهم سواسية أمام الخالق وبلا حدود فاصلة تفرقهم. لذا كانت لدى إيران ثغرة تنفد منها وفرتها لها فريضة الحج. ثغرة لحرسها الثوري وعملائها المجندين لخدمتها، ومنها استنفار المئات من المسؤولين “العراقيين” في كل موسم حج ومعظمهم كانوا وما زالوا يعملون علانية مع الحرس الثوري وغيره من الأذرع الإيرانية أو في خدمة المشروع الإيراني، لأداء الفريضة سنوياً رغم كل التعليقات الساخرة والمتهكمة عليهم من الشعب العراقي لأن غالبية نفقاتهم على حسابات الدولة تضاف إليها بعد عودتهم مكافآت الإيفاد وكأنهم في مهمات رسمية، لكن من بينهم من له مهمات رسمية فعلاً تستدعي التوقف عندها طويلا. فالمهمات اتسعت وتنوعت مع إذكاء الفتنة الطائفية العابرة للحدود التي يستميت العرب لعدم الانجرار خلفها لتفويت الفرصة على المشروع الإيراني والبدء بإطلاق سراح الدول المختطفة وآخرها دولة قطر، أحياناً عدم وجود حل هو الحل، من أجل المراجعة. لكن من يصغي لصوت العقل مع كل هذا الهوس الإيراني؟ كاتب عراقيحامد الكيلاني

مشاركة :