أيام مباركة وواقع مرير

  • 8/27/2017
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

في هذه الأيام المباركة - العشرة من ذي الحجة - تشرئب الأفئدة، وتتطلع العيون، وترنو القلوب، إلى ظلال الهدى، بكثرة الدعاء والاستغفار، وطلب العفو والإكثار من الصدقات، لعل النفوس تتخلص من أدرانها، وتتخلى عما لحق بها من شوائب الأحقاد والفتن، ليكون الختام في يوم الحج الأكبر في عرفة، ومع ذلك هناك كثيرون تمر بهم هذه الأيام دون إحساس بها، أو القيام بعمل يقرب إلى الله من خلالها، وأمر المسلمين في هذا عجب، كأنهم يهدمون ما يبنون بأيديهم، إذا انصرفوا للموبقات، وانغمسوا في الملذات، وتجنبوا المحبة في الله ولله. الأخ عدو أخيه، والجار لا يرعى حرمة جاره، والمجتمعات في قطيعة ما أمر الله به أن يوصل، والجرائم ترتكب باسم الدين، والناس تذبح كالخراف، وباسم الدين أيضا، الذابح يقول: الله أكبر والمذبوح يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فأي مأساة تعيشها هذه الأمة، التي اختلفت على قواسمها المشتركة: الرب والرسول والدين والكتاب والقبلة، وأجمعت على الفرقة والتناحر والتمذهب والحروب الطاحنة، بينما أمم أخرى لا يجمعها رب واحد، ولا رسول واحد، ولا دين واحد، ولا كتاب واحد، ولا قبلة واحدة، ومع ذلك تعيش بأمان ومحبة في مجتمعاتها، وبأمن وسلام مع جيرانها، لأنها تدرك أن في الحروب هدرا للثروات البشرية والاقتصادية، وتبديدا للمكاسب التنموية والحضارية، وما جلبت الحروب غير الهزائم المنكرة، فالكل فيها خاسر، حتى المنتصر فيها لا تخلو حساباته من الخسارة، فكم قدم من ضحايا؟ وكم قدم من قوة وعتاد؟ والنهاية: دمار شامل يعيد المجتمعات إلى المربع الأول من خططها التنموية، لتشييد بنيتها الأساسية، وإعادة تعمير منشآتها التي تعرضت للتخريب في زمن الحرب. أجيال لم تعرف الأمان بعد أن شردتها الحروب في أصقاع الدنيا، ولم تعرف السلام بعد ان هامت على وجوهها في جميع أرجاء الأرض، وتسولت الأمن ولم تجده، وبحثت عن السلام ولم تعثر عليه. وفي نهاية هذا النفق المظلم من الواقع المرير، تلوح بوارق الأمل في يقظة عربية وإسلامية، على أيدي المخلصين من قادة هذه الأمة، ورجال الفكر فيها، ممن يرون الحق حقا ويصرون على اتباعه، ويرون الباطل باطلا ويصرون على اجتنابه، ولا سبيل لنصرة هذه الأمة سوى بالتخلي عن خلافاتها، والعودة إلى تآلفها ووحدة كلمتها وتجاوز أزماتها، فالعدو لها بالمرصاد، وهو المستفيد الأول من خلافاتها، وما أفضلها من مناسبة في هذه الأيام المباركة للعودة إلى الحق، في العلاقات بين الشقيق وشقيقه، والجار وجاره، ولن تحقق الأمم انتصاراتها إلا بوحدة كلمتها، والوقوف صفا واحدا في وجوه أعدائها.

مشاركة :